وسّعت
"إسرائيل" في السنوات الأخيرة من استهدافها لإيران والقوى المندرجة في
محورها، ولم تعد عمليات الاحتلال منحصرة في الساحتين اللبنانية والسورية. فالضربات
تستهدف العمق الإيراني، بعمليات تفجير متسلسلة وأخرى استخباراتية، تفاخر الاحتلال
ببعضها، كزعمه استيلاءه على الأرشيف النووي الإيراني، ليأخذ الاستهداف أشكالا
متعددة من قصف مباشر معلن، كما هو الحال الغالب في الساحة السورية، وحتى العراقية،
وعمليات استخباراتية سرّية، وأخرى ذات طبيعة تقنية سيبرانية.
فالتوسع إذن في
الجغرافيا والأهداف وشكل العمليات ونوعها، وفي الوقت نفسه يتسم الاستهداف،
بالكثافة، والاستفزاز، ويوحي باختراقات خطيرة في صفوف المحور الإيراني. ويقابل
ذلك، في حدود ما هو ظاهر، عجز المحور عن الردّ بما يكافئ هذا الاستهداف المتسع،
والمكثف، والمتنوع، إمّا لتعقيد حساباته السياسية، أو لصعوبة العمل اللوجستي، أو
للأمرين معا.
المتوقع دائما
أن تردّ إيران بضربات مدروسة ومحدودة، غير مكافئة حتما لحجم الاستهداف، كردّها على
اغتيال سليماني في العراق، وبما يضمن ألا تتدحرج الردود إلى مواجهة شاملة، وهو أمر
غير مستطاع في الحالة الإسرائيلية، لكثافة الاستهداف الإسرائيلي لوجودها، ولحزب
الله، ولا سيما في الساحة السورية. فالردود ومهما كانت محدودة، فإنها سوف تتحول
إلى مواجهة مفتوحة، أو إلى حرب، لو عقبت كل استهداف "إسرائيلي".
عنصر الكثافة
الإسرائيلي هنا يحقّق هدفا مزدوجا، فمن جهة تضرب "إسرائيل" باستمرار
محصّلة أهدافها الأمنية والعسكرية في إضعاف الوجود الإيراني في سوريا، والحدّ من
قدرات حزب الله التسليحية، وتبقى هي المهيمنة وصاحبة اليد العليا في المعادلة،
بكبحها قدرة إيران وحزب الله على الردّ على عملياتها المستمرّة.
عنصر الكثافة الإسرائيلي هنا يحقّق هدفا مزدوجا، فمن جهة تضرب "إسرائيل" باستمرار محصّلة أهدافها الأمنية والعسكرية في إضعاف الوجود الإيراني في سوريا، والحدّ من قدرات حزب الله التسليحية
التعقيد في
الحسابات الإيرانية، ومن ضمنها حسابات حزب الله، أفضى إلى عجز كامل، فـ"إسرائيل"
تضرب، ويقابلها صمت مطبق، ناجم عن طول نفس استراتيجي إيراني، وعن ظروف الحصار التي
تعانيها إيران وتوابعها. فالحصار ممتد إلى لبنان، وفرض قيودا قاسية على قدرة حزب الله
على التحرك باتجاه الاحتلال. ويبدو أنّ حرب العام 2006، خلّفت الكثير من القيود، لم تزل متينة
حتى بعد 14 عاما!
تدفع دعاية المحور الإيراني عن المقاومة ثمنا باهظا نتيجة الصبر الاستراتيجي
الإيراني، المُعتمَد على طول خطّ الصراع مع "إسرائيل"، بينما لم يكن هو
العنصر الأكثر فاعلية في ملفات إقليمية أخرى، ممّا تسبب بنزيف فادح في الموقف
الشعبي العربي والإسلامي من إيران ومشاريعها وتوابعها، ومن مصداقية دعاية المقاومة،
ولا سيما بعد دور إيران وحزب الله في سوريا، بخلاف ما عليه المقاومة في غزّة،
والتي بقيت في حالة مقاومة فعلية مع الاحتلال، بالرغم من ظروف الحصار، وتورط
المقاومة فيها في إدارة حكوميّة، وافتقادها للظهير القريب، أو الجغرافيا الكافية
للمناورة العسكرية. فلم يقتصر الحضور المقاوم في غزّة على المراكمة والاستعداد، بل
ظلّ يتمتع بوتيرة ما من الردّ والاشتباك والمشاغلة.
والحال هذه، تصاعد التوقّع بردود لحزب الله من لبنان أو سوريا، تكسر من
حدّة الصبر الاستراتيجي، قليلا، على الضربات الإسرائيلية المهينة، والمتسمة
بالاستفزاز العالي، وهو ما بدا أن حزب الله حاوله في الآونة الأخيرة منتهيا بإفشال
إسرائيلي، الأمر الذي يذكر بعنصر الاختراق المحتمل. في هذه المشهدية، ومع محاولات
حزب الله، وحشد "إسرائيل"
في شمال فلسطين المحتلة، لم يكن من المستبعد
انفلات الحسابات الحذرة نحو مواجهة أوسع.
في هذا التوقيت جاء
انفجار مرفأ بيروت، وبغض النظر عن المادة المخزّنة،
وحكايتها وإلى من تعود، وإن كان لحزب الله علاقة بها أم لا، فإنّ
"إسرائيل" المستفيد الأكبر من الانفجار، سواء كانت تقف خلفه، أو كانت له
أسباب بعيدة عنها. فبعد الدمار الهائل في بيروت، والاتهامات الموجهة لحزب الله،
والسخط الشعبي على حكومة خاضعة لقوة الحزب، وبعد أزمة اقتصادية مستعصية، فإنّ
المتوقع بعد ذلك، كفّ يد الحزب عن محاولة الرد على الهجمات الإسرائيلية.
جاء انفجار مرفأ بيروت، وبغض النظر عن المادة المخزّنة، وحكايتها وإلى من تعود، وإن كان لحزب الله علاقة بها أم لا، فإنّ "إسرائيل" المستفيد الأكبر من الانفجار، سواء كانت تقف خلفه، أو كانت له أسباب بعيدة عنها
أما وفي حال كانت
"إسرائيل" من يقف خلف التفجير، وبالإضافة للهدف
المركزي المتحقّق من العمليّة، فإنّها لم تخل عمليتها من مفارقة مهينة للحزب،
بعدما هدّد الأمين العام لحزب الله، وعلى مدار سنوات طويلة، بضرب مستودعات
الأمونيا في ميناء حيفا، كما لم تخل العملية من دلالات على الاختراق الإسرائيلي
للساحة اللبنانية.
ما تعنيه هذه النتيجة هو استمرار "إسرائيل" في استهداف إيران،
وضرب شحنات الأسلحة المتجهة إلى حزب الله، مع
عجز الأخير عن الردّ، للحسابات التي
زادت تعقيدا وقسوة بعد تفجير مرفأ بيروت، بيد أنّ المشهد بعد التفجير لم يقتصر على
هذا البعد في الصراع، فالانفتاح الدولي والإقليمي على لبنان، والذي من ضمنه
الانفتاح على حزب الله، وتخفيف الحصار المضروب عليه، قد يشير إلى وجود سعي نحو
صفقة تحتوي الحزب إلى حدّ ما، وربما تمتد إلى إيران نفسها، وإن كان المرجح أن يكون
هذا الانفتاح إغراء للحزب يتضافر مع عصا التفجير وتداعياته، مما يشجع الحزب على
الاستثمار في الانفتاح بما يزيده ابتعادا عن فرص المواجهة مع "إسرائيل".
twitter.com/sariorabi