هذا الموقع يستخدم ملف تعريف الارتباط Cookie
مروض الكواسر الإسرائيلية،
والمدافع عن عرينه، ومملكته، وكرسي حكمه مازال يناور، ويحاور، ويلقي بفتات لقمة
هنا، ولقمة هناك، ويسعى بكل ثقله لاختراق عرين الشريك الخصم حزب "مناعة
إسرائيل" أو أي حزب أو تكتل نقيض له، لا فرق عنده، المهم أن يمزق الخصوم،
ويستقطب من بينهم الخواصر الرخوة والمستعدة لبيع الذات في مزاد الحاوي ليفوز
بالحسنيين، بالاستمرار في سدة الحكم، وإقصاء غريمه الجالس على يمينه في كرسي
الحكومة. لم ييأس، ولم يستسلم نتنياهو، ولم يرفع الراية البيضاء، بل يعمل بكل ما
يملك من طاقة السحر والفهلوة لهزيمة المتربصين به من داخل وخارج الحكومة، ويحول
بينهم وبين إيداعه السجن.
مشروعا قانونين يجري التداول بشأنهما في
الكنيست، الأول الذي طرحه تسافي هاوزر ويوعاز هندل، ويدعو لتأجيل تمرير الموازنة
لثلاثة أشهر، وهذا المشروع لقي استحسانا من الليكود ومجازا "أزرق ابيض"،
وبالطبع تكتل القوى اليمينية الصهيونية والحريدية في الكنيست، وطالب غانتس بمصادقة
الحكومة على مشروع القانون لتعديل الموعد النهائي لتقديم الميزانية قبل 25
آب/أغسطس قبل مساء الثلاثاء الموافق 11/8/2020، على أن تتم المصادقة بالقراءات
الثلاث في غضون الساعات الـ 24 القادمة، وقال رئيس الحكومة البديل: دون حيل ودون
ألاعيب، يجب الموافقة على الاقتراح في القراءتين الثانية والثالثة (بعد تمرير
القراءة الأولى). وأضاف "هذا ممكن ودستوري وضروري وأخلاقي". وهو لا يمت
للأخلاق بصلة، لأنها مساومة رخيصة ومبتذلة، وفيها استجداء للحاوي، ورغم أنه الأحوج
للقانون، لكنه مازال حتى اللحظة الأخيرة يفكر، ويعيد ترتيب الأوراق بين يديه،
ويستشرف أيهما أفضل، البقاء في الحكومة العرجاء، أو تشكيل حكومة بديل تكون الخلافة
فيها لنائب من الليكود، أو الذهاب لانتخابات رابعة. قد ترسو أفكاره قبل رؤية
المقال النور على أحد الخيارات، لأن ما ينتظره ليس سهلا، حيث قدم رئيس المعارضة
لبيد مشروع قانون يمنع أي مسؤول متهم بقضايا فساد من الترشح ورئاسة الحكومة، والذي
سيتم التصويت عليه اليوم الأربعاء. وهدد الجنرال الضعيف، بأنه لن يقف ضد مشروع
القانون في حال لم يصادق زعيم الليكود على قانون الثنائي هاوزر هندل.
مشكلة نتنياهو أنه لا يريد السماح لزعيم
"كاحول لافان" تولي رئاسة الحكومة ليوم واحد، لأنه يعتبرها سابقة مرفوضة
من قبله، وقد يفضل الذهاب للانتخابات على ألا يجلس غانتس على كرسي الرئاسة، ولهذا
يعمل بخطى حثيثة لاختراق الاتفاق المبرم مع حزب "مناعة إسرائيل"، وعليه
مازال حاسوب الحاوي يعمل بقوة غير مسبوقة ليخلص للنتيجة المرجوة، لا سيما وأنه يقف
على مفترق طرق: إما الانتخابات، وإما الحكومة البديلة أو التأجيل لتمرير
الميزانية. قد يكون خيار الحكومة البديلة الأنسب من وجهة نظره، لأنها تحرره من
غانتس وحزبه واتفاق التناوب، وتفتح الباب أمامه لعزل المستشار القضائي، مندلبليت،
والتفرد بالمصادقة على التعيينات في العديد من المناصب الحكومية، ومواجهة المحكمة
بأريحية. لكنها بالمقابل تمنح المحكمة مساحة أوسع للتصدي لرئيس الحكومة الفاسد.
مازالت حتى كتابة هذا المقال مساء أمس،
الاتهامات المتبادلة بين "الأعدقاء" نتنياهو وغانتس دائرة، ولعبة عض
الأصابع بينهما على أشدها، والمشهد الإسرائيلي غائما وملبدا، ولا يبدو أنه يفضي
إلى رؤية واقعية للمخرج من الأزمة البنيوية الحادة، التي تعيشها الدولة الاستعمارية،
التي يلعب فيها الملك الفاسد دورا توتيريا، ومشعلا للفتن في الداخل الصهيوني.
مع ذلك المظاهرات لم تتوقف نهائيا ضد رجل
الفساد القابع في شارع بلفور، وحسبما اعتقد أنها تتجه نحو التصعيد أكثر فأكثر حيث
شهد السبت الماضي زيادة ملحوظة في عدد المتظاهرين والمطالبين بإقالة نتنياهو عن
سدة الحكم. لكنه مازال يستمتع بملاحقة المحتجين، وبرؤية خراطيم المياه العادمة وهي
تغرقهم برائحته.
بالنتيجة النهائية، وأيا كان الحل الآن لأزمة
الحكومة، فلن ينفع نهائيا لا التأجيل، ولا الحكومة البديلة، ويبقى الخيار الممكن،
وهو الذهاب للانتخابات الرابعة في نهاية تشرين الثاني/نوفمبر المقبل، لأن التأجيل
ليس حلا، بل هو تمديد لأمد الأزمة، والمراوحة في ذات المكان والمربع، في حين أن
الأزمة أعمق من كل الحلول الترقيعية المطروحة، ولا خيار إلا إيداع الحاوي في القفص،
لأن بقاءه في سدة الحكم سينعكس بارتدادات واهتزازات زلزالية متدحرجة على المنظومة
الإسرائيلية الصهيونية برمتها.