هذا الموقع يستخدم ملف تعريف الارتباط Cookie
لو انتُخب جو بايدن رئيسا
للولايات المتحدة، هل سيستطيع إلغاء ما فعلته إدارة دونالد ترامب؟ «بايدن» سيكون
قادرا على تبني سياسة مختلفة عن تلك التي تبناها سلفه دونالد ترامب الذي سعى جاهدا
إلى إلغاء كل ما فعله باراك أوباما على الصعيد الدولي من قبيل المصالحة مع كوبا،
والاتفاق حول برنامج إيران النووي، واتفاقية باريس للمناخ... بل وذهب إلى أبعد من
ذلك حين عمد إلى سحب بلده من منظمة اليونيسكو، ومن منظمة الصحة العالمية، ونقل
السفارة الأميركية من تل أبيب إلى القدس.
اليوم، وعلى بعد أربعة أشهر من موعد
الانتخابات الرئاسية الأميركية، يتصدر «بايدن» السباق في نتائج استطلاعات الرأي.
صحيح أن الانتخابات ستُحسم في آخر لحظة، غير أن انتخابه أصبح احتمالا ذا مصداقية.
في حال انتخابه، سيستطيع بايدن منع خروج
الولايات المتحدة من منظمة الصحة العالمية بشكل نهائي. فعلى غرار أوباما، انتقد
بايدن بشدة الطريقة الفوضوية التي أدار بها ترامب أزمة كوفيد- 19. وعلاوة على ذلك،
كان «بايدن» يظهر في الأماكن العمومية دائما مرتديا كمامة، وظل في بيته ملتزما
بالحجر الصحي لوقت طويل، وما زال يتجنب الاجتماعات العامة. وبالتالي، فمن المنطقي
أن يؤكد على أن الولايات المتحدة في حاجة إلى منظمة الصحة العالمية، وعلى أن
انسحابها لن يكون قرارا سياسيا حكيما في مصلحة البلاد.
جو بايدن يمكن أيضا أن يتراجع عن الانسحاب
الأميركي من اتفاقية باريس للمناخ. فبخصوص هذه النقطة، يبدو الشعب الأميركي منقسما
جدا. غير أن الكثير من أنصاره هم من مؤيدي مكافحة التغير المناخي. وبالتالي، فإن
«بايدن»، وشعورا منه بحس المسؤولية، يمكن أن ينضم إلى اتفاقية باريس من جديد،
معللا ذلك بالمصلحة الوطنية الأميركية في مكافحة تغير المناخ.
غير أنه ربما سيكون أصعب عليه العدول عن
الاتفاق حول النووي الإيراني. ذلك أن النظام الإيراني جد مفتقر للشعبية في
الولايات المتحدة. كما أن مسألة احتجاز الرهائن في السفارة الأميركية بطهران في
1979 ما زالت حية في الأذهان، وإيران يُنظر إليها باعتبارها بلدا معاديا ومزعزعا
للاستقرار. فهل سيرغب جو بايدن في العودة إلى هذا الاتفاق الذي وُقع حينما كان
نائبا للرئيس أوباما؟
لقد بات معروفا منذ بعض الوقت أن بايدن لن
يعيد نقل السفارة الأميركية من القدس إلى تل أبيب. ونحن نعلم أن العلاقات بين
إسرائيل والولايات المتحدة هي أيضا محل اتفاق من كلا الحزبين. وحتى إن كان ترامب
قد ذهب في دعم إسرائيل أبعد مما ذهب إليه أي رئيس أميركي آخر من قبل، إلا أن بايدن
لن يعارض إسرائيل. وإذا كان باراك أوباما قد ندّد بمواصلة الاستيطان، فإنه لم يقدم
أبدا على اتخاذ أي إجراء يعاقب إسرائيل أو يشكّل ضغطا عليها.
أما في ما يتعلق باليونيسكو، فإنه سيكون من
الصعب على «بايدن» أيضا العدول عن هذا القرار، بموجب قانون أميركي تبناه الكونجرس.
ذلك أنه منذ انضمام فلسطين إلى المنظمة الدولية، لم تعد الولايات المتحدة تستطيع
الاستمرار في عضويتها.
الأمر الذي ليس محل شك هو تغير موقف الرئيس
الأميركي إزاء الحلفاء الأوروبيين في حال فوز «بايدن»: إذ سيكون أقل قسوة وخشونة
بكثير. ذلك أن بايدن سيسعى إلى استعادة علاقة طبيعية، بدون أن يعني ذلك علاقة
متكافئة. غير أنه سيحترم صيغ التحالف الأطلسي أكثر. ولهذا، فالراجح أن أكثر الناس
تأييدا للتحالف الأطلسي يتمنون انتخاب بايدن من أجل إصلاح العلاقات بين البلدان
الأوروبية والولايات المتحدة. ولكن هذا لا يعني أن «بايدن» سيقبل باستقلالية
استراتيجية أوروبية.
الموقف الأميركي إزاء الصين ليس مرشحا
للتغيير. ترامب ما فتئ يصوّر «جو النائم» على أنه مرشح الصين ويقول «إذا كنتم
تريدون وقف الصين، فيجب وقف بايدن». وبالمقابل، يشير أنصار «بادين»، الأكثر دقة في
الهجمات، إلى أن انتخاب ترامب والطريقة الفوضوية التي يدير بها العلاقات الدولية
يمثلان امتيازا من وجهة نظر بكين، وأن سياسته تسمح للصين بتحقيق تقدم أسهل في كل
المحافل الدولية. ومما لا شك فيه أن التنافس البنيوي بين واشنطن وبكين سيطغى على
النقاشات الاستراتيجية في المقبل من الأعوام، ولكن سياسة ترامب إزاء بكين هي أحد
الجوانب القليلة في سياسته – إن لم تكن الجانب الوحيد – الذي لا يتعرض للانتقاد من
قبل «الديمقراطيين».
وبالنظر إلى رغبته في احتواء الصين بشكل أفضل،
قد يرغب بايدن في إصلاح العلاقات مع أغلبية البلدان التي ساءت علاقتها مع الولايات
المتحدة في عهد ترامب. غير أن هذا لا يعني أن الولايات المتحدة ستصبح بلدا تعدديا
تماما. كما أنه من غير المرجح أن يتغير تطبيق التشريع الأميركي خارج أراضي
الولايات المتحدة. فالأميركيون سيرغبون دائما في تقلد الزعامة وفي أن يكون حلفاؤهم
مطيعين. و«بايدن» أدرك أنه من الضروري وضع قليل من تعددية الأطراف في الأحادية
الأميركية.
(الاتحاد الإماراتية)