كتب

تأثير الإسلام في أوروبا.. شهادة باحث بريطاني

كاتب بريطاني يوثق لدور المسلمين في النهضة العلمية في أوروبا  (عربي21)
كاتب بريطاني يوثق لدور المسلمين في النهضة العلمية في أوروبا (عربي21)

إن موضوع "تأثير الإسلام في أوروبا" يُشكل مبحثًا مهمًا تناوله عدد من العلماء والباحثين، ومن أبرزهم المستشرق البريطاني وليام مونتغمري واط، الذي ألقى سلسلة من المحاضرات، في شهر كانون الأول/ ديسمبر 1970، عنوانها: "تأثير الإسلام في أوروبا"، تم نشر نص المحاضرات والتذييلات باللغة الفرنسية في مجلة الدراسات الإسلامية. وتم طباعة نص المحاضرات باللغة الإنجليزية (The Influence Of Islam On Medieval Europe).  ونقلته إلى العربية من النسخة الإنجليزية، سارة إبراهيم الذيب، وصدرت عن مؤسسة جسور للترجمة والنشر، (بيروت، 2016).

يقع الكتاب في 175 صفحة من الحجم المتوسط، ويتألف الكتاب من مقدمة، وستة فصول، وملاحق.

الفصل الأول: الوجود الإسلامي في أوروبا. 

الهدف من الكتاب هذا، هو إعطاء نظرة شاملة عن تأثير الإسلام في أوروبا، ورد الفعل المقابل له. ويركز المؤلف بشكل حصري على غرب أوروبا أو العالم المسيحي اللاتيني. فـ"نحن الأوروبيين نجهل الفضل الذي تدين به ثقافتنا للإسلام" (ص 13).

يتطرق المؤلف إلى الفتح الإسلامي في إسبانيا، ووجود العرب في صقلية وإيطاليا، وينتقل إلى دوافع التوسع العربي. ثم يرى أنه "يجب القضاء التام على أي إغراء لمساواة العرب بغيرهم من الغزاة(...)؛ فقد مثل العرب إمبراطورية أصبحت على أعلى مستوى من الثقافة والحضارة على مدى القرنين التاليين في المنطقة الممتدة من المحيط الأطلسي إلى أفغانستان" (ص 27).
 
فقد أدت الفتوحات العربية، إلى "إنهم فرضوا لغتهم، وجزء من مظهرهم على معظم شعوب الإمبراطورية الإسلامية" (ص 29). و"وصلت عملية استيعاب حكم الشعوب الأخرى، وتعلمها إلى مرحلة عميقة ولم تكن سطحية؛ فعندما أسلم المتعلمون من الحضارات الفكرية الأخرى مزجوا تعاليمهم وأفكارهم بدراستهم للقرآن، وبذلك تكونت الثقافة الإسلامية المستقلة" (ص 29 ـ 30).

أنشأ العرب المسلمون "مؤسسات للتعليم العالي في مطلع القرن التاسع، وفي نهاية القرن الحادي عشر، كان هناك مؤسسات تعليمية تشبه الجامعية في معظم المدن الكبرى" (ص 31).

يقول المؤلف: "إن الحضارة الإسلامية قد وصلت ذروتها في منتصف القرن العاشر، وبقيت في هذا المستوى المرتفع إلى القرن السابع عشر، ولم يكن هذا منحصرًا في منطقة واحدة من الإمبراطورية، بل امتد حيثما كان الإسلام قويًا" (ص 32). 

الفصل الثاني: التجارة والتقنية.

كانت التجارة أسبق من غيرها في وسائل الاتصال بين أوروبا والعالم المسلم، "كان العرب ناشطين في الترويج لتجارتهم، وبحلول عام 800م، كانت أساطيل العرب تسيطر على البحر المتوسط على الرغم من بقاء البيزنطيين في البحرين الأدرياتيكي وإيجه" (ص 41). و"شهد النصف الثاني من القرن العاشر تطورًا ملحوظًا في التجارة بين العالم الإسلامي وغرب أوروبا؛ حيث كان حجم التجارة يتنامى" (ص 42).

يري المؤلف أن التجارة بين غرب أوروبا والعالم الإسلامي كانت "تشبه (التجارة الاستعمارية) في القرنين التاسع عشر والعشرين، باستثناء كون أوروبا مستعمرة. كانت واردات أوروبا من العالم الإسلامي منتجات استهلاكية، بينما كانت تصدر المواد الخام والرقيق" (ص 43 ـ 44).

يعدد مونتغمري إسهام العرب في التقنيات الأوروبية الخاصة بالملاحة البحرية فيقول: "اعتمد بناة السفن الأوروبيون على المراكب ذات الأشرعة المثلثة التي أول من استخدمها العرب في البحر المتوسط التي طورت لاحقًا، وهذا أدّى إلى بناء السفن الضخمة التي عبرت المحيط الأطلنطي، والقيام بالرحلات الاستكشافية الأخرى العظيمة" (ص 45). 

وبعض "رسامي الخرائط المسلمين هم من طور الخرائط الملاحية التي تعد من أهم أدوات الملاحة. والدليل على ذلك بشكل عام استخدام الكلمات العربية في اللغات الأوروبية(...).والأوروبيون اكتسبوا من العرب معرفة جغرافية أوسع وأدق" (ص 47).

يذكر المؤلف أن العرب طوروا وسائل الري الزراعية في إسبانيا، ويدلل على ذلك بـ"العدد الكبير للكلمات الإسبانية المشتقة من العربية والمتعلقة بتقنيات الري (....). ويوجد تشابه كبير بين الأشكال الفعلية للنواعير أو السواقي التي لا تزال مستخدمة في إسبانيا وتلك المستخدمة في الشرق الأوسط والمغرب" (ص 49).

 

اعتمد بناة السفن الأوروبيون على المراكب ذات الأشرعة المثلثة التي أول من استخدمها العرب في البحر المتوسط التي طورت لاحقًا، وهذا أدّى إلى بناء السفن الضخمة التي عبرت المحيط الأطلنطي، والقيام بالرحلات الاستكشافية الأخرى العظيمة"

 



أوجد العرب صناعات تنتج بضائع فاخرة، "منها المنسوجات الصوفية والقطنية والحريريرة الفاخرة(...). وتطورت صناعة الخزف وتقنياته في ذلك العصر، مثل تلوين القرميد المأخوذ من الشرق. واكتشف سر صناعة الكريستال في قرطبة في النصف الثاني من القرن التاسع(...).وتبين اللغة الإسبانية دور العرب الرئيس في تطوير الأساليب المعمارية وتحسينها" (ص 51). و"اخترع العرب عددًا من الآلات الموسيقية المختلفة أو طوّروها(...)، وتدل الأسماء العربية للعود والقيثارة والربابة والنقّارة (نوع من الطبول المزدوجة) على أنها وصلت إلى أوروبا من العرب" (ص 53). و"استمدت إسبانيا المسلمة أفكارها في مجال الإدارة البلدية من الشرق الأوسط" (ص 55). وبحسب المؤلف، "اكتسب المسيحيون تحت حكم المسلمين جميع مظاهر ثقافة حكامهم باستثناء الدين، وعُرف هؤلاء باسم (المستعربين)" (ص 56).

الفصل الثالث: إنجازات العرب في العلوم والفلسفة

نهضت حركة الترجمة بجدية في عهد الخليفة المأمون (813 ـ 833م)، الذي أنشأ مؤسسة خاصة بالترجمة عرِفت باسم (بيت الحكمة). استمرت حركة الترجمة خلال القرن التاسع ومعظم القرن العاشر إلى أن تُرجمت كل الأعمال اليونانية التي تهم العرب. (ص 66). وترجم العرب من الكتب اليونانية الأولى الأكثر أهمية بالنسبة إليهم، خاصة الطب وعلم الفلك. (ص 67). و"كان أول تطوير للعلوم قام به العرب كان في مجال الرياضيات. يعد الخوارزمي من أهم العلماء في كل من الرياضة والفلك(...). واشتق من إسمه المصطلح الفني (Algorism) أي الحساب(...). وأسس علم الجبر، حيث اشتق الإسم (algebra)  من إسمه" (ص 68). و"هناك غيره من علماء الرياضيات ممن ترجمت أعمالهم إلى اللاتينية مثل النيريزي عام 922م، وابن الهيثم عام 1039" (ص 69). وبحسب المؤلف، "كان لإسبانيا الموريسكية دور في دراسة الرياضيات والفلك، فعن طريقها وصلت علوم العرب إلى علماء أوروبا" (ص 71).

يقول مونتغمري: "وصل بعض علماء المسلمين إلى درجة عالية في العلوم الطبية أعلى من سابقيهم ويضاهون علماء اليونان. وصل المسلمون إلى هذه المنزلة من خلال الجمع بين المعرفة النظرية الواسعة والملاحظة الحادة في تطبيقاتهم السريرية. ويكفى هنا أن نذكر الرازي، وابن سينا، وعلى بن العباس" (ص 74). وبرع علماء عديدون عظماء في العالم الإسلامي في الخيمياء (الكمياء)، ومنهم جابر بن حيان، والرازي، وابن سينا، والبيروني. وألف العرب أعمالاً في النبات والحيوان والمعادن. "كما نبغ في الفلسفة عالمان اثنان من أهم الفلاسفة في العالم، هما الفارابي ، وابن سينا" (ص 83). وبحسب المؤلف، "لم يكن العرب مجرد ناقلين للفكر الإغريقي، بل حملة علم حقيقيين حافظوا على العلوم التي تعلموها وإضافوا إليها" (ص 84). 

الفصل الرابع: الحروب الصليبية وحروب الاسترداد.

يشير المؤلف إلى حقيقة أن "الحملات الصليبية كان لها دور صغير في حركة الاستكشاف التي أدت إلى اكتشاف أمريكا والطريق إلى الهند، مروراً برأس الرجاء الصالح. ونتيجة للحملات الصليبية والعمليات التجارية في الشرق، اكتشف الغرب وجود عالم آخر غير العالم الإسلامي، ودول أخرى ليست مسيحية أو مسلمة. وعندما ثبت أن احتلال القدس مستحيل عن طريق البحر المتوسط، تساءل بعض عن إمكانية الهجوم على المسلمين من الجهة الأخرى" (ص 106).

الفصل الخامس: العلوم والفلسفة في أوروبا

بدأ اهتمام العلماء الأوروبيين بالعلوم والفلسفة الإسلامية في القرن الثاني عشر، وأدركوا أهمية ما ينبغي أن يتعلموه من العرب، وانكبوا على دراسة تلك العلوم وترجمة المهم منها إلى اللغة اللاتينية (ص 107). و"يعتقد الخبراء أن نسبة ترجمة ما إلى مترجم بعينه هي مجرد تخمين. وهناك أيضا صعوبة في معرفة هوية بعض المترجمين" (ص 111). 

ويعدد المؤلف اسماء بعض المترجمين من العربية إلى اللاتينية، والأعمال التي تمت ترجمتها. 

بحسب مونتغمري، بدأ تبني الأعداد العربية، في القرن الثالث عشر، "كان كتاب ليوناردو فيبوناتشي، كتاب الحساب، أول ما قدم الأعداد العربية" (ص 117). ويمكننا القول "إن أول تقدم حُقق في علم الفلك بعد المسلمين كان على يد الإسباني اليهودي الذي اعتنق المسيحية عام 1106م، وأصبح يلقب ببييدرو ألفونسو، وكان له أثر كبير في الجيل الذي تبعه من الفلكيين، خاصة في فرنسا وإنجلترا" (ص 118). واعتمدت "أوروبا على الطب العربي حتى القرنين الخامس عشر والسادس عشر، وهو ما توضحه قوائم الكتب المطبوعة مبكراً" (ص 122). فـ "لم يكن الطب في القرنين الخامس عشر والسادس عشر، إلا مجرد امتداد بسيط للطب العربي" (ص 123). أما الميتافيزيقا، فقد "زودت الأفكار العربية الفكر الأوروبي بمواد جديدة، ووفرت عالماً جديداً من الميتافزيقا، وكان على جميع المدارس الفلسفية الأوروبية أن تكون محيطة بالترجمات من اللغة العربية (...).إذن تدين جميع أنواع الفلسفة الأوروبية اللاحقة للكُتاب العرب" (ص 128). 

الفصل السادس: الإسلام والوعي الذاتي في أوروبا 

يشير المؤلف إلى أربعة أوجة للصورة المشوهة للإسلام التي شُكلت في أوروبا بين القرنين الثاني عشر والرابع عشر؛ ورد بإيجاز على كل وجه من هذه الأوجة. 

أ ـ الإسلام دين باطل، ومحرَّف متعمد للحقائق (ص 133 ـ 134)؛ 
ب ـ الإسلام دين انتشر بالعنف والسيف (ص 134 ـ 135)؛ 
ت ـ الإسلام دين انغماس في الملذات (ص 135 ـ 137)؛ 
ج ـ محمد بوصفه المسيح الدجال (ص 137 ـ 138).
د ـ تضمنت هذه الصورة أوجه تشابه واختلاف مع العالم المسيحي الكاثوليكي. وبما أن تلك كانت الطريقة التي رأى بها الأوروبيون الغربيون أنفسهم، يمكننا تسمية هذه الصورة الضمنية بـ "صورة غرب أوروبا" (ص 138).

يقول مونتغمري: "عندما ينظر المؤرخ الإسلامي إلى تاريخ أوروبا في العصور الوسطى، سيُفاجأ بقوة الحركة الصليبية وعمقها، والمكانة المهمة المأخوذة من الصورة الجديدة عن الإسلام في النظرة المستقبلية الأوروبية. والمفاجئ في هذا هو عدم وجود ما يماثله في العالم الإسلامي" (ص 143).

وبحسب المؤلف هناك شعور بالنقص عاناة الأوروبيون عند مواجهتهم مع حضارة المسلمين، له عده جوانب، أن "التقنيات في العالم الإسلامي متطورة أكثر من أوروبا، ونَعِم الأثرياء المسلمون بحياة مرفهة أكثر من الأوروبيين، ولكن تعد هذه أسباباً ثانوية. كان يُخشى من المسلمين عسكرياً في الماضي (...)، شاع اعتقاد أن ثلثي العالم مسلم. سبب شعور المسلمين الشديد بالتفوق إزعاجاً من دون شك للمسيحيين الذين احتكوا بهم. وبشكل عام، كانت مشاعر الأوروبيين الغربيين تجاه الإسلام تماثل مشاعر الطبقة المحرومة في أي ولاية كبيرة (...). كان تشوية صورة الإسلام بين الأوروبيين ضروريًا لتعويض الشعور بالنقص" (ص 145- 146).
 
في الختام، يطالب مونتغمري بـ"تصحيح الاعتقادات الخاطئة، والاعتراف بفضل العالمين العربي والإسلامي"، (ص 148).

*كاتِب وباحِث فلسطيني

التعليقات (0)
الأكثر قراءة اليوم