هذا الموقع يستخدم ملف تعريف الارتباط Cookie
جاء رد الفعل
الإيراني مستهجنا وبشدة للتطبيع الإماراتي مع الاحتلال الإسرائيلي، ما يعطي مؤشرا
على ما يشكله الاتفاق من تهديد مباشر للمصالح الإيرانية.
فمن جانبه، وصف
الرئيس الإيراني، حسن روحاني، السبت الماضي، التطبيع الإماراتي-الإسرائيلي
بـ"الخطأ والخيانة"، داعيا أبوظبي إلى الرجوع عنه.
وحذر روحاني
الإمارات من أن "تجعل موطئ قدم لإسرائيل في المنطقة"، مهددا
بـ"تغيير معاملة" طهران مع أبو ظبي.
أما رئيس هيئة
أركان الجيش الإيراني، محمد باقري فاستبق الأحداث، وحمّل الإمارات المسؤولية عن
"أي شيء يحصل في منطقة الخليج يُعرض الأمن القومي لإيران للخطر"، وقال: "لن نتسامح مع ذلك".
وعلى خلفية
الموقف الإيراني، استدعت وزارة الخارجية الإماراتية، الأحد، القائم بالأعمال في
السفارة الإيرانية في أبوظبي، وسلمته مذكرة احتجاج "شديدة اللهجة" على
خطاب الرئيس روحاني، معتبرة رد الفعل الإيراني "تهديدا لها".
عودة التوتر
ويقول الكاتب
والمحلل السياسي، صابر عنبري، إن إيران لم تكن تتوقع أن تتجرأ دولة جارة مثل
الإمارات على أن تعلن عن تطبيع كامل يشبه التحالف مع الاحتلال الإسرائيلي، العدو
لطهران.
ومشيرا إلى تطور
العلاقات الإيرانية الإماراتية خلال العام الأخير، يرى عنبري في حديثه
لـ"عربي21" أن أبو ظبي هدفت من التقارب مع طهران إلى "التستر عما
يحدث في الجانب الآخر من علاقتها مع الجانب الإسرائيلي"، و"محاولة منها
لكبح الغضب الإيراني لاحقا عند الإعلان عن هذه العلاقات".
اقرأ أيضا: أبوظبي تستدعي القائم بأعمال إيران وتصف خطاب روحاني بالخطير
وخلافا لحليفتها
السعودية، تحظى الإمارات بعلاقات جيدة مع إيران، شهدت تطورا ملموسا في المباحثات
السياسية والأمنية والتجارية بين الجانبين خلال الفترة الماضية، وجرت آخر
المحادثات الودية مطلع الشهر الجاري في لقاء عبر الفيديو جمع وزيري خارجية
البلدين، وناقشا خلاله مستجدات جائحة كورونا وقضايا المنطقة المختلفة.
وتعتبر إيران
شريكا تجاريا هاما للإمارات، وبلغت قيمة المبادلات التجارية بينهما نحو 13.5 مليار
دولار في العام الماضي.
وتحتل الإمارات
المرتبة الثانية في سلم أكبر مصدري البضائع إلى إيران بعد الصين بقيمة 9.11 مليارات دولار، فيما استوردت من إيران خلال العام الإيراني المنصرم (21 آذار/مارس 2019 حتى
19 آذار/مارس 2020) بقيمة 4.5 مليارات دولار.
وتخشى إيران من
أن يصبح لعدوها الإسرائيلي موطئ قدم في منطقة حساسة للغاية وهي منطقة الخليج، وفق
ما قال عنبري.
ويوضح عنبري أن هناك
جملة من المخاطر التي تخشاها إيران من وراء الاتفاق، فحضور "إسرائيل" إلى المنطقة
عبر البوابة الإماراتية يعتبر من وجهة النظر الإيرانية "خطورة على الأمن
الإقليمي التي هي جزء منه".
ورغم التواصل
الإماراتي الإيراني، إلا أن العلاقات الإيرانية مع دول الخليج تبقى
"متوترة" بشكل عام، ووفقا لعنبري فإن "الاتفاق الإماراتي
الإسرائيلي وما يتبعه من اتفاقيات أخرى مماثلة ستعمق الأزمة في المنطقة بين إيران
والدول المجاورة لها، وستقضي على أي فرصة لإمكانية حل الخلافات بين هذه
الدول".
ويعتقد الكاتب
عنبري أن الاتفاق يأتي في "صلب الضغوط القصوى من الولايات المتحدة ضد إيران،
حيث تحاول واشنطن من خلال توسيع تحالفات تل أبيب في المنطقة تشكيل ضغط على طهران
في محيطها الأمني وبيئتها الإقليمية".
وهناك خشية
إيرانية من أن يوفر الاتفاق "أرضية لإسرائيل لدى جارتها الجنوبية (الإمارات) فتقوم
بأعمال أمنية واستخباراتية داخل إيران"، حيث سبق أن مارست
"إسرائيل" أعمالا عدائية ضد إيران عبر اغتيال علماء نوويين، بحسب ما قال
عنبري.
اقرأ أيضا: الإمارات: اتفاق التطبيع مع إسرائيل غير موجه ضد إيران
وهذا ما أشار
إليه المسؤول الإيراني باقري، إذ اعتبر أن أي تطور يحدث خلال المرحلة المقبلة،
فإن بلاده ستلقي بالمسؤولية المباشرة على الإمارات، لأن إيران ستنظر للإمارات على أنها "قاعدة تستهدف مصالحها".
وخلال الشهرين
الماضيين شهدت إيران سلسلة من التفجيرات والحرائق في منشآت مختلفة، أبرزها ما وقع
بمنشأة نطنز النووية مطلع الشهر الماضي، ولم تستبعد إيران حينها أن يكون الهجوم على المنشأة
النووية "عملا تخريبيا"، دون أن تحمل مسؤوليته لأحد.
ولم تعلن أي جهة
رسمية وقوفها وراء الهجوم على منشأة "نطنز"، لكن صحفا عالمية ألمحت إلى
ضلوع "تل أبيب وواشنطن في الانفجار".
وعليه، فإن
عنبري يتوقع أن يزيد الاتفاق من "التوتر في المنطقة بين إيران ودول المنطقة، وستكون
تداعيات ذلك كارثية على الأمن الإقليمي".
ويلفت إلى أن
الوجود الإسرائيلي هو امتداد للحضور الأمريكي بالمنطقة، ويأتي في ظروف حساسة
للغاية وغير عادية سَمتُها العام "المواجهات المستمرة"، ويقول عنبري: "ما تحمله
المرحلة المقبلة هي تطورات ساخنة وسيئة للغاية".
تبرير "السيادة"
لكن الإمارات وفي
محاولة لتخفيف تداعيات الاتفاق على الجانب الإيراني، قالت، الاثنين، إن الاتفاق مع "تل أبيب" هو "قرار سيادي إماراتي، وغير
موجه ضد إيران".
ويرد المحلل السياسي والأستاذ الجامعي حسين ريوران على ذلك بالقول: "طرح الاتفاق ضمن إطار السيادة لا يمكن أن يغير الحقيقة، فنتنياهو (رئيس وزراء الاحتلال) أعلن أن الاتفاق يعطي لإسرائيل موقعا أمنيا جديدا تستطيع من خلاله ضرب إيران".
اقرأ أيضا: روحاني لأبوظبي: حساباتنا ستختلف إذا أدخلتم إسرائيل المنطقة
ومشيرا إلى أن
تصريحات نتنياهو تعتبر "تهديدا مباشرا لإيران من خلال العلاقة الجديدة مع الإمارات"،
أوضح المحلل السياسي في حديثه لـ"عربي21" أن الاتفاق يضر بالمصالح
الإيرانية من عدة وجوه، ويقع "التهديد الأمني لإيران" على رأسها.
وفي هذا السياق،
استحضر ريوران ما حدث في ستينيات القرن الماضي في كوبا بعدما امتلكت علاقات جيدة مع الاتحاد
السوفيتي الذي قام بنصب بعض الصواريخ في كوبا تحت بند أنه "شأن سيادي
كوبي"، لكن الرئيس الأمريكي آنذاك جون كيندي اعترض وهدد وكاد يأخذ العالم إلى
حرب عالمية جديدة، واضطر الاتحاد السوفيتي بعدها إلى التخلي عن الجانب الأمني من علاقته
مع كوبا.
ويقول ريوران إن "إيران لا تستطيع أن
تتقبل ما تقوم به الإمارات. هناك استحضار للكيان الصهيوني في منطقة الخليج الحيوية
جدا للنفط الإيراني، ويتواجد بها الكثير من المنشآت النووية، إلى جانب الطرق التجارية
الهامة في المنطقة".
ويضاف لهذه المخاوف الأمنية، وجود اعتبارات "قِيَمِيّة" تتعلق
بالأرض الفلسطينية وأنها "أرض وقف إسلامية، واحتلال هذه الأرض لا يعطي شرعية
للكيان الصهيوني"، وفق ما قال المحلل السياسي.
وختم بالقول: "اعتراف الإمارات بغصب هذه الأرض هو
خطأ استراتيجي، باعتبار أنه يتعارض مع القيم الدينية والأخوة الإسلامية والعربية
والمبادئ الإنسانية".