هذا الموقع يستخدم ملف تعريف الارتباط Cookie
نشرت صحيفة "سفابودنايا براسا" الروسية تقريرا، تحدثت فيه عن استمرار الاضطرابات المدنية والاشتباكات بين المحتجين في لبنان وعناصر الشرطة والجيش، الذين يطالبون باستقالة كافة المسؤولين، وإجراء انتخابات مبكرة.
وقالت الصحيفة، في تقريرها الذي ترجمته "عربي21"، إن انفجار مرفأ بيروت جاء ليزيد من المصاعب التي يمر بها لبنان، والذي يضم العديد من الطوائف (المسيحيين المارونيين والمسيحيين الأرثوذكس والمسلمين السنة والشيعة والدروز) ويحتضن اللاجئين وخاصة الفلسطينيين، حيث يتوقع أن يتسبب هذا التوتر الطائفي والسياسي في حدوث انفجار اجتماعي لا تحمد عقباه.
وبالنظر إلى الوضع في لبنان، يتساءل الخبراء المستشرقون عما يمكن للوضع المتأزم في لبنان أن يجلبه من مفاجآت إلى العالم كله.
وحسب الخبير في نزاعات الشرق الأوسط والمؤرخ الروسي ستانسيلاف خاتونتسيف، فإنه "بما أن ميزان القوى في لبنان لطالما كان مؤيدا لسوريا بشكل واضح، من الواضح أن القوات المنتشرة في جميع أنحاء البلاد بعد انفجار بيروت تضم المعارضين السنة، في محاولة لقلب التحالف اللبناني الحاكم"، مضيفا أن "الزيارة الأخيرة التي قام بها الرئيس الفرنسي ماكرون إلى لبنان، والتي دعا خلالها حزب الله لنزع السلاح، ساهمت في تأجيج الوضع".
وفي حديثه عن اللاعبين الجيوسياسيين الذين سيستفيدون من وصول القوى السياسية الموالية للسنة إلى السلطة في لبنان نتيجة للأحداث الجارية، أكد الخبير الروسي أن ميزان القوى لن يشهد تغييرا كبيرا، لكنه سيكون في جميع الأحوال مفيدا للولايات المتحدة وفرنسا وأوروبا، وستستفيد إسرائيل من ذلك بشكل جزئي أيضا؛ نظرا لأن حزب الله من بين أعدائها الرئيسيين.
وتعتبر السعودية من ضمن المستفيدين أيضا، ولهذا يمكن القول إن الغرب وحلفاءه في الشرق الأوسط هم المستفيدون الرئيسيون من الوضع في لبنان.
اقرأ أيضا: المرفأ يعود تدريجيا للعمل.. ومخاوف على بيروت القديمة
وتساءلت الصحيفة عما إذا كانت الاستقالة الحالية للحكومة اللبنانية ستؤدي في النهاية إلى تحييد حزب الله كقوة سياسية. وفي إجابته عن ذلك، أشار الخبير الروسي إلى أن ذلك لن ينجح؛ لأنه يمكن للحزب من الناحية النظرية أن ينأى بنفسه عن المشهد السياسي؛ لأسباب تشغيلية وتكتيكية، ويكتفي بالنشاط السري، بيد أنه من الناحية الاستراتيجية لن تفعل ذلك إلا بعد خوض حرب كبرى.
وذكر الخبير أن "إسرائيل حاولت القيام بذلك في أوائل العقد الأول من القرن الـ21 من خلال ما يسمى الحرب اللبنانية الثانية، لكنها فشلت".
وعن وصفة تسوية الوضع في لبنان، أوضح الخبير الروسي أن الاستقرار سيعود إلى البلاد إذا تشكلت حكومة جديدة على المبدأ ذاته بدلا من حكومة مستقلة، وبقيت المناطق التي يسيطر عليها حزب الله تحت سيطرته.
وفي إجابة عن تساؤل الصحيفة بشأن تأثير تأزم الوضع في لبنان على استقرار الشرق الأوسط، أشار الخبير الروسي إلى أن "الوضع في الشرق الأوسط سيكون شديد التوتر، وستندلع مجزرة لا تقل دموية عما حدث في الحرب الأهلية. ذلك أن هذا النوع من الصراعات الطائفية لا يتخذ طابعا شديد الشراسة فحسب، بل يمكن أن يستمر لسنين. ولا يمكن أن ينتهي إلا بالإبادة الكاملة لجميع المشاركين في الصراع".
في سياق متصل، ذكر المركز الروسي الاستراتيجي للثقافات أن الاحتجاجات في بيروت تتسم بطبيعة ثورية أو ما يشبه الانقلاب العسكري. ولمنع دخول وحدات الجيش إلى وسط بيروت، أغلق المتظاهرون الطريق السريع الرئيسي. وحتى الآن يتمثل الرمز الرئيسي للمتظاهرين في شعار تقليدي ميز العديد من الثورات في يوغوسلافيا وجورجيا ومصر وأوكرانيا، ألا وهو قبضة مرفوع عليها نقش لبنان.
ومن بين الأسباب المهمة لانتصار المحتجين الدعم الذي تلقوه من الصحافة الغربية. فعلى سبيل المثال، أبدت إحدى القنوات التلفزيونية الأمريكية تعاطفها مع خروج المتظاهرين إلى الشوارع تعبيرا عن رغبتهم في شنق المسؤولين الحكوميين.
وأشار المركز الروسي الاستراتيجي للثقافات إلى أنه تم توقيع عريضة تضمنت 60 ألف توقيع قدمها مجهولون، يطالبون فيها بنقل لبنان إلى الانتداب الفرنسي لمدة 10 سنوات. وقد حمّلت هذه العريضة المسؤولين اللبنانيين مسؤولية التفجير الأخير إلى جانب الفساد والإرهاب. ويعتقد موقعو العريضة أن الانتداب الفرنسي من شأنه أن يساهم في إرساء نظام حكم صحي ومستقر. لذلك، تناقش وسائل الإعلام الفرنسية والأمريكية بنشاط هذه العريضة اللبنانية.
وذكر المركز الروسي أن رئيس تحرير النسخة الأمريكية من مجلة ذا كونفيرسيشن، ستيفن هان، لا يؤمن بإمكانية انتقال لبنان إلى الانتداب الفرنسي، مشيرا إلى أن فرنسا لا تملك موارد كافية لذلك. ويشير البعض إلى أن تصرفات ماكرون غير الرسمية قد تؤدي إلى اندلاع حرب أهلية رابعة بعد مغادرة الفرنسيين للبنان.
في شأن ذي صلة، نشرت صحيفة "إيزفيستيا" الروسية تقريرا، تحدثت فيه عن تدخل أطراف أجنبية في الشأن اللبناني بشكل يوجه ضربة قوية للروابط الاقتصادية في المنطقة. ويرى الخبراء أن العقوبات الأمريكية المتتالية التي طالت لبنان زادت أزمته، وتسببت في استياء المواطنين وخروجهم إلى الشارع مطالبين باستقالة الحكومة. وبعد رضوخ الحكومة لمطالب المحتجين دون مقاومة، تظل سلطة البلاد ومستقبله بين يدي الرئيس ميشال عون.
اقرأ أيضا: حصيلة جديدة لقتلى الانفجار.. وغضب مستمر رغم استقالة دياب
وبين الخبير في شؤون الشرق الأوسط فياتشيسلاف ماتوزوف أن الحكومة اللبنانية خلال الأزمات تفضل دائمًا المغادرة من أجل إفساح المجال أمام فرص جديدة لحل الوضع. ويؤكد الخبير الروسي أن الوضع الاقتصادي الكارثي في لبنان هو السبب الرئيسي لاستياء السكان، مشيرا إلى أن الحكومة المستقيلة مؤخرا لا تتحمل مسؤولية هذا الوضع نظرا للمدة الوجيزة التي تولت فيها إدارة شؤون البلاد. ويرى ماتوزوف أن لبنان لن يبقى دون حكومة، وما دامت الحكومة الحالية تحتفظ بسلطاتها فإن القدرة على السيطرة على الوضع تظل قائمة.
ونقلت الصحيفة عن الباحث البارز في مركز الدراسات العربية والإسلامية بمعهد الدراسات الشرقية التابع لأكاديمية العلوم، أليكسي ساراباييف، أنه من السابق لأوانه الحديث عن الانتخابات البرلمانية، لأن الرئيس لا يحتفظ بالسلطة فحسب، بل له الحق أيضا في عرض تشكيلة مجلس الوزراء الجديد.
وأضاف الخبير الروسي أن المساومة السياسية على المناصب في الحكومة المستقبلية جارية منذ فترة طويلة، لكن من الصعب التنبؤ بالنتيجة، وينبغي عدم تجاهل التأثير الكبير لحزب الله على السلطة التنفيذية في لبنان. ومن المتوقع أن تحاول المجموعة تجنب الصراع مع المعارضة السابقة بقيادة رئيس الوزراء السابق سعد الحريري، للعثور على حل وسط للانضمام إلى الحكومة الجديدة.
ونقلت الصحيفة عن الخبير رولان بيجاموف أن الوضع الحالي يعتمد بشكل كبير على حزب الله، الذي يتمتع إلى جانب الأحزاب المتحالفة معه بأغلبية في البرلمان اللبناني. وفي حال قدمت المجموعة تنازلات، فإن التغلب على الأزمة سيكون سهلا.
وأوردت الصحيفة أن الغرب، الذي يبدي اهتماما واضحا بمصير لبنان، لا يرغب في رؤية حزب الله ضمن أعضاء الحكومة الجديدة. وخلال زيارته إلى لبنان بعد الفاجعة الأخيرة، أقام الرئيس الفرنسي اتفاقا سياسيا مقابل تقديم المساعدة يفرض على لبنان ضمان نزع سلاح جميع فرق حزب الله في بيروت والمنطقة المحيطة بها، وكذلك القضاء على جميع القوات الصاروخية والمنشآت التابعة له في الجنوب.
وأضاف بيجاموف أن الولايات المتحدة تلعب دورا نشطا في تقرير مصير لبنان، وذلك من حيث حزمة العقوبات التي فرضتها السلطات الأمريكية ضد البلاد، بما في ذلك سحب جميع الودائع الكبيرة من البنوك المحلية، مما ترك السكان أمام أزمة مالية، وحتى أغنى شخص لا يمكنه سحب أكثر من مئة دولار من حسابه في الأسبوع.