هذا الموقع يستخدم ملف تعريف الارتباط Cookie
وجّه سُلطان عمان، هيثم بن طارق، قبل أيام، بالعفو عن المعارضين في الخارج، دون أي يصدر أي مرسوم بذلك عبر الإعلام الرسمي.
العفو "الصامت"، إن صح وصفه، قوبل بترحيب داخلي واسع، واستدل به عُمانيون على انفتاح السلطان الجديد تجاه أبناء شعبه بمختلف توجهاتهم.
وما إن بدأت حسابات عُمانية بتداول أنباء عن العفو السلطاني، حتى أكده المعارضان المقيمان في لندن، سعيد جداد الكثيري، ومعاوية الرواحي.
وعاد الرواحي وجداد بالفعل إلى مسقط، بعد قضائهما سنوات في المهجر، ونشرا رسائل مصورة يشكران فيها السلطان هيثم بن طارق على "سعة صدره" وعفوه عنهما.
وسعيد جداد أثار جدلا واسعا خلال الشهور الأخيرة، بتداوله تسريبات منسوبة لوزير الخارجية يوسف بن علوي مع الزعيم الليبي السابق معمر القذافي، كما نشر اتهامات عديدة لابن علوي بالتمرد على سياسة النأي بالنفس التي تتخذها عُمان منذ عقود.
غير مشروط
معاوية الرواحي قال في الفيديو، الذي نشره فور وصوله مسقط، إن السفير لدى لندن، عبد العزيز الهنائي، ومسؤولين عمانيين، أبلغوه أن العفو عنه غير مشروط.
وتابع بأنهم أكدوا له أن لديه الحرية كاملة بالتعبير عن رأيه داخل السلطة، دون تجاوز الأنظمة المنصوص عليها بالقوانين الرسمية.
وقال مصدر مقرب من الحكومة إن العفو غير مرتبط بأي أهداف خفية، وجاء ببادرة "نبيلة" من سلطان البلاد.
وأضاف في حديث لـ"عربي21"، أن الباب مشرع أمام الناشطين بالخارج، حتى من أساء منهم للدولة، بحسب قوله.
وبحسب المصدر، فإن السلطان هيثم بن طارق يسير على نهج سلفه السلطان قابوس بن سعيد، ويعمل على لم شمل العمانيين دون وضع شروط أو قيود، ويفتح لهم مجالا للتعبير عن رأيهم من داخل بلدهم، دون "الإساءة أو التطاول".
المعارض المقيم في مدينة ليفربول بإنجلترا، نبهان الحنشي، قال إن العائدين لم يتم التعرض لهم بالفعل، إلا أن العفو كان مشروطا، بحسب قوله.
وتابع في حديث لـ"عربي21" أنه رفض الخوض في تفاصيل العودة من خلال هذا العفو، لسبب مبدئي، وهو أنه لم يرتكب ذنبا حتى يتم العفو عنه.
وتابع: "النشاط الحقوقي الذي أمارسه ليس جريمة حتى أعاقب عليه"، مضيفا أن رجوعه لبلده يعني توقفه عن أي مطالبة بإصلاحات سياسية ودستورية، وتحسين للوضع الحقوقي في السلطنة، أو الدعوة إلى حياة برلمانية وفصل حقيقي للسلطات.
اقرأ أيضا: سُلطان عُمان يعفو عن المعارضين بالخارج (شاهد)
تشكيك
شكك الحنشي في جدية الحكومة باتخاذ نهج إصلاحي، يبدأ بطي الخلاف مع المعارضين، قائلا إن الأسباب التي دعته وغيره للمعارضة من الخارج تتلخص بأن المطالبة بالإصلاح السياسي من داخل عُمان قد تعني الاستدعاء من قبل الجهات الرسمية.
وأضاف أن التضييق على الناشطين لمجرد مطالبتهم بالإصلاحات "يبيّن عدم نية الحكومة في القيام بأي إصلاحات سياسية، ناهيك عن القوانين التي تمثل انتهاكا لحقوق الإنسان".
ولفت الحنشي إلى قرار سن قانون خاص لجهاز الأمن الداخلي يهدف إلى "شرعنة الانتهاكات"، إضافة إلى "إنشاء مركز للدفاع الإلكتروني سيتيح للحكومة التجسس على الهواتف والحسابات".
وأضاف أن هذه "مؤشرات حقيقية وملموسة للاتجاه الذي ستذهب إليه الحكومة في الفترة الحالية أو المقبلة، وهو تكريس القمع".
وختم الحنشي حديثه لـ"عربي21" بالقول إن عودته إلى بلده مربوطة باعتراف رسمي من الحكومة بالخطأ تجاه الناشطين والمعارضين عام 2012، عند اعتقالهم، والتشهير بهم عبر وسائل الإعلام الرسمية والخاصة.
إضافة إلى تحقيق المطالب التي نادى بها هؤلاء، وهي "الإصلاح السياسي، وفصل السلطات، وتأسيس دستور جديد يضمن الحقوق ويحميها".
فيما تساءل الناشط المقيم في لندن محمد الفزاري: "أين مرسوم العفو؟ والأهم، العفو عن ماذا بالتحديد؟".
وتابع في تغريدة عبر "تويتر": "لا جديد يذكر، الجديد في الأمر فقط أن هناك من قرر أن يرجع".
يُتداول منذ أسابيع عدة في مواقع التواصل الاجتماعي، أن السلطان هيثم أصدر عفوا عن أبناء الوطن الموجودين خارج السلطنة/ الحاصلي على حق اللجوء.
— ᗰohammed ᗩlfazari محمد الفزاري (@mkalfazari) July 21, 2020
• السؤال الأول أين مرسوم العفو؟
• السؤال الثاني والأهم، العفو عن ماذا بالتحديد؟
*لا جديد يذكر، الجديد في الأمر فقط، هناك من قرر أن يرجع.
نهج مختلف وإدانات
منذ البدء، اتخذت سلطنة عُمان منذ خروج احتجاجات مطالبة للإصلاح في مختلف المحافظات، في 2011، نهجا مختلفا بالتعامل مع المتظاهرين، إذ أصدرت لغاية العام الحالي مجموعة من الأحكام بالسجن لم تنفذ العديد منها.
ورغم مسارعة السلطان الراحل قابوس إلى التغيير الوزاري لإرضاء المحتجين، إلا أن الادعاء العام وجه تهما لـ"التحريض على أعمال الشغب" لمجموعة من المتظاهرين، قبل أن يعود السلطان للعفو عنهم، وذلك في نيسان/ أبريل 2011.
بعد ذلك، تواصلت الاحتجاجات على نطاق أضيق في مسقط وصلالة، تطالب برفع معدلات الأجور، والتحقيق بقضايا الفساد، وإيجاد دور حقيقي للمواطن في مجلس الدولة.
وفي الفترة بين 2012-2019، شنت السلطات العمانية حملات اعتقالات عديدة، إلا أن اللافت هو سرعة الإفراج عمن تعتقلهم، وعدم إتمام كامل محكوميتهم بالسجن، إضافة إلى السماح لهم بالعودة إلى التدوين عبر مواقع التواصل، والظهور الإعلامي.
إلا أن منظمات حقوقية أوضحت أن عُمان لديها سجل واسع في الانتهاكات، فبرغم الإفراج السريع عن جل المعتقلين، قالت "هيومن رايتس ووتش" إن السلطات ذهبت إلى تطبيق سياسة المنع من السفر، وأغلقت وسائل إعلام مثل "صحيفة الزمن" ومجلة "مواطن"، وضيقت على حرية الكتب والدواوين في معارض الكتاب السنوية.
فيما قال مركز الخليج لحقوق الإنسان، إن مرسوما سلطانيا صدر نهاية 2018، يحوي مواد غامضة التعريف، يمكن استخدامها في انتهاكات حقوقية.
والقانون المعني ينص في مادته 116 على السجن بين (3-10 سنوات) لمن ينشئ أو يسيس أو يدير جمعية أو حزبا أو هيئة أو منظمة ترمي إلى مناهضة سياسات الدولة .
وتعاقب مواد أخرى من هذا القانون بالسجن والغرامة كل من يشارك في مظاهرة، أو يوزع منشورات تعتبر تحريضا على الدولة، وهي قوانين فضفاضة وغامضة، بحسب المركز الحقوقي.
يشار إلى أن الشهرين الماضيين شهدا محاكمة مجموعة من الناشطين والسياسيين العمانيين، مثل، عوض الصوافي، وعادل الكاسبي، الذي بارك قرار العفو، قائلا: "هناك مؤشرات تشكل عهدنا الجديد الذي سيعانق طموحاتنا مع كل أمر وتوجيه سام من جلالة السلطان الموفق -بقدرة الله- هيثم بن طارق".
وكان الكاسبي، وهو إعلامي وعضو مجلس شورى سابق، اعتقل في آذار/ مارس الماضي، وأفرج عنه قبل أيام، وذلك لتدوينه تغريدة قال فيها "حلمت أني صرت وزير وبنيت قصر في القرم، لكن كان مكلفا جدا جدا، الهيكل فقط كلفني 13 مليون ريال ُعماني"، ووجهت له المحكمة تهمة "استخدام تقنية المعلومات في نشر ما من شأنه المساس بالنظام العام ".
هناك مؤشرات تشكل عهدنا الجديد الذي سيعانق طموحاتنا مع كل أمر وتوجيه سامٍ من جلالة السلطان الموفق -بقدرة الله - هيثم بن طارق . pic.twitter.com/BPE6gdnxmD
— عادل الكاسبي (@adil_alkasbi) July 21, 2020
يذكر أن السلطان هيثم بن طارق، الذي تولى مقاليد الحكم في كانون الثاني/ يناير الماضي، أصدر قبيل عيد الفطر الماضي عفوا شمل 797 سجينا، بينهم أجانب.