هذا الموقع يستخدم ملف تعريف الارتباط Cookie
تزداد يوما بعد يوم حدة التوتر السياسي بتونس، وتنذر كل المؤشرات بتواصل الأزمة السياسية ولا يعلم المراقبون والمحللون وحتى الساسة كيف ومتى يمكن أن تنتهي الأزمة.
فالعلاقة المتوترة تحكم الأحزاب حتى التي تحكم داخل الائتلاف الحكومي، وأشدها تلك التي تحولت إلى استئصالية خاصة من "الحزب الدستوري الحر"، في الوقت الذي تعاني فيه رئاسات الدولة الثلاث (دولة وحكومة وبرلمان) من شبه انعدام التناسق والتنسيق بحسب تسريبات.
ويرى مراقبون أن المشهد التونسي باتت تحكمه الصراعات والحسابات السياسية الضيقة وحتى اللوائح التي يفترض أن تكون حاملة لأهداف، باتت هي الأخرى تبنى على أجندة اخترقت من أعداء الثورة والديمقراطية.
ومما يزيد الأوضاع تعقيدا دخول أطراف يفترض أنها تهتم بشأن نقابي يحفظ كرامة العمال كاتحاد الشغل، والذي زج بعمال البلاد إلى حلبة الانحياز والتخندق لصالح طرف دون آخر، فضلا عن حشر نفسه بالدعوة إلى انتخابات مبكرة.
أجواء مشحونة
وفي هذا الصدد يقول السياسي والأكاديمي طارق الكحلاوي في تصريح لـ"عربي21" إن الخطيئة الأولى الأصلية لتوتر المشهد السياسي هو أن الائتلاف الحكومي لم يكن ائتلافا برلمانيا في نفس الوقت، حركة النهضة كونت ائتلافا برلمانيا يجمعها بـ"قلب تونس" وائتلاف الكرامة، وعلى الرغم من أنه اهتز عندما صوت قلب تونس ضد حكومة الحبيب الجملي لكنه سرعان ما عاد.
وفي المقابل هناك ائتلاف حكومي آخر غير متجانس بين حركة النهضة وحركة الشعب، كما يغيب التجانس أحيانا أيضا بين رئيس الحكومة ووزير من النهضة.
وتابع الكحلاوي: "من بين العوارض التي زادت الأمور تعقيدا وتوترا وجود الدستوري الحر بالبرلمان والذي يقوم عمله أساسا على الاستقطاب مع حركة النهضة، ويعتبر أن مصيره السياسي مرتبط بحملة استئصالية ضد حركة النهضة، وأيضا هناك نوعا ما استقطاب بين ائتلاف الكرامة والدستوري الحر".
واستنتج الكحلاوي أن المشهد البرلماني غير مستقر، وحتى اللوائح التي يفترض أن تكون مناسبة ليمرر البرلمان رسائل للخارج باتت لتسجيل نقاط بين الأطراف البرلمانية وتعطيل العمل.
من جهته قال المحلل السياسي صلاح الدين الجورشي في تصريح لـ"عربي21" إن "التوتر بين الأحزاب هو نتيجة تعددها بين أطراف متناثرة إيديولوجيا وسياسيا، وما يجري حاليا في حكومة الفخفاخ هو إعادة إنتاج لما حصل من قبل وإن كان بنسق أسرع وبحدة مرشحة للزيادة، فالعلاقة المتوترة واضحة وجلية بين النهضة وحركة الشعب والتيار الديمقراطي، فهي أزمة ثقة متصاعدة.
ولفت إلى أنه "من الصعب جدا حصر رقعة الخلاف بين هذه الأطراف الحكومية ويصعب الرد على سؤال كيف سيتم معالجة ذلك، وما زاد الأمر تعقيدا ملف شبهة الفساد وتضارب المصالح لرئيس الحكومة فحسابات هذه الأطراف متضاربة وغير متجانسة في ما يتعلق بهذا الملف".
ونبه إلى أن الخلاف "سيتعمق من جهة عمل لجنة التحقيق في شبهة الفساد وما ستصل إليه، مقابل تمسك وزير الحوكمة والوظيفة العمومية محمد عبو، بتكوين لجنة تحقيق خاصة وبالتالي يمكن أن يكون هناك تضارب بين اللجنتين وبالتالي اللجوء للقضاء".
اقرأ أيضا : رئيس شورى النهضة "ينصح" الفخفاخ بالاستقالة
ورأى الجورشي أن مسألة تواتر عرض اللوائح البرلمانية سيزيد من تعميق توتير الأجواء لأنها لا تخضع لمقاييس موضوعية بل تخضع لرغبات الأحزاب وحساباتها ومع كل لائحة تقدم سيشتعل فتيل النار بين الأحزاب ونتمنى أن تلغى فكرة اللوائح بعد نقاش.
انتخابات مبكرة
بدوره أفاد الدكتور طارق الكحلاوي في ما يتعلق بالدعوة إلى انتخابات مبكرة: "الاتحاد العام التونسي للشغل في حالة تقارب مع رئيس الجمهورية قيس سعيد، فالاتحاد يعتبر الوضع غير مستقر وطرح ورقة الانتخابات المبكرة عادة ما يتم استعمالها أحيانا في إطار التجاذبات القائمة".
وشكك الكحلاوي في ظروف طرح مثل هذه الورقة وصعوبة إجراء انتخابات والدليل على ذلك أن "أمين عام اتحاد الشغل نور الدين الطبوبي أعطى شروطا وهي أولا تنقيح القانون الانتخابي وإرساء المحكمة الدستورية والحال أن المشهد البرلماني لا يسمح بتنفيذ هذه الشروط غير الملائمة"، وأضاف: "عادة ما يتم التلويح بالانتخابات المبكرة للتعبير عن حالة الغضب وعمليا الشروط غير متوفرة وحتى من يدعو لهذه الورقة غير جاد في دعوته".
وعن زمن بقاء الوضع في حالة التوتر قال: "هناك إمكانية أن يبقى الوضع كما هو عليه، ويتوقع أيضا أن يصل التوتر إلى أقصاه وتسحب النهضة ثقتها من الحكومة أو يقدم الفخفاخ استقالته واسترجاع الرئيس للمبادرة وعدم الاتفاق على حكومة جديدة، ويمكن حتى بقاء هذه الحكومة في حالة استقالة ولكن تصريف أعمال وبالتالي الوضع سيقى هشا".
من جانبه أوضح الجورشي أنه من الواضح الآن أن اتحاد الشغل أصبح طرفا في الصراع الدائر، لم يعد خافيا أن الاتحاد له مجموعة صراعات سياسية يديرها بشكل مباشر أو غير مباشر فخلافاته مع رئيس الحكومة بخصوص رؤية معالجة تداعيات "كورونا" واضحة، هناك صراع أيضا بين الاتحاد و"ائتلاف الكرامة" وكذلك مع "النهضة".
وتساءل الجورشي "إلى أي مدى يمكن أن يكون إجراء الانتخابات حلا؟ وهل سيتغير المشهد وحتى إن تبدل لن يتجاوز 10 بالمائة وبالتالي التفكك والتشتت سيبقى، إذا لا بد من تعديل القانون الانتخابي في البرلمان الحالي، مع تسجيل أن الوضع سيبقى مشحونا ومعه سيكون من الصعب تحقيق إصلاحات مع بقاء الخشية من تفكك بمؤسسات الدولة".