قضايا وآراء

ماذا وراء تغريدة عبد الخالق القلقة؟

عبد الله المجالي
1300x600
1300x600
أطلق الأكاديمي الإماراتي المعروف الدكتور عبد الخالق عبد الله تغريدة؛ جاءت خارج السياق فيما يتعلق باتفاق الإمارات التطبيعي مع الكيان الصهيوني.

وكتب عبد الخالق يقول: "نحن أمام حدث سياسي صعب ومعقد ولسنا في عرس. نصفكم غير فاهم القصة وربعكم كالأطرش في الزفة، وبعضكم صار صهيونيا أكثر من الصهاينة"، مضيفا أن "هرولتكم غير مطلوبة أصلا، وأنتم تسيئون أكثر مما تفيدون دولة مقبلة على حدث مفصلي ضخم"، على حد قوله.

عبد الخالق يبدو في تغريدته كشخص يرقب قاربا تتلاطمه الأمواج يوشك على الغرق، والناس على ظهره يرقصون ويغنون غير عابئين بالخطر الداهم، والقبطان يقول لهم: لا شيء يدعو للقلق!!

التغريدة قد تعبر عن الخوف والقلق الشخصي لدى الأكاديمي المدافع والمشتبك دوما مع معارضي سياسة الإمارات الخارجية، وقد تعبر عن خوف وقلق لدى نخبة سياسية أو اقتصادية بعيدة عن مركز القرار السياسي في أبو ظبي.

عبد الخالق يقول بصراحة إن بلاده أمام حدث سياسي صعب ومعقد! ومقبلة على حدث مفصلي ضخم!

لا شك في أنه يتحدث عن الاتفاق التطبيعي الذي وقعه ولي عهد أبو ظبي محمد بن زايد مع الكيان الصهيوني، بالتأكيد فإنه قلق على مصير الإمارات، ولكن ممّ يقلق عبد الخالق والنخبة التي يمثلها من إقامة علاقة مع "دولة" قوية؟

هل يقلق عبد الخالق من رد الفعل العربي الرسمي؟ كلا، فحتى الرئيس العفوي الذي بَزَّ أحمد شوقي في التعبير عن مشاعره القومية وحبه لفلسطين لم يأت على ذكر الإمارات أو انتقادها. وحتى جارته بلد المليون شهيد وصاحبة المقولة الأثيرة "مع فلسطين ظالمة أو مظلومة" لم تنبس هي الأخرى ببنت شفة تجاه الإمارات، ولا حتى المغرب الذي يشوب التوتر علاقته مع أبو ظبي. أما مصر فقد رحبت، والأردن كذلك على مضض، ناهيك عن السودان الذي يبدو وكأن أحدا يمسك بتلابيبه حتى لا "يتدعثر" وهو يجري بسرعة لتل أبيب.

وحدها السلطة الفلسطينية التي هاجمت الموقف الإماراتي بشجاعة، فهل يخشى منها عبد الخالق؟ لا أظن، فليس لدى السلطة أي أدوات سياسية أو اقتصادية حتى تهدد مصير الإمارات. كما أن لدى الإمارات ورقة رابحة تجاه السلطة تدعى "محمد دحلان"، ويمكن مقايضتها في الوقت المناسب لتخفيف غلواء السلطة تجاهها!

هل يقلق عبد الخالق من رد الفعل الشعبي؟ لا أعتقد أن ساسة أبو ظبي أو عبد الخالق نفسه كانوا يعتقدون أن الاتفاق سيحظى برضا الشعوب أو سكوتها، خصوصا أنهم يدركون أن معظم الرأي العام السياسي المناصر لفلسطين يشكله التيار الإسلامي وعلى رأسه الإخوان المسلمون، وهم أصبحوا بفضل سياسية أبو ظبي إما إرهابيين أو محظورين أو محاصرين في كل الدول، وهو ما جعل ردة الفعل الشعبية تنحصر جلها في الفضاء الالكتروني. صحيح أن الإمارات قد تخسر سمعتها شعبيا، وقد تفقد قواها الناعمة قدرتها في المنطقة، إلا أن هذا الأمر لا يهدد مصير الإمارات.

هل يقلق عبد الخالق من المحور القطري التركي؟ لكن هذا المحور ليس جديدا، وقد اعتاد عبد الخالق على مهاجمته دائما، ثم إن قطر لن تكون لها مشكلة كبيرة في الاتفاق الإماراتي، فالدوحة لها علاقاتها بشكل أو بآخر مع تل أبيب، وهي تلعب دورا محوريا بينها وبين غزة، إضافة إلى أن الدوحة مارست التطبيع الرياضي وإن بشكل أقل استفزازا من الإمارات، وتقبلت الانتقادات التي وجهت لها، كما أنها مقبلة على حدث عالمي كبير عام 2022 لا يسمح لها بانتقاد تطبيع أي جهة مع الكيان الصهيوني.

فهل يقلق عبد الخالق من تركيا؟ فقد باتت العلاقات التركية الإماراتية متوترة للغاية، بل إن أردوغان هدد بقطع العلاقات الدبلوماسية مع أبو ظبي. انزعاج تركيا يأتي من انعكاس الاتفاق الإماراتي الصهيوني على طموحات تركيا شرق المتوسط، أما تفاصيل تلك العلاقة وتغلغل الكيان الصهيوني داخل الإمارات، وإن كان سيكون مثار قلق، لكنه لن يهدد تركيا.

كما أن تركيا بلد بعيد جدا عن الإمارات وهو محسوب على المنظومة الغربية، ولا يمكن أن يهدد مصير الإمارات.

هل يقلق عبد الخالق من تحركات داخلية؟ لا أحد يتوقع أن يستطيع أحد داخل الإمارات معارضة سياسة أبو ظبي علنا، فالقبضة الأمنية لا تترك هذا المجال لأحد. قد يعرف عبد الخالق أكثر مما نعرف عن الداخل الإماراتي، لكننا كمراقبين نرى الأمور متركزة في ثلاثي أبناء زايد (محمد، عبد الله، طحنون) فالثلاثة يتحكمون بالجيش والعلاقات الخارجية والأمن داخل الدولة. ولا نستطيع تخمين الأجواء داخل الإمارات الأخرى ومدى انسجامها مع سياسات أبو ظبي، لكن القلق الجدي الذي يبديه عبد الخالق على مصير الإمارات قد يحرك أطرافا داخلية.

فهل يقلق عبد الخالق من إيران؟ لقد أبدت إيران انزعاجا شديدا من الاتفاق، وفي لغة لا تخلو من التهديد قال الرئيس الإيراني حسن روحاني إن "الإمارات ترتكب خطأ إذا اعتقدت أنها ستتمكن من تعزيز أمنها واقتصادها من خلال التقرب من الولايات المتحدة وإسرائيل". وشدد مهددا: "نحذر الإمارات من السماح لإسرائيل بأن يكون لها موطئ قدم في المنطقة، لأن حساباتنا معها ستختلف في ذلك الوقت". فماذا يعني تصريح روحاني بأن حسابات بلاده ستختلف مع الإمارات؟ وكيف قرأ عبد الخالق هذا التصريح؟

وفي ذات السياق حذرت الخارجية الإيرانية "من أي تدخل من قبل الكيان الصهيوني في معادلات منطقة الخليج"، وحملت أبو ظبي "جميع تداعيات هذه الخطوة".

التهديد الأخطر ساقته صحيفة كيهان الإيرانية، وتحدثت عن أن الإمارات أصبحت "هدفا مشروعا" للقوات الموالية لطهران، وأضافت: "إذا كان (للقرار الإماراتي) نتيجة واحدة فقط، فستكون جعل هذا البلد الصغير الثري المعتمد بشكل كبير على الأمن هدفاً مشروعاً وسهلاً للمقاومة".

صحيح أن إيران تقول صراحة إن الاتفاق طعنة في ظهر القضية الفلسطينية، لكن ما لا تقله صراحة هو أن الاتفاق طعنة في ظهر الثورة الإسلامية الإيرانية، ربما أكثر منه طعنة للقضية الفلسطينية، فإيران تعتقد أن الاتفاق مع الإمارات موجه ضدها على وجه التحديد، ما اضطر وزير الدولة للشؤون الخارجية الإماراتية أنور قرقاش أن يعلن أن الاتفاق ليس موجها ضد إيران.

عبد الخالق يراقب العلاقات الإيرانية الإماراتية، ورأى أن أبو ظبي ربما بدأت تشعر بمنسوب قوة جديد، وربما بدأت تتهور تجاه الجارة القوية والشرسة؛ فأبو ظبي لم تتحمل تصريحات روحاني واستدعت القائم بأعمال السفارة الإيرانية، وسلمته مذكرة احتجاج شديدة اللهجة على خلفية التهديدات التي وجهها روحاني. ليس هذا فحسب، بل أقدمت البحرية الإماراتية على إطلاق النار على زوارق صيد إيرانية وقتلت اثنين من الصيادين على متنها، وقالت إن ثمانية قوارب صيد إيرانية دخلت بشكل غير قانوني مياه الإمارات وأنها لم تتوقف عند الطلب و"تم تطبيق قواعد الاشتباك". الحادثة أغضبت إيران واستدعت القائم بأعمال السفارة الإماراتية في طهران، واحتجزت سفينة إماراتية.

يدرك عبد الخالق أن العلاقات الإيرانية الإماراتية كانت على الدوم على ما يرام رغم كل العواصف التي يثيرها التوتر بين طهران وواشنطن، أو حتى بين طهران والرياض. فقد عرفت كيف توازن تلك العلاقات لتلافي غضب طهران ومخالبها، والتبادل التجاري الضخم الذي يفوق العشرة مليارات دولار سنويا، بحسب أرقام غير رسمية صادرة عن مؤسسات اقتصادية إيرانية، دليل على ذلك.

لكن جلب الكيان الصهيوني إلى مقربة من الشواطئ الإيرانية قد يقلب كل الحسابات الإيرانية، فنشاط إسرائيل ونشاط الموساد المتوقع في أبو ظبي، لن تتركه طهران بلا عقاب أو رد فعل.

وهل تستطيع أبو ظبي موازنة علاقتها مع طهران وتل أبيب؟ يمكن، لكن السؤال: هل ستترك تل أبيب أبو ظبي تفعل ذلك وتتخلى عن الفرصة الذهبية التي أتاحها لها الاتفاق لتهديد طهران؟ وفق ما نعرفه عن تل أبيب، لا يمكن لأحد، وخصوصا الأكاديمي عبد الخالق، توقع ذلك.

يدرك عبد الخالق أن إيران كانت سعيدة بنشاطات الإمارات واضطلاعها بدور رئيسي في الثورات المضادة، فإيران لم تكن سعيدة بثورات الربيع العربي وإفرازاته، لذلك فهي لم تستنكر الانقلاب العسكري بمصر، وتعاملت مع نظام السيسي. ولا يفوت الأكاديمي الإماراتي أن مصر السيسي ليست على خصومة مع طهران.

كما أن دور الإمارات في سوريا كان يصب لمصلحة إيران، خصوصا فيما يتعلق بدعمها لنظام الأسد اقتصاديا. كما أن طهران تقف في ذات الصف الذي تقف فيه الإمارات في ليبيا.

وطهران لا ترى أي مشكلة في عداء الإمارات لتيار الإسلام السياسي السني، بل هو أحيانا يصب في مصلحتها.

وطهران راضية تماما عن نشاطات الإمارات في اليمن في ما يتعلق بدعم الانفصال هناك، ودعم المجلس الانتقالي الذي يرأسه عيدروس الزبيدي الذي استثمر فيه حزب الله اللبناني الكثير.

يدرك عبد الخالق أن دولتين في المنطقة قادرتان على كبح جماح الإمارات ووأد طموحاتها التوسعية، وردها على أعقابها خائبة؛ السعودية وإيران. أما الأولى فليست معنية بهذا الأمر، بل إنها تعتقد أن اتفاق الإمارات قد يحاصر خصمها اللدود إيران.

يدرك عبد الخالق أن اختلاف حسابات طهران مع بلاده، قد يشكل كارثة حقيقية لبلاده، فالمصلحة القومية العليا لإيران تقتضي حتى هذه اللحظة إمارات آمنة منتعشة اقتصاديا مفتوحة على طهران، لكن إذا اختلفت الحسابات وشعرت طهران بخطر حقيقي يقترب منها، عندها قد تقدم مصلحة النظام الأمنية على المصالح الاقتصادية المترتبة على إمارات آمنة ومنتعشة!

يدرك عبد الخالق أن إيران لديها القدرة على إيذاء الإمارات، وآثار تفجير ناقلات النفط قبالة سواحل الإمارات أو هجمات أرامكو لم تختف بعد.

يدرك عبد الخالق أيضا أن أي تحالف إيراني تركي ضد اتفاقيتها مع الكيان الصهيوني ستكون له عواقب وخيمة على بلاده، خصوصا إذا وجه الاتفاق التركي الإيراني لنشاطات الإمارات التوسعية في البلاد العربية.

لا أعتقد أن عبد الخالق يرفض من حيث المبدأ إقامة علاقات كاملة لبلاده مع الكيان الصهيوني، لكنه يصف ذلك بالحدث السياسي الصعب والمعقد والمفصلي الضخم. وهو بشكل ضمني يطالب حكام بلاده بالتريث وإعادة الحسابات، أو على الأقل أن يجدوا معادلة جديدة توازن بين علاقتهم بتل أبيب وعلاقتهم بطهران، ويحذرهم من الشعور بالأمان أو غرور القوة لمجرد تقربهم من تل أبيب. 
التعليقات (0)