نشرت
صحيفة "واشنطن بوست" مقالا قالت فيه إن مسؤولين
لبنانيين حاولوا قبل أيام
من انفجار مستودع المواد الكيماوية في مرفأ بيروت تأمينها. وقالت إن نشاطات غير عادية
حدثت حول مستودع 12 الذي خزن فيه 2.750 طنا من نترات الأمونيوم القابلة للاشتعال. وظلت فيه المواد بدون أن يهتم بها أحد لست سنوات. وبناء على أمر من قاض كبير تم إرسال ثلاثة
عمال لإصلاح باب مكسور وتغطية حفرة في الجدار الجنوبي للمستودع والتأكد من أن كل أبواب
المستودع محكمة.
وحصلت
صحيفة "
واشنطن بوست" على وثيقة تشير لهذه التحركات وقابلت المسؤولين المشاركين
بالتحقيق في الانفجار.
وتقول
الصحيفة في تقرير لها، ترجمته "عربي21" إن العمل استمر على صيانة المستودع
حتى مساء الانفجار. وربما كانت هذه هي المحاولة الأولى منذ رسو السفينة المحملة بنترات
الأمونيوم في ميناء بيروت عام 2013 للتأكد من سلامة المواد.
وتقول
الصحيفة إن المحاولة بدلا من حماية المواد القابلة للانفجار أدت إلى زيادة فرص انفجارها
والكارثة التي حصلت. فقد أدت عملية وضع المواد في مستودع محكم الإغلاق لزيادة فرص اشتعالها
بدون أي فرصة لرجال الإطفاء الذين وصلوا في الساعة 5.50 من يوم 4 آب/أغسطس لإطفاء حريق
اشتعل في المستودع للدخول إليه.
وقال
العقيد نبيل حنكرلي، مدير إطفائية بيروت إن العمال الذين كانت معهم مفاتيح المخزن غادروا
المرفأ بعد نهاية عملهم. وحاول ثلاثة عمال إطفاء دفع واحد من الأبواب المقفلة وسط الدخان
المتصاعد بدون نجاح. وكان في داخل المستودع مزيج من المواد الكيماوية والمتفجرة بما
فيه الكاز وغاز النفط و25 طنا من الألعاب النارية وصمامات انفجار تستخدم في المحاجر
ومواد كيماوية تستخدم لنزع الدهان وكلها خزنت إلى جانب مستودع نترات الأمونيموم حسب
غسان عويدات النائب العام التمييزي في قصر العدل. وقال إنه تم الحصول على السجل الرسمي
للمواد التي تم استخراجها من أجهزة الكمبيوتر في المرفأ. وفي الساعة 6.08 انفجر كل
المستودع بقوة دمرت المناطق والأحياء السكنية المكتظة. وخلف الانفجار وراءه 180 قتيلا
وجرح 6.000 شخص وترك المدينة في حالة من الحزن والبؤس. وكان من بين القتلى 10 عمال
إطفاء.
وسبق
الانفجار ملحمة رسمية من الإهمال والعجز واللامبالاة امتدت على مدى 7 أعوام بشكل طرح
أسئلة حول قيام شخص في لبنان يفهم خطورة نترات الأمونيوم، بالبحث عن طرق لمعالجة المخاطر.
وقال
عويدات الذي تركزت عليه الأنظار لعدم تحركه مبكرا إنه لم يعلم بالمحتويات الموجودة
في المستودع أو المخاطر التي تمثلها
نترات الامونيوم، وذلك عندما طلب من الأمن العام
إذنا لتأمين المكان، وقال: "اتصل بي الأمن العام وقال إنهم خائفون من سرقة المواد"،
مضيفا: "أخبروني بوجود نترات ولم يخبروني أنها مخزنة مع مواد أخرى"، وتابع:
"طلبت منهم تأمينها وإحكام أبوابها بحيث لا يتمكن أحد من سرقتها".
وفي
تقرير أرسله الأمن العام إلى مكتب الرئيس ورئيس الوزراء في 20 تموز/ يوليو كشف عن أن
مخاوف السرقة كانت الهم الأكبر. وجاء في التقرير: "هذه المواد خطيرة وتستخدم في
تصنيع المتفجرات. ولو سرقت فسيستخدمها اللص لصناعة المتفجرات".
وأشار
التقرير لاحتمال "كارثة" لو انفجرت نترات الأمونيوم لكن التأكيد ظل على إمكانية
تعرضها للسرقة. وجاء فيه أن الثغرة في المستودع والباب المكسور "يسمحان لأي شخص بالدخول".
ولا
يعرف السبب الذي أدى لاندلاع الحريق ولا الانفجار الأول الذي أدى للانفجار الضخم. وهناك
إمكانية يتم فيها التحقيق هي شرار لحام كان يقوم به ثلاثة عمال - سوريون تركوا المرفأ
قبل الانفجار وتم اعتقالهم- وربما كان سببا في اندلاع نار أدت لاشتعال نترات الأمونيوم.
وبحسب
شخص مطلع على التحقيقات فقد عمل السوريون في الموقع من 31 تموز/ يوليو حتى يوم الانفجار
ولكنهم غادروا الموقع قبل الانفجار. ويقول المسؤولون إنهم يحققون في إمكانية إشعال
النار في المكان عن قصد من أجل التغطية على سرقة نترات الأمونيوم التي يقوم الأمن العام
بالتحقيق فيها.
وما
هو واضح كما يقول جيفري لويس، الخبير في مجال التحكم بالسلاح والأستاذ بمعهد ميدلبرة
للدراسات الدولية، أن كوكتيل المواد التي خزنت معا في مستودع 12 خلق "وضعا خطيرا
جدا" و"كل هذه شكلت مخاطر لاشتعال النار والانفجار وكل بطريقتها. ولهذا فتخزينها
معا هي طريقة للبحث عن مشاكل".
وأشارت
الصحيفة إلى أن أسئلة أخرى طرحت حول مالك الشحنة الحقيقي وإن تم حرف مسارها قصدا إلى
بيروت نيابة عن طرف من أطراف الحرب في سوريا. إلا أن الوثائق التي اطلعت عليها صحيفة
"واشنطن بوست" والمقابلات مع المسؤولين والخبراء المشاركين في التحقيق تقترح
أن الجهل والتجاهل والبيروقراطية الخانقة لعب دورا كبيرا في التراجيديا. ولم تجر سوى
محاولات متقطعة لإخراج المواد من المرفأ. وطلب مسؤولوه من الجهاز القضائي إذنا لنقل
المواد، فيما طلبت الجمارك إذنا من فرع آخر في القضاء. وقالت المحاكم إنه لا صلاحية
لها على الشحنة وحولت الأمر إلى الوزارات.
وفي
كل العرائض المقدمة للقضاة أشارت إلى خطورة مادة نترات الأمونيوم على المرفأ والعاملين
فيه. لكن لا أحد أشار إلى خطورتها على السكان المقيمين في محيط الميناء. مع أن خطورة
نترات الأمونيوم كان يجب أن تكون واضحة من اللحظة التي وصلت فيها إلى المرفأ.
فسفينة
"أم بي روسوس"، التي كانت ترفع العلم المولدوفي وتعاني من عطب أدى لتسرب
الماء، كان يملكها روسي يدير عملا مسجل في بنما، ورست في ميناء بيروت يوم 16 تشرين
الثاني/ نوفمبر 2013. وبحسب مذكرة الوصول فقد كانت السفينة تحمل "مواد خطيرة"،
أي 2.750 طنا من نترات الأمونيوم. وجاء في المذكرة أن السفينة كانت تخطط للبقاء يوما
في الميناء حيث ستحمل شحنات إضافية مكونة من 5 حاويات و8 شاحنات. لكن الشحنة الإضافية
كانت ثقيلة ولا تتحملها روسوس التي ظلت في الميناء قبل أن تقرر السلطات اللبنانية مصادرتها
بعد شهر نظرا لعدم دفع صاحب السفينة رسوم الإقامة. وبعد ستة أشهر أصدر قاض قرارا سمح
للسلطات بتنزيل الحمولة خوفا من غرق السفينة، حسبما جاء في قرار المحكمة في 27 حزيران/يونيو
2014.
وفي
تحذير واضح حول محتويات الشحنة قال القاضي جاد معلوف إن "السفينة تحمل مواد خطيرة
على المرفأ" و"يمكن للحكومة نقل المواد إلى مكان آمن طالما حرستها واتخذت
كل الإجراءات الاحترازية، نظرا للخطورة". وبناء عليه تم نقل المواد إلى مستودع
12 المخصص لتخزين المواد الخطيرة. ولا يبعد سوى مسافة قصيرة عن أحياء سكنية مثل الجميزة
ومار ميخائيل والكرنتينا.
ومع
وصول المواد إلى المستودع 12 دخلت عالم مرفأ بيروت الفاسد والغامض. فكل فصيل في لبنان
لديه حضور وتستخدمه للتهريب وأخذ الرشوة كما يقول رياض الكبيسي من قناة الجديد.
ويشك
أن المسؤولين لم يكونوا واعين لمخاطر المواد "الحمقى الذين وضعوا الألعاب النارية
إلى جانب نترات الأمونيوم كانوا حمقى بدرجة كبيرة لكي لا يعرفوا خطرها". ويحاول
المحققون متابعة خط في التحقيق حول بيع نترات الأمونيوم وربما بكميات قليلة. وفي القرار
الذي أصدره رئيس الوزراء يكشف السرية عن الودائع المصرفية لـ 11 مسؤولا على علاقة بالمرفأ
وصدر أمر بالحبس الإجباري سيساعد المحققين على تحديد مصادرهم المالية وإن تلقوا أموالا
من الخارج.
وقال
مصدر أمني إن الثغرة في المستودع التي أمر القاضي بإغلاقها كانت من فعل فاعل، حسب مسؤول
أمني بارز. وكشفت صورة اطلعت عليها الصحيفة الثغرة في الجدار والتي ظهرت منها أكياس
نترات الأمونيوم. وفي شريط فيديو صور قبل الانفجار وحصلت عليه قناة الجديد وأظهر كيف
نثرت الأكياس على أرضية المستودع. وواحد منها بدا وكأنه فتح ولم يكن مملوءا.
وتظل
الكميات التي اختلست أو سرقت قليلة لأن حجم الانفجار يكشف أنه على قدر المادة المخزنة
حسبما يقول لويس من معهد ميدلبرة. وحسب لويس فإن 2.750 طنا من نترات الأمونيوم كافية
لأن تحدث انفجارا بمستوى 550- 580 طنا من تي أن تي.
وسواء
تم نشر تحقيق كامل أم لا، إلا أن قلة من اللبنانيين تثق بالساسة. وقال شخص على معرفة
بالتحقيق: "لا فرصة حتى في جهنم للمحاسبة". ويجد المحققون صعوبة في تحديد
مصدر النار الأولى لأن المستودع سوي بالأرض وترك حفرة امتلأت بالماء.