أعلن رئيس الجمهورية التركية رجب طيب أردوغان، يوم
الجمعة الماضي، في مدينة إسطنبول، أن سفينة "فاتح" للتنقيب اكتشفت في
البحر الأسود 320 مليار متر مكعب من
الغاز الطبيعي، وأن
تركيا ستبدأ استخدام هذا الغاز
المحلي عام 2023؛ الذي ستحتفل فيه البلاد بالذكرى المئوية لتأسيس الجمهورية.
تركيا تعتمد على الخارج في تلبية احتياجاتها للنفط
والغاز الطبيعي. وبلغ العام الماضي حجم استهلاك الغاز الطبيعي في البلاد 44.9
مليار مكعب، وتم استيراد 99 في المئة من هذه الكمية من الدول الأخرى، مثل روسيا
وإيران وأذربيجان. ومن المؤكد أن الغاز المكتشف في بئر "تونا-1" سيؤدي
بعد إخراجه وعرضه للاستخدام، إلى تراجع هذا الاعتماد الكلي للخارج، وسيقوي يد
أنقرة في
صفقات الطاقة. كما أن تركيا تدفع سنويا 12 مليار دولار لاستيراد الغاز
الطبيعي، ما يشكل ثقبا أسود في الحساب الجاري، ويرفع حاجة البلاد إلى الدولار
الأمريكي. ومع استخدام الغاز الطبيعي المحلي، سيزول ذاك الثقب الكبير تدريجيا،
ليسجل الحساب الجاري فائضا، كما ستتراجع حاجة تركيا إلى العملة الصعبة.
الاكتشاف الذي أعلنه أردوغان يعد خطوة مهمة
نحو
الاكتفاء الذاتي في مجال
الطاقة، ويبشر باحتمال اكتشافات مماثلة في الأيام القادمة،
سواء في البحر الأسود أو البحر الأبيض المتوسط. ومن المتوقع أن تصل سفن البحث
والتنقيب التركية إلى اكتشافات جديدة للغاز الطبيعي والنفط؛ إذا ما
واصلت أعمالها من
أجل نقل تركيا من بلد مستورد للطاقة إلى مصدر لها.
البشارة التي أعلنها رئيس الجمهورية التركية قبل أيام
لم تأت من فراغ، بل هي ثمرة الجهود الحثيثة التي تبذلها وزارة الطاقة والموارد
الطبيعية التركية منذ مدة لاكتشاف احتياطيات النفط والغاز الطبيعي في الوطن
الأزرق. وكانت لدى تركيا عام 2011 سفينة "بيري رئيس" القديمة للمسح
الزلزالي فقط، وأما اليوم فهناك خمس سفن كبيرة ومتطورة تواصل أعمالها في البحر
الأسود والبحر الأبيض المتوسط؛ اثنتان للمسح الزلزالي، هما: سفينة "عروج رئيس"
وسفينة "بارباروس"، وثلاث سفن للحفر، هي سفينة "فاتح" وسفينة
"ياووز" وسفينة " قانوني". ومن هذه السفن الخمس سفينة
"فاتح" التي تعمل حاليا في البحر الأسود، وأما البقية الأربع فتواصل أعمالها
في البحر الأبيض المتوسط.
تركيا تملك تلك السفن الخمس، وتقوم بأعمال التنقيب
بقدرات وطنية، بدلا من استئجار سفن أو التعاقد مع شركات أجنبية لأعمال البحث والتنقيب،
ما يقلل تكاليف تلك الأعمال، ويكسب تركيا خبرة كبيرة في هذا المجال. ويشير
الأميرال المتقاعد، جهاد يايجي، إلى أهمية امتلاك هذا الأسطول، قائلا إن حفر بئر
واحدة بسفينة مستأجرة يكلف 500 مليون دولار، ولكن تكلفة حفر بئر واحدة حاليا بسفينة تعود
ملكيتها إلى تركيا لا تتجاوز 38 مليون دولار. وقد تستخدم تركيا سفنها وخبرتها في المستقبل
القريب في أعمال مشتركة مع دول صديقة، مثل باكستان وليبيا، للبحث والتنقيب في مياه
مناطق نفوذهما البحرية.
احتياطيات الغاز الطبيعي والنفط التي يتوقع أن
تكتشفها تركيا، على غرار اكتشافها للغاز الطبيعي في البحر الأسود، ستسهم بالتأكيد
في تعزيز الاقتصاد التركي الذي حقق قفزة نوعية في مجالات مختلفة، أهمها
الصناعات
العسكرية، لأنه اقتصاد قوي مبني بالدرجة الأولى على الإنتاج.
وكان افتقار تركيا إلى موارد الطاقة يشكل نقطة ضعف
للاقتصاد التركي ويستنزفه. ومن المؤكد أن اكتشاف احتياطيات الغاز الطبيعي والنفط
في البحر الأسود والبحر الأبيض المتوسط سيعالج هذه المشكلة، بل سيضاف امتلاك تركيا
لموارد الطاقة إلى نقاط قوتها، وسيشكل عامل دفع قويا للاقتصاد التركي، ما لم يصب بـ"المرض
الهولندي"، وهو ظاهرة تراجع الإنتاج في قطاعات التصنيع والزراعة وغيرهما بسبب
الوفرة المفاجئة للموارد الطبيعية. وأطلق عليها هذا الاسم لظهورها في هولندا بعد
اكتشاف حقل كبير للغاز الطبيعي عام 1959.
تركيا تسير بخطوات واثقة نحو التخلص من أغلال الطاعة،
والتحرر من قيودها، سواء من خلال أعمال البحث والتنقيب عن موارد الغاز الطبيعي
والنفط أو الاستثمار في مشاريع الطاقة المتجددة، مثل الشمسية والكهرومائية
والهوائية، بالإضافة إلى المحطات النووية. ويتوقع أن تدخل تركيا بحلول عام 2024
ضمن أكبر خمس دول أوروبية منتجة للطاقة المتجددة. وتأمل أنقرة أن تؤتي هذه الجهود
المتنوعة ثمارها، عاجلا أو آجلا، لتنهي اعتماد البلاد على الخارج في تلبية
احتياجاتها للطاقة.
twitter.com/ismail_yasa