هذا الموقع يستخدم ملف تعريف الارتباط Cookie
منذ أيام ظهر مفتي مصر الدكتور شوقي علام، في برنامج مع الإعلامي حمدي رزق، بمناسبة ذكرى الثلاثين من يونيو، وكعادة مفتي مصر في تملقه للسيسي، ونعته لانقلاب يوليو بأوصاف بلغت حد الادعاء بأنها بشارة من النبوة، لكنه زاد في حديثه هذا العام في الافتراء هذه المرة على الإخوان، متهما إياهم في تاريخهم بالمزايدة بمسألة تطبيق الشريعة، فكان أخطر ما قاله بما يدل على جهل مطبق منه، أنه قال: لا يوجد عالم أزهري معتبر نادى بتطبيق الشريعة لا قبل الإخوان، ولا بعدهم!!
هكذا بكل جرأة مبنية على جهل بالأزهر وتاريخه، ينطق الرجل الذي يجلس على كرسي الإفتاء، الذي جلس عليه الإمام محمد عبده، وعلماء كثر كان يهابهم الاحتلال الإنجليزي، وقبلهم الفرنسي، وبعدهم كل مستبد، يصل بنا الحال لمفتي لا يعلم له كتاب معتبر، ولا بحث علمي تحدث عنه المختصون، ولا رأي علمي برز به، فيعوض ذلك بالضجة الإعلامية التي لا تنطلق من حقائق بل من جهل مركب.
فهل فعلا يصح ما يقوله المفتي، أنه لا يوجد أي عالم أزهري نادى بتطبيق الشريعة، سواء قبل الإخوان أم بعدها؟ بما يعني أن الأزهر بكل علمائه الأجلاء، الذين رأوا تنحية الشريعة عن التطبيق، واستبدلت بالقوانين الغربية الوضعية، فقبلوا ذلك، وكأن الشرع ليس أمانة في أعناقهم، وكأنه نزل كمواعظ لا علاقة له بالحياة، سياسة وقضاء واجتماعا؟!
فلو راجع المفتي ما قام به علماء الأزهر قبل وبعد الإخوان من جهودهم لتقنين الشريعة، أملا في أن تعود للتطبيق، لفهم ما ادعاه زورا وبطلانا، ومن أوائل هذه التجارب، كتاب: (المقارنات التشريعية) للعالم الأزهري مخلوف محمد البدوي المنياوي، المتوفى سنة 1295هـ، الموافق 1878م، أي قبل ولادة حسن البنا بربع قرن، والإخوان بنصف قرن، وقد بين الهدف من كتابه، أنه لمواجهة القوانين الغربية التي بدأ تسري في بلادنا، بعد ممارسة الضغوط على الخديوي إسماعيل من القوى الغربية لإلزامه بتطبيق القوانين الأوربية.
والجهد الآخر العلمي، هو بنفس العنوان: (المقارنات التشريعية) وهو مقارنة بين فقه القانون الفرنسي ومذهب الإمام مالك، ألفه الشيخ سيد عبد الله علي حسين، وقد انتهى منه سنة 1946م، وذلك أملا منه أن يقدمه للبرلمان المصري ليعتمده في تنفيذ القوانين، وهو يعتبر عمله دعوة وبلاغا: (للمسلمين وحكامهم أن يرجعوا إلى دينهم القويم ويحكموا به ويتحاكموا إليه).
الكتاب الأول للشيخ المنياوي يقع في مجلدين كبيرين، والكتاب الثاني، يقع في أربع مجلدات كبار، والعجيب أن كلا الكتابين من قام بتحقيقهما وخدمتهما: الدكتور علي جمعة مفتي مصر الأسبق، وآخرون، فهل كان هذان الجهدان بالدعوة لتطبيق الشريعة، والعمل على تقريبها ليسهل التطبيق، ألم يكن دعوة عملية، من عالمين من أكبر علماء الأزهر، وقبل أن تدعو الإخوان لذلك.
ألم يسمع مفتي مصر بجهد الشيخ محمود أبو العيون، والذي تحرك لسنوات في مصر، يجمع ويحشد مع العلماء الأزهريين لمنع البغاء الرسمي في مصر، وهو ما عاونه فيه فيما بعد: علماء الأزهر، ثم جماعة الإخوان المسلمين.
ولو عاد مفتي مصر إلى جبهة علماء الأزهر، والتي تكونت سنة 1946م، والتي كان مقرها في أحد أروقة الجامع الأزهر، والتي كان من أهم بنود التعريف بها، وبدورها: الإشراف على القوانين، لتكون موافقة للشريعة الإسلامية، والعمل على تطبيقها. فهل كانت جبهة علماء الأزهر التي كان يرأسها العلامة الشربيني وعضوية العلامة محمد أبي زهرة وغيرهم من علماء الأزهر المعتبرين أم ماذا؟
ثم جاء دور الأزهر الرسمي في المطالبة بتطبيق الشريعة، وذلك بالعمل على تقنين الشريعة، فقام بعمل تقنين لها على المذاهب الأربعة، وانتهى منه سنة 1972م، في أربعة مجلدات.
ثم كان الجهد الأكبر والأهم في تاريخ البرلمان المصري، وهو مشروع (تقنين الشريعة الإسلامية)، ويمكن للمفتي العودة لمضبطة مجلس الشعب المصري: 1978 ـ 1983م، ولم يكن وقتها هناك أغلبية للإخوان حتى يتمكنوا من قرار تقنين الشريعة، وتم تشكيل اللجنة التي تعمل على هذا التقنين، لتطبيق الشريعة، علماء مشهورون كبار من الأزهر، يأتي على رأسهم:
شيخ الأزهر عبد الحليم محمود، ووزير الأوقاف، ورئيس جامعة الأزهر، ومفتي الجمهورية، وعبد العزيز عيسى، وعبد المنعم النمر، وعطية صقر، وعبد الله المشد، وحسين حامد حسان، وجمال الدين محمود، ومن القانونيين: أحمد فتحي سرور. فهل كل هؤلاء لم يكونوا من علماء الأزهر المعتبرين؟!!!!
ولو رحت أحصي للمفتي الجاهل بتاريخ المؤسسة التي يجلس على كرسيها، لكتبت له عدة مقالات، عن هذا التاريخ المشرف للأزهر، والذي أراد أن يجامل النظام العسكري الغاشم، فراح ينفي صفحة مشرقة من تاريخ الأزهر، بدعوى أنها مسألة خاصة بالإخوان، فهم فقط من يطالبون بتطبيق الشريعة، أراد ذم الإخوان فامتدحهم، وكأن المطالبة بتطبيق الشريعة عار يحمله صاحبه، ويوصم به.