هذا الموقع يستخدم ملف تعريف الارتباط Cookie
الاستبداد هو: مصادرة حقوق الآخرين في المشاركة والانفراد المطلق بالسلطة والثروة.
والظلم هو: مجاوزة العدل والجور على الحقوق المادية والمعنوية للغير في كل شيء، من رأى واختيار وسلطة وحكم وعمل وثروة.
الاستبداد ومأسسة الظلم هما أصل كل الفساد الأخلاقي والاجتماعي والاقتصادي والسياسي، ولذلك جاءت مقاومة الاستبداد واجبا منطقيا ودينيا وعلميا، والتخلف عن مقاومته نقص في الحصانة والحراسة الاجتماعية للدين والانتماء الوطني، بل والمروءة.
النتائج والآثار المدمرة للاستبداد والظلم:
ولذلك، كانت مقاومة الاستبداد والظلم
1- واجبا دينيا أجمعت عليه كل الأديان السماوية.
2- واجبا دعت إليه النظريات العلمية في مجالات التربية والاجتماع والاقتصاد والسياسة.
3- منطقا تاريخيا للمحافظة على بقاء ونمو المجتمعات والأمم.
4- واجبا منطقيا لا يختلف عليه عاقل. إن مقاومة الاستبداد تمثل الحارس الاجتماعي الذي يجسد ضمير المجتمع العام، والحصن الأول لحماية الدين والقيم والحريات والحقوق العامة.
واجب الشعوب مع الاستبداد والظلم
من المؤمنين وغير المؤمنين، الدينين واللادينين، كافة المذاهب والتيارات الفكرية والسياسية والاجتماعية:
1- عدم الركون إلى المستبد الظالم.
قال تعالى على لسان سيدنا موسى: "قَالَ رَبِّ بِمَا أَنْعَمْتَ عَلَيَّ فَلَنْ أَكُونَ ظَهِيرا لِّلْمُجْرِمِينَ" (القصص).
وعدم الركون للظالم يتضمن ست واجبات عملية:
أ- عدم التعاون معه.
ب- عدم الاستناد إليه.
ج- عدم الرضى عنه أو الإقرار له.
د- عدم مشاركتها.
هـ- عدم الاطمئنان إلى وعوده.
و- المبادرة لمقاومته والتخلص منه.
2- مقاومة الاستبداد بكل ما تملك الشعوب من قوة، وسرعة التخلص منه بأسرع وقت ممكن، لأن في كل ساعة ويوم تأخير فرصة لنمو قوته، وفساد الناس وخراب ودمار المجتمع والدولة، حيث يبين ربنا عز وجل كيفية استعداد جنده واستكمالهم لجاهزيتهم الدفاعية عن الحق وتحصينه من الهزيمة على يد الظالمين "وَأَعِدُّوا لَهُم مَّا اسْتَطَعْتُم مِّن قُوَّةٍ وَمِن رِّبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللَّهِ وَعَدُوَّكُمْ وَآخَرِينَ مِن دُونِهِمْ لا تَعْلَمُونَهُمُ اللَّهُ يَعْلَمُهُمْ ۚ وَمَا تُنفِقُوا مِن شَيْءٍ فِي سَبِيلِ اللَّهِ يُوَفَّ إِلَيْكُمْ وَأَنتُمْ لا تُظْلَمُونَ" (الأنفال).
ثم يبين صفات جنده المؤمنين "وَالَّذِينَ إِذَا أَصَابَهُمُ الْبَغْيُ هُمْ يَنتَصِرُون" (الشورى).
نتائج مواجهة الظالم المستبد:
1- إحياء ويقظة ووعي المجتمع، واستعادة وتعزيز قدرات وقوة وممكنات المجتمع للفعل والإنجاز، ومواجهة المستبد والتخلص منه وتطهير المجتمع منه ومن رجاله وأفكاره وثقافته ومؤسساته، وإحلال وتمكين فكر ورجال ومؤسسات إقامة الحق والعدل والتنمية والرخاء بالمجتمع.
2- استشهاد البعض القليل لحساب حياة وحرية وكرامة وقيم وتدين واستقرار ورفاهية باقي المجتمع والأجيال التالية.
أسباب بقاء واتساع وسيادة الظلم والطغيان:
بقاء النظم المستبدة الظالمة مرهون بوهن وضعف المجتمع وفقدان القدرة المجتمعية على مقاومته، والتي تأتي عبر:
1- افتقار المجتمع لثقافة الحرية والاعتزاز بالكرامة الإنسانية الوجودية والوعي بالذات الرسالية الحضارية، والتي تمثل الوقاية الذاتية للمجتمع ضد الاستبداد، وبغيابها يصبح المجتمع معرضا لمرض الاستبداد، ومؤهلا لقبول الاستبداد والتعايش معه والتحول إلى مجتمع مريض ضعيف متهالك، وألعوبة في يد النظام المستبد.. "فَاسْتَخَفَّ قَوْمَهُ فَأَطَاعُوهُ ۚ إِنَّهُمْ كَانُوا قَوْما فَاسِقِينَ" (الزخرف)... فاسقين بخروجهم عن النسق الإنساني الطبيعي الحر العزيز الكريم، وباستجابتهم وركونهم لفساد المستبد ومشاركته فساده.
2- توارث ثقافة الاستضعاف بالإيمان بفقه المتغلب العسكري، والصبر على ظلم المستبد والتصبر عليه، واستخدام منهج التبرير، وفكرة المؤامرة الكونية المستحيل مقاومتها، وإنتاج مفاهيم مغلوطة للنصر، بأنه مجرد الثبات على الحق وإن كنت منهزما.
3- الركون للمستبد الظالم بالصمت عليه والتنسيق وعقد الصفقات معه، وتبادل وتقاسم المصالح، وعقد الصفقات المعلنة وغير المعلنة معه. يكشف القرآن عن قابلية بعض النفوس المريضة في المجتمع لذلك، فيحذر منها ويبين عاقبتها "فَاسْتَقِمْ كَمَا أُمِرْتَ وَمَنْ تَابَ مَعَكَ وَلا تَطْغَوْا إِنَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ* وَلا تَرْكَنُوا إِلَى الَّذِينَ ظَلَمُوا فَتَمَسَّكُمُ النَّارُ وَمَا لَكُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ مِنْ أَوْلِيَاءَ ثُمَّ لا تُنْصَرُونَ" (هود).
4- الاستجابة الذهنية والنفسية لمغالطات وكذب وتضليل واستخفاف المستبد يكشفها، ويبيّنها بجلاء قول الله تعالى: "فَاسْتَخَفَّ قَوْمَهُ فَأَطَاعُوهُ إِنَّهُمْ كَانُوا قَوْما فَاسِقِينَ (الزخرف).. "إِنَّ اللَّهَ لا يَظْلِمُ النَّاسَ شَيْئا وَلَكِنَّ النَّاسَ أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ" (النمل).
5- اتخاذ البعض موقف الحياد وكأن الظلم لن يصل إليهم بعد حين، وكأنهم غير معنيين برد الظلم عن المظلومين. وهذا الموقف يمثله الصامتون السلبيون (حزب الكنبة) المقوضون لقوة المجتمع. وهؤلاء كشفهم وفضحهم الله تعالى وبيّن عاقبتهم في الآخرة "وَقَالُوا رَبَّنَا إِنَّا أَطَعْنَا سَادَتَنَا وَكُبَرَاءَنَا فَأَضَلُّونَا السَّبِيلا" (الأحزاب).
6- الترويج للمخدرات المنيمة المثبطة لعزيمة وهمّة المجتمع، بمفاهيم دينية وسياسية غير حقيقية، والممارسة الوهمية للعمل السياسي والإعلامي المتحول من الثورة المقاومة للاستبداد التي لا تعترف به ولا تقر له بشرعية حكم، والداعية إلى خلعه، إلى المعارضة المعترفة به ضمنيا، وإن لم تصرح بذلك علنا، والمتعايشة مع النظام الداعية إلى إصلاحه.