كتاب عربي 21

هل تتصادم تركيا مع مصر في ليبيا؟

سعيد الحاج
1300x600
1300x600
حملت الأيام القليلة الأخيرة تطورات هامة في الأزمة الليبية، لا سيما فيما يتعلق بالدور المصري.

فبعد أيام قليلة من استقبال السيسي وفداً من قبائل ليبية قالت الرئاسة المصرية إنها دعته للتدخل عسكرياً في ليبيا، أقر البرلمان المصري تفويضاً للسيسي باتخاذ جميع الإجراءات اللازمة للحفاظ على الأمن القومي المصري، بما في ذلك "إرسال عناصر من القوات المسلحة المصرية في مهام قتالية خارج حدود الدولة المصرية للدفاع عن الأمن القومي المصري في الاتجاه الاستراتيجي الغربي"، وفق ما جاء في بيان البرلمان.

يعني ذلك أن هناك الآن غطاءً قانونياً وسياسياً داخلياً لأي تدخل مصري محتمل في ليبيا، بعد أن كان السيسي اعتبر في خطاب سابق له أنه "باتت تتوفر له الشرعية الدولية".

لا شك في أن تفويض البرلمان يعدُّ إجراءاً احترازياً وتسويغياً وليس بالضرورة إشارة على خطوة تنفيذية قريبة، لكنه بالتأكيد يثير علامات استفهام حول الخطوات المصرية المقبلة في ليبيا. ولأن القاهرة منخرطة أصلاً في الأزمة الليبية بعدة أشكال بما فيها القصف المباشر، فإن التطورات الأخيرة توحي بإمكانية رفع سقف ومستوى هذا التدخل.

الاحتمال الأول أن يكون هدف ذلك الردع أكثر من الفعل، وإبقاء الأمر ضمن الأدوات المتاحة مستقبلاً، وهو هدف مقصود لذاته في العلاقات الدولية والأزمات الشبيهة. لكن السيناريوهات المحتملة تشمل كذلك نشر قوات على الحدود، ودعم بعض القبائل الليبية تسليحاً وتدريباً، والقصف من الجو، ونشر قوات داخل الحدود الليبية في المنطقة الشرقية بعمق محدد، وغيرها من الخيارات، فيما يبقى الانخراط العسكري الكامل احتمالاً ضئيلاً، وغير ضروري أصلاً وفق المعطيات الحالية وفي المدى المنظور.

تتحدث التصريحات المصرية مؤخراً عن تركيا و"المرتزقة والمليشيات التابعة لها"، رغم أن أنقرة لم تنشر قوات بأعداد كبيرة على الأراضي الليبية، واكتفت حتى اللحظة بتقديم الدعم الفني واللوجستي لقوات حكومة الوفاق. ما يعني أن أي تدخل مصري عميق سيكون في مواجهة قوات ليبية، وهو ما سيعقد المشهد أكثر ويقلل من هذا الاحتمال، لما له من تداعيات محلية وإقليمية وحتى دولية.

كما أن هناك حجاجاً مهماً يقدم في مواجهة السردية المصرية، وهو أن التهديد الأكبر للأمن القومي المصري اليوم يأتي من سد النهضة وليس ليبيا، لا سيما وأن سرت (التي لم تدخلها قوات الوفاق) تبعد أكثر من 1000 كلم عن الحدود المصرية، إضافة إلى أن ما تصفه القاهرة بـ"مليشيات إرهابية" هي قوات تابعة لحكومة منبثقة من اتفاق دولي ومعترف بها من الأمم المتحدة.

لكن، وفي كل الأحوال، يبقى هناك احتمال ولو ضئيل بأن يحصل تدخل مصري يؤدي لاحقاً إلى مواجهة مع تركيا، بشكل مباشر أو غير مباشر. فما هي حقيقة الموقف التركي من ذلك؟

في المقام الأول، تؤكد أنقرة أنها آخر المتدخلين في القضية الليبية، على عكس ما توحي به الضغوط السياسية والحملات الإعلامية التي تستهدفها، وأنه يأتي على خلفية اتفاق رسمي مع حكومة الوفاق الوطني المعترف بها دولياً للتعاون الأمني والعسكري، بل وتسعى لإضافة اتفاق جديد/ ثالث معها بمشاركة الأمم المتحدة، كما أعلن الرئيس التركي مؤخراً.

مدفوعة بحرصها على إبقاء اتفاق تحديد المناطق الاقتصادية الخالصة المرتبط بأمن الطاقة، وضعت أنقرة منذ البداية هدفاً واضحاً ومعلناً لدعمها لحكومة الوفاق، وهو منع سقوط طرابلس (وبالتالي الحكومة) لإعادة التوازن للميدان، بما يقلل من فرص الحل العسكري ويدفع أكثر نحو الحل السياسي.

نجحت أنقرة حتى اللحظة في تحقيق الجزء الأكبر من هذا الهدف من خلال التقدم الميداني الكبير لقوات الوفاق بدعمها الملموس، وهو ملمح مهم في قراءة الدور التركي يضاف له أمران. الأول أن التدخل التركي لا يستهدف بشكل مباشر طرفاً إقليمياً أو دولياً بعينه رغم أنه بالتأكيد يتناقض مع مواقف الدول الداعمة لحفتر، خصوصاً وأن تركيا لم تنشر قوات كبيرة هناك.

والثاني أن الدور المرغوب تركياً لا يشمل فيما يبدو فتح معركة في الشرق، ولا الإصرار على استعادة كامل الأراضي الليبية لسيطرة الوفاق، وإن أوحت بعض التصريحات بذلك، فهو أمر لا تتيحه الاستعدادات التركية حتى الآن، وتحسباً للسيناريوهات المستقبلية ومواقف مختلف الأطراف (خصوصاً روسيا)، بما يجعل من الشرق معركة معقدة الحسابات وباهظة الثمن عسكرياً وسياسياً.

الأمر الذي يشير إلى أن السقف الحالي للانخراط التركي يقف تقريباً عند سرت والجفرة، ولا يتطلع عملياً لما هو أبعد منهما من زاوية عسكرية، وإنما سياسية ودبلوماسية تعبر عنها وتيرة الاتصالات واللقاءات التي تجريها أنقرة مع مختلف الأطراف، لا سيما موسكو وواشنطن.

يعني ذلك أن الانخراط التركي الحالي والمرجح على المديين القريب والمتوسط لا يحمل مخاطر كبيرة على الأمن القومي المصري. أكثر من ذلك، فقد أبدت أنقرة على لسان الناطق باسم الرئاسة إبراهيم كالين "تفهمها للمخاوف الأمنية المصرية المشروعة" بخصوص الحدود المصرية- الليبية، قبل أن يدعوها للتخلي عن دعم حفتر ودعم حكومة الوفاق.

كما أنه لا ينبغي إغفال الرسائل الإيجابية التي ترسلها أنقرة مؤخراً تجاه القاهرة، حيث خفتت حدة التصريحات التركية تجاه النظام المصري من جهة، ولفتت أنقرة إلى أن الاتفاق البحري مع طرابلس يصب في مصلحة القاهرة وليس العكس، من جهة أخرى. ولعله من المهم قراءة تصريح وزير الخارجية التركي بخصوص لقاءات أولية تمت على المستوى الفني بين البلدين، حول اتفاق شبيه محتمل بينهما بخصوص المناطق الاقتصادية الخالصة.

تفهّم تركيا للمخاوف الأمنية المصرية، وتراجع حدة التصريحات تجاه النظام، والتأكيد على المصالح المشتركة في شرق المتوسط، وعقد تلك اللقاءات فضلاً عن لقاءات سياسية واقتصادية سابقة. كلها سياقات تصب لصالح تراجع حدة الاستقطاب وتضارب المصالح الحقيقية بين البلدين، بعيداً عن حدة التصريحات وما تحاول أن توحي به.

كما أن تركيا، ومثلها مصر، تدرك أنه لا مصلحة لأي من البلدين ولا للمنطقة بأي نزاع عسكري بينهما، ولو بالحد الأدنى أو بطريقة غير مباشرة. وهو العامل الأهم الذي يجعل من سيناريو مماثل احتمالاً بالغ الضعف ومستبعداً وفق المعطيات.

لا يعني كل ما سبق أن البلدين سائران قُدُماً نحو التفاهم وعقد الاتفاقات، فالانحيازات الإقليمية والمواقف المسبقة وغيرها من العوامل تصعّب من ذلك كثيراً حالياً، لكنه يقول إن تهدئة الأوضاع نسبياً بين البلدين احتمال قائم ومرجح، لا سيما وأن الولايات المتحدة قد بذلت جهداً في هذا الاتجاه بين الجانبين الحليفين لها.

في الخلاصة، ليس ثمة مؤشرات حقيقية على مواجهة تركية- مصرية مباشرة في ليبيا، وإنما يمكن وضع الخطوات المصرية الأخيرة في إطار تقوية أوراق الضغط وتحسين شروط التفاوض بما يخص سرت وما بعدها، والأزمة الليبية عموماً.

وفي المجمل، فإن التطورات الميدانية الأخيرة تدفع لأحد خيارين، إما تسريع عجلات المسار السياسي مرة أخرى بعد القناعة باستحالة الحل العسكري، وإما العودة للتفاوض الساخن في الميدان لتعديل المواقف السياسية. ولأن الأطراف الإقليمية والدولية لم تحسم مواقفها بشكل نهائي بعد، يراوح المشهد الميداني في مكانه دون تطورات جذرية مبقياً الباب مفتوحاً على التطور في الاتجاهين بانتظار توافق الأطراف.

twitter.com/saidelhaj
التعليقات (1)
عربي مراقب
الأربعاء، 22-07-2020 10:17 ص
اعتقد ان تهديدات الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي عن أن " سرت والجفرة " الليبيتين خط احمر لم تكن ذات معنى او لها قيمة، وكان واضحا غياب أي إمكانية لترجمتها الى خطوات عسكرية جدية وازنة على الأرض بأي حال، وهي تهديدات إعلامية لا تخرج عن اطار التهويش والتعبير السيء عن الانزعاج الكبير من تدخل تركيا " الاردوغانية " في ليبيا، والتخوف من ان يثير هذا التدخل المصريين في الداخل، الأمر الذي قد يحفزهم من جديد على الثورة ضد السلطة الانقلابية التي عمليا منعت أي إمكانية لحكم مدني على الأقل في الحاضر والمستقبل المنظور، سيما وان " أردوغان " هو الرئيس التركي المكروه جدا للرئيس عبد الفتاح السيسي بسبب خلفيته الإسلامية المكروهة أصلا من الجيش المصري وعموم الدول العربية الداعمة لبقاء مصر تحت حكم الجيش بعيدة عن الحكم المدني.. كيف لا بالنسبة للسيسي و " أردوغان " المتعاطف هو وحزبه " العدالة والتنمية " مع الاخوان في مصر والمؤيد الأبرز للتجرية الديمقراطية الحرة الأولى فيها التي انقلب عليها الجيش، والذي اعلن مبكرا وقوفه الصريح مع الحكم المدني الأول بتاريخ مصر الحديث، هذا بالإضافة الى عامل غاية بالأهمية وهو عدم جاهزية الجيش المصري للقيام باي عمل عسكري خارج حدود مصر، فالجيش المصري بعد " اتفاقية كامب ديفيد " تم تحييده تماما كما بات واضحا للجميع، ولم يعد يهتم بالقضايا الاستراتيجية لا العربية منها ولا حتى مصر الخارجية، الا ربما " استراتيجية " بقاءه مسيطرا على مصر ومقدراتها وحاكما مطلقا للشعب المصري بدعم خارجي وبقوة السلاح.. يعلم الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي أنه بظرفه الحالي هو اعجز بكثير من ان يفكر بمواجهة قوة مثل تركيا، ليس لأن الجيش المصري عاجز بطبيعته، وانما لأن القرار الدولي بعد معاهدة السلام الإسرائيلية، والدور الوظيفي المطلوب منه بالمنطقة يلزمانه بعدم التورط بأي مواجهة خارجية، او مجرد التفكير بتجاوز الخطوط الحمر التي تم رسمها له، الا اذا كانت تهدف هذه التجاوزات الى حماية السلام القائم بين " مصر وإسرائيل " بدليل عجزه عن مواجهة افراد او مجموعات قليلة من " الإرهابيين " في سيناء منذ ستة سنوات، أمام هذا المشهد كيف لي ان اصدق ان بإمكانه مواجهة تركيا التي تعتبر ثاني قوة عسكرية منظمة في حلف الناتو، والتي ما جاءت الى ليبيا كما هو معروف الا وفق معاهدة دفاع مشترك موقعة مع الحكومة الشرعية فيها والمعترف بها دوليا.. اذاً التهويش الذي أطره الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي بخطوط حمراء في " سرت والجفرة " الليبيتين فعليا هو تحذير دفاعي عن الحكم الوظيفي القائم في مصر اليوم، موجه بالدرجة الأولى ليس لتركيا وانما للدول المعنية وعلى رأسها الراعية والداعمة له، وهي ليست دفاعا عن مصر الدولة والشعب، الشعب المصري بتقديري لا يريد الحرب مع أي طرف، فهو شعب محب للسلام بطبعه ويتمنى ان تكون العلاقة بينه وبين تركيا في افضل حال على الدوام، وان يكون التعاون البناء ما بين البلدين في احسن حالته، لكن السؤال هل ان هذا يخدم مصالح مافيا النظام العسكري فيها لا شك أن معظم الشعب المصري يعرف الإجابة ..