يوم الخميس الماضي، انشغل متابعو الشأن اليمني باللقاء غير المعلن بين الرئيس اليمني عبد ربه منصور هادي ورئيس المجلس الانتقالي الجنوبي عيدروس الزبيدي، في مقر إقامة الرئيس هادي بالعاصمة السعودية الرياض.
لم يعلن عن هذا الاجتماع رسميا، وتم تسريب خبر اللقاء عبر وسائل الإعلام السعودية التي كشفت عن أنه استمر 80 دقيقة، بينما تحدثت مصادر الحكومة الشرعية عن وقت أقصر من ذلك بكثير. وفي خلاصته، أن الرياض تريد توقيعا من هادي على إعلان الحكومة قبل تنفيذ الشق العسكري والأمني في اتفاق الرياض، وإذا ما حدث ذلك بالفعل فإن الشرعية تذهب بالفعل إلى الانتحار على أعتاب حكومة الكفاءات المزعومة.
الرياض تريد توقيعا من هادي على إعلان الحكومة قبل تنفيذ الشق العسكري والأمني في اتفاق الرياض، وإذا ما حدث ذلك بالفعل فإن الشرعية تذهب بالفعل إلى الانتحار
ليس لدى هادي والزبيدي، وكلاهما جنوبيان، لا الإرادة ولا الصلاحية لصناعة القرار الذي يفترض أن ينهي الجمود الراهن في مسار اتفاق الرياض، فهما أقل شأنا من أن يحرفا مسار التحولات التي رسمتها ودفعت بها القوى الإقليمية لغايات جيوسياسية منفصلة تماما عن الغايات النهائية التي يتطلع إليها اليمنيون، بمن فيهم أولئك الذين يعتقدون أن الانفصال سيعيد إنتاج جمهورية اليمنية الديمقراطية كما كانت عليه قبل 22 أيار/ مايو 1990.
فالرئيس مرتهن لقرار الرياض، والزُّبيدي مرتهن بالكامل
لإرادة أبو ظبي إلى حد يبدو معه اللقاء مجرد غطاء شكلي لتمرير صفقة حكومة الكفاءات المزعومة، والتي تخطط الرياض لكي تكون خاتمة المطاف بالنسبة لاتفاق الرياض؛ الذي مقرر له أن يبقى إشكاليا ومدخلا للمزيد من العبث في الساحة اليمنية من جانب الراعي السعودي لهذا الاتفاق؛ وشريكته الإمارات.
والذي يبدو لي جليا هو أن اجتماع الرئيس هادي بمن يُفترض أنه خصمه المتمرد على سلطته، عيدروس الزُّبيدي، إنما فرض من جانب "اللجنة الخاصة"، وهي شعبة استخبارات سعودية واسعة الصلاحيات وذات مرجعية استثنائية عليا تُعنى بملف اليمن بكل تفاصيله السياسية والعسكرية والأمنية، ويعود تأسيسها إلى العام 1963، أي إلى فترة الحرب اليمنية الثانية عندما كانت السعودية بقيادة الملك فيصل بن عبد العزيز طرفا فيها؛ إلى جانب القوى الإمامية وضدا على ثورة 26 أيلول/ سبتمبر 1962.
ليس لدى السعودية كما الإمارات أي نية لتنفيذ الشق العسكري والأمني في اتفاق الرياض، لأن ذلك من شأنه أن يدمر البنيان السياسي والعسكري للمجلس الانتقالي، والذي شيّده البلدان خلال الخمس السنوات الماضية، وهذا بالتحديد هو الذي يدفع بالمجلس الانتقالي إلى المزيد من التصلب في مواقفه، وفي زيادة وتيرة أنشطته العسكرية والأمنية في مدينة عدن وفي سقطرى.
ليس لدى السعودية كما الإمارات أية نية لتنفيذ الشق العسكري والأمني في اتفاق الرياض، لأن ذلك من شأنه أن يدمر البنيان السياسي والعسكري للمجلس الانتقالي، والذي شيّده البلدان خلال الخمس السنوات الماضية
فقد كانت عدن يوم الجمعة الماضي ساحة لحملة مداهمات واسعة؛ استهدفت الرجال والشباب من أبناء محافظتي شبوة وأبين المحسوبين على الرئيس هادي، ومن محافظة تعز الذين يصطفون مع الشرعية، والذين ينظر إليهم على أنهم خلايا نائمة، وهي نظرة يعززها الموقف المناطقي للقوات التي يعتمد عليها المجلس الانتقالي والتي ينتمي معظمها إلى منطقتي الضالع ويافع، الأمر الذي يُبقي مسببات الصراع ودوافعها قائمة في الجنوب عامة وفي مدينة عدن خاصة، على نحو لا يشجع الانتقالي أبدا على التخلص من قواته وأسلحته، خصوصا في عدن.
وفي الشق السياسي لاتفاق الرياض، لا يبدو أن الأمر سيتوقف على تمكين المجلس الانتقالي من حزمة حقائب تجعله مؤثرا في سياسات الحكومة المقبلة، فالهدف تَطَوَّر إلى ما هو أبعد من ذلك، وهو إفراغ الحكومة من مضمونها الوطني، ومن رسالتها النضالية والتزاماتها الدستورية تجاه الشعب اليمني الذي ينتظر من الحكومة والسلطة الشرعية، استعادة الدولة من المليشيات المسلحة في شمال البلاد وجنوبها.
وينتظر منها كذلك تحرير الإرادة اليمنية من نفوذ القوى الإقليمية ومن الاستقطابات التي تكاد تغرق اليمن في التفاصيل اللبنانية، من المحاصصة السياسية إلى الاستحقاقات الطائفية، واللعب على الثنائيات الجهوية والطائفية التي كان اليمنيون قد قبروها في عامي 1962 و1967 من القرن الماضي، بإنهاء الإمامة الزيدية السلالية والكهنوتية المتخلفة، واستقلال جنوب الوطن وإنهاء حكم السلطنات والمشيخات التي كانت تقع تحت حماية الاستعمار البريطاني.
السعودية التي أشهرت سلاح المقاطعة لبضائع تركيا، العضو في منظمة التجارة العالمية ومجموعة العشرين، يبدو أنها تتصرف في الزمن الضيق المتبقي لها قبل السقوط في قعر الفشل وربما الانهيار، وهذا يوفر سببا كافيا لعدم الثقة بالدور السعودي
إن السعودية التي أشهرت سلاح المقاطعة لبضائع
تركيا، العضو في منظمة التجارة العالمية ومجموعة العشرين، يبدو أنها تتصرف في الزمن الضيق المتبقي لها قبل السقوط في قعر الفشل وربما الانهيار، وهذا يوفر سببا كافيا لعدم الثقة بالدور السعودي السياسي والعسكري على الساحة اليمنية، ويحتم على اليمنيين ضرورة الحفر في الجدار الصلب الذي شيّدته الرياض في طريق استعادة الدولة والاستقرار في بلادهم.
من المؤسف أن القيادة السعودية الحالية، تعتقد أن تحصين موقفها السياسي الراهن الذي يتجه نحو القطع مع الهوية الإسلامية بصيغتها الوهابية المتشددة، ومع كافة الالتزامات التي ترتبت عليها خلال القرن الماضي، يتطلب إبقاء اليمن تحت السيطرة، ملحقا لا يملك القدرة على الاتصال بالأجندات الإقليمية. وواحد من أهداف احتواء السلطة الشرعية وإضعافها هو جعل هذه السلطة وسيلة مرحلية لإعادة هندسة اليمن المقبل؛ عبر صيغ من بينها التفكيك والاحتواء والصفقات الاستعلائية، وهذا أمر دونه الكثير من التعقيدات.
twitter.com/yaseentamimi68