بورتريه

رائد صلاح.. شيخ الأقصى الذي يُقلق الاحتلال (بورتريه)

رائد صلاح بورتريه - علاء اللقطة
رائد صلاح بورتريه - علاء اللقطة

ما الخطر الذي يشكله الشيخ رائد صلاح، والحركة الإسلامية في الأراضي المحتلة عام 1948 على الاحتلال الإسرائيلي، إلى حد اعتبار الحركة الإسلامية تنظيما محظورا، واتهام مؤسسها بالتحريض على الإرهاب، والتعامل معها على أنها مشابهة لتنظيم الدولة؟

 

وتوجه الشيخ صلاح صباح الأحد إلى تسليم نفسه لسلطات الاحتلال، لقضاء بقية محكوميته في سجن "الجلمة" (كيشون بالعبرية).

 

ومن المقرر أن يقضي الشيخ صلاح 17 شهرا في السجن، بعد أن قضى 11 شهرا في الفترة بين 2017 و2018، علما أن محكمة حيفا أدانته بـ"التحريض على الإرهاب" و"دعم تنظيم محظور".


وفي تشرين الثاني/ نوفمبر 2015، حظرت حكومة الاحتلال، الحركة الإسلامية بدعوى "ممارستها لأنشطة تحريضية ضد إسرائيل"، واعتباراها تنظيما "غير شرعي".

هو صاحب مقولة "الأرض والأقصى في خطر"، التي أصبحت ماركة مسجلة باسمه، أو عنوانا لمسيرته النضالية التي لا تعبأ كثيرا بتصنيفات الحكومة الإسرائيلية، ولا تقيم لها وزنا، فالشهادة على أي حال "شرف يتمناه الجميع" كما يقول. 

والمهرجان السنوي الذي يقام في أم الفحم شمال فلسطين باسم "الأقصى في خطر"، بات حدثا سياسيا لرفض أي مساس بالمسجد الأقصى وبالقدس، يحضره عشرات آلاف الفلسطينيين.

اعتنق رائد صلاح سليمان أبو شقرة محاجنة، المعروف باسم "الشيخ رائد صلاح"، المولود في أم الفحم عام 1958 أفكار "الإخوان المسلمين"، وعرف في صفوف الإسلاميين منذ أن كان في المرحلة الثانوية.

أسس في بداية السبعينيات الحركة الإسلامية داخل ما يعرف بـــ"الخط الأخضر"، وبقي من قادتها حتى الانشقاق الكبير الذي أصاب الحركة نهاية التسعينيات عندما قرر بعض قادتها ومنهم الشيخ عبدالله نمر درويش خوض انتخابات الكنيست الإسرائيلي، وهو  ما رفضه صلاح، فبقي زعيما لتيار كبير في الحركة.

تلقى تعليمه الابتدائي والإعدادي والثانوي في أم الفحم، وحصل على بكالوريوس في الشريعة الإسلامية من جامعة الخليل الإسلامية في فلسطين عام 1976.

خاضَ انتخابات بلدية أم الفحم (تُعتبر اليوم ثالث كبرى المدن العربية داخل الخط الأخضر بعد مدينتي الناصرة ورهط من حيثُ عدد السكان)، ونجح في رئاستها لثلاث دورات متتالية كان أولها في عام 1989.

انتخب في آب/ أغسطس عام 2000 رئيسا لـ"جمعية الأقصى لرعاية المقدسات الإسلامية" التي ساهمت بشكل فاعل في الدفاع عن المساجد في كافة أراضي فلسطين. 

بدأ نشاط صلاح في إعمار المسجد الأقصى وبقية المقدسات يتعاظم منذ عام 1996، واستطاع أن
يُفشِل المخططات الساعية لإفراغ الأقصى من عمارة المسلمين عن طريق جلب عشرات الآلاف من عرب الداخل إلى الصلاة فيه عبر "مسيرة البيارق".

نجح وزملاؤه في إعمار المصلى المرواني داخل الحرم القدسي الشريف وفتح بواباته العملاقة، وإعمار الأقصى القديم وتنظيف ساحاته وإضاءتها، وإقامة وحدات مراحيض ووضوء في باب حطة والأسباط وفيصل والمجلس، وعمل أيضا على إحياء دروس المصاطب التاريخية.

في عام 2000، تعرض لمحاولة اغتيال من قبل "الشاباك" في مواجهات انتفاضة الأقصى وأصيب برصاصة في وجهه.

وأسس صندوق "طفل الأقصى" الذي يهتم برعاية نحو 16 ألف طفل، وكذلك في إقامة "مهرجان صندوق الأقصى".

ونجحت الحركة الإسلامية بزعامته في إقامة مهرجان سنوي عالمي في مدينة أم الفحم باسم "الأقصى في خطر".

ونتيجة لنشاطه هذا عمدت السلطات الإسرائيلية إلى التضييق عليه، ففي بداية تشرين الأول/ أكتوبر عام 2002 أعلن "الشاباك" أنه "يمكن بدون أدنى شك محاكمة صلاح بتهمة إقامته علاقات مع تنظيمات معادية لإسرائيل في داخل البلاد وخارجها".

ورفضت محكمة "العدل العُليا" الإسرائيلية في حزيران/ يونيو عام 2002 التماسا تقدم به لإلغاء أمر أصدره وزير الداخلية يُمنع صلاح بموجبه من مغادرة البلاد، وقررت الهيئة القضائية في حينه أن الأمن العام يتغلب بأهميته على مبدأ حرية التنقل والحركة.

اعتقل إضافة إلى 13 من قادة الحركة الإسلامية في أيار/ مايو عام 2003 بعد أن لفقت لهم اتهامات عدة، لكن السلطات الإسرائيلية لم تستطع إثبات أي من التهم الموجهة إليهم، كالاتصال بجهة معادية (إيران) ودعم "الإرهاب" وبزعم أنهم قاموا بتبييض أموال لحساب حركة المقاومة الإسلامية "حماس".

واستمر الشيخ في الدفاع عن المقدسات الإسلامية، وفي الوقت نفسه واصل الاحتلال الإسرائيلي محاولاته إبعاد صلاح عن مدينة القدس، ومُنع من دخول مدينة القدس عام 2009 ثم أصدرت المحكمة الإسرائيلية عام 2010 قرارا بسجنه تسعة أشهر.

شارك في أيار/ مايو عام 2010 في "أسطول الحرية" الهادف لفك الحصار عن قطاع غزة وتعرض الأسطول لعملية قرصنة بحرية في المياه الدولية من السفن الحربية الإسرائيلية.

قتل في الاعتداء أكثر من 16 من المتضامنين العزل، وأصيب أكثر من 38 جريحا واعتقل في أثر وصول الأسطول قسرا إلى مطار أسدود في حزيران/ يونيو عام 2010 هو وآخرون، وتم تمديد محاكمته لمدة أسبوع.

وتواصل مسلسل التضييق على الشيخ؛ فقامت الشرطة البريطانية أثناء زيارته العاصمة لندن باعتقاله بتحريض من "إسرائيل"، وكان من المقرر أن يحل ضيفا على فعاليات "يوم فلسطين" الذي يعقده وينظمه المنتدى الفلسطيني في بريطانيا.

واعتقل بطريقة غير إنسانية من قبل الشرطة البريطانية في منتصف الليل، وجرى تكبيله بالقيود واقتياده إلى السجن.

وأوضح المسؤولون في مركز شرطة وسط لندن، أن لديهم مذكرة اعتقال وقرار إبعاد للشيخ صلاح من بريطانيا في تموز/ يوليو عام 2011، لكن الشيخ لم يستسلم كعادته ورفع الأمر إلى القضاء الذي حكم بأن قرار اعتقاله وإبعاده غير قانوني، وهو ما اعتبر انتصارا للشيخ على وزارة الداخلية البريطانية.

بعد عودته منتصرا إلى فلسطين منعته سلطات الاحتلال من دخول مدينة القدس حتى نهاية نيسان/ حزيران عام 2012، ومنعته من مغادرة فلسطين، رغم أنه فاز في العام التالي بجائزة الملك فيصل العالمية لخدمة الإسلام.

في العام التالي، حكمت محكمة "الصلح" الإسرائيلية عليه في آذار/ مارس عام 2014 بالسجن ثمانية أشهر نافذة وثمانية أشهر مع وقف التنفيذ بتهمة التحريض على العنف والعنصرية في خطبة يوم جمعة في وادي الجوز.

ويتواصل مسلسل الاعتقال والتوقيف بحق الشيخ، في محاولة لثنيه عن مشروعه وهاجسه في التنبيه لخطورة الوضع في القدس، لكن صلاح يواصل تحديه ومواجهة أكثر من 250 جماعة يهودية متخصصة في الحفر أسفل المسجد الأقصى، وبشكل خاص أن نحو 120 جماعة من هذه الجماعات تحاول هدم الأقصى وإقامة الهيكل المزعوم مكانه.

تحويل رائد صلاح وحركته إلى حركة "غير قانونية" وربما إلى كيان "إرهابي" هو محاولة لخنق صوت عربي يقاوم دفاعا عن قبلة المسلمين الأولى، لكنها لن تؤثر كثيرا على زخم الغضب الفلسطيني دفاعا عن الأقصى، فما يحرك الناس بالأساس هو دينهم ووطنيتهم وما الشيخ إلا مذكّرا لهم، يقول: "من يوجد في القدس، هو الشعب الفلسطيني الذي يرى ويسمع ما تقترفه دولة الاحتلال في المسجد الأقصى".

تل أبيب تلعب بالنار مستغلة حالة الضعف والتفكك العربية، متناسية تماما أن العرب كانوا دائما مفككين ولم يكونوا يدا واحدة، والفلسطينون لم يراهنوا يوما على موقف عربي ينقذ ما تبقى من مدينة القدس.

 

اقرأ أيضا: الشيخ رائد صلاح يدخل سجن الاحتلال لقضاء محكوميته (شاهد)

التعليقات (1)
محمد عامر
السبت، 12-09-2020 08:04 م
مؤسس الحركة الاسلامية في الداخل الفلسطيني هو فضيلة الشيخ عبدالله نمر درويش - رحمه الله - حيث بدأت انطلاقتها عام 1971م.. التحق الشيح رائد بالحركة الاسلامية بعد زيارة الشخ عبدالله لأم الفحم في العام 1976 حيث كان الشيخ رائد على وشك انهاء دراسته الثانوية.. كان حينها كادر شبابي/طلابي من كوادر الحركة، الا ان علاقته التنظيمية بالحركة بدات تتعمق مع نهاية دراسته في كلية الشريعة التي انهى فيها الدراسة عام 1980م.. سُجِنَ عام 1980 بالتزامن مع الاعتقالات التي طالت 70 من قادة الحركة الاسلامية بما فيهم قائدها ومؤسسها الشيخ درويش في القضية المعروفة بقضية (أسرة الجهاد)، الا ان قضيته لم يكن لها علاقة بأسرة الجهاد.. قضى في السجن حينها ستة أشهر، غاب فيها عن ساحة الحركة التي ادارت شؤونها إدارة مؤقتة برئاسة الاستاذ ابراهيم عبدالله صرصور/كفر قاسم، وثلة من شباب الحركة.. التحق الشيخ رائد بالادارة المؤقتة عند خروجة من السجن، ليجد سفينة الحركة قد استوت على الجودي، وظل في موقعه حتى انهى الشيخ درويش محكوميته عام 1984م، أصبح بعدها الشيخ رائد عضوا في الادارة العامة للحركة الاسلامية وتحت رئاسة الشيخ درويش.. انتخب نائبا لرئيس الحركة في العام 1994، وظل في هذا الموقع حتى قاد انشقاقه عام 1996م، بسبب خلافات لم يكن واحدا منها انتخابات الكنيست التي شارك الشيخ رائد وثلاثة من رفقائه منهم الشيخ كمال الخطيب، في حسم مسألتها في اجتماع استثنائي لمؤتمر الحركة العام بداية عام 1996م، بعد ان اقر مجلس الشورى (27 عضوا) خوض الانتخابات البرلمانية باكثرية ساحقة في موعد سابق.. انشق الشيخ رائد مع ثلاثة من رفاقه ( 4 معا) بينما ظل 24 عضوا ملتزما بالشرعية حتى النهاية، مصادرا لمصلحة جناحه المنشق اسم الحركة الاسلامية التي اسسها الشيخ درويش، وعددا من اكبر واهم مؤسسات الحركة الاسلامية وجمعياتها.. سَهَّلَ انشقاق الشيخ رائد عن الحركة الاسلامية مهمة التهام اسرائيل الحركة الاسلامية تدريجيا، الامر الذي حذر منه الشيخ درويش على مدار سنوات، فلو ظلت الحركة الاسلامية موحدة لكان من الصعب على اسرائيل اخراجها عن القانون بهذه السهولة.. اعتبرت اسرائيل الحركة الاسلامية برئاسة الشيخ درويش ومن بعده الاستاذ ابراهيم صرصور ومن بعده الشيخ حماد ابو دعابس الذي ما زال يرأسها حتى الآن، الاخطر على الاطلاق لما تتبناه من أسلوب ذكي لا يعطي لاسرائيل اية فرصة للانقضاض عليها بينما هي تتبنى ذات الايديولويجة الاسلامية التي يؤمن بها الاخوان المسلمون خول العالمـ وتعمل في ذات المجالات التي عمل فيها جناج الشيخ.. بينما كان من السهل عليها الانقضاض على جناح الشيخ رائد بسبب ما أسمته اسرائيل زورا وبهتانا بالخطاب التحريضي، وما نسبته كذبا الى الشيخ رائد من علاقات مع جهات صنفتها بالارهابية! بعد صدور القرار باخراج جناح الشيخ رائد عن القانون، قدمت الحركة الاسلامية برئاسة الشيخ حماد ابو دعابس رزمة اقتراحات كان الرد الايجابي عليها من طرف الشيخ رائد يمكن انة يقلب الطاولة في وجه قرار اسرائيل، من اهمها: عقد مؤتمر صحفي صباح اليوم التالي يعلن فيه الشيخ رائد العودة الى حضن الحركة الاسلامية التي انشق عنها عام 1996، وانضواء جمعياته المصادرة تحت جمعيات جناح الحركة الاسلامية ومؤسساتها .. كان رفض الشيخ رائد سيد الموقف.. بالرغم من الانشقاق الذي قاده الشيخ رائد، ومصادرته لاموال ومؤسسات الحركة التي كان يديرها هو ورفاقه بقرار من الحركة الاسلامية وقيادتها وعلى راسهم الشيخ درويش مؤس الحركة ورئيسها، لم تتوقف الحركة الاسلامية عن التواصل مع الجناح، وعمل اللازم تجاهه دعما واسنادا في كل المفترقات التي تعرض فيها لمضايقات السلطة والتي انتهت باخراجه عن القانون.. ما زالت الحركة الاسلامية متضامنة مع الشيخ رائد لا تتردد في تقديم الدعم والتاييد والنصرة له في كل محنته، على امل ان يراجع نفسه ويعود الى حضن الحركة التي ربته وحملته على اكتافها حتى اوصلته الى ما يتمتع به اليوم من سمعة طيبة نفخر بها جميعا.. فرج الله عن الشيخ رائد صلاح، وجعل عمله خالصا لوجهه الكريم، وشرح صدره لعودة مظفرة الى حضن الحركة الاسلامية التي فارقها عام 1996، ليفرح المؤمنون بوحدة الاسلاميين في منطقة نحن في امس الحاجة اليها..