هذا الموقع يستخدم ملف تعريف الارتباط Cookie
عادت الأزمة المائية
بين تركيا والعراق إلى الواجهة مجددا، مع تراجع مناسيب المياه بنهري دجلة والفرات،
حيث أعلنت بغداد أنها طلبت من أنقرة إجراء مباحثات؛ لضمان حصتها، وبحث تشغيل سد
أليسو التركي.
تجدد الأزمة بين
البلدين أثار تساؤلات ملحة عن الأسباب الحقيقية التي تقف عائقا في طريق إنهاء هذا
الملف، والتوصل إلى حلول جذرية بين البلدان المتشاركة في مياه نهري دجلة والفرات، التي أكدت بغداد أن هناك بوادر إيجابية من أنقرة بشأن الملف.
وتعليقا على الموضوع،
قال الخبير الاقتصادي العراقي الدكتور صالح الهماشي، في حديث لـ"عربي21":
إن "العراق يعاني من مشكلة المياه منذ فترة ليست بالقليلة، لكن كانت لدينا
حكومة قوية، والوضع كان مختلفا بشكل كبير جدا، خصوصا في مرحلة الثمانينات
والتسعينات من القرن الماضي".
وأضاف الهماشي:
"بعد عام 2003، لم تأت حكومة عراقية قوية تستطيع التفاوض مع الجانب التركي حول
موضوع الحصص المائية، فانخفضت حصة العراق إلى أقل من 30 مليار متر مكعب سنويا، في
حين كانت تصل إلى 70 و100 مليار متر مكعب، أي أن الانخفاض وصل إلى نسبة
الثلثين".
وأوضح أن "المشكلة
في العراق أنه عندما يشتد الجفاف تظهر هذه الأزمة، لكن عندما تكون نسبة الأمطار
غزيرة وتمتلئ الخزانات، تنسى حكومة بغداد هذه المشكلة؛ لذلك العراق غير مستمر في
المفاوضات في هذا الملف".
ونوه الهماشي إلى أن
"ضعف العراق وسياسته الخارجية، إضافة إلى ضعف المشاريع لبناء السدود وإدارة
الموارد المائية، أضعف قدرة العراق على المفاوضات".
ولفت إلى أن "حجة
تركيا في هذا الموضوع بأن المياه تذهب إلى الخليج العربي دون الاستفادة منها، وعدم
وجود طرق ري حديثة، وأن العراق لم يجد حلا لهذه الأمور، ولو فعل لكان يستطيع أن
يفاوض تركيا بقوة".
الورقة الاقتصادية
وعن مدى إمكانية
العراق الضغط بالورقة الاقتصادية على تركيا، قال الهماشي إن "التبادل التجاري
بين تركيا والعراق يصل إلى 16 مليار دولار سنويا، لكن الأخير هو منخفض السياسة
بالمنطقة، لذلك ليس من السهل عليه أن يتفاوض بالموضوع الاقتصادي كونه يعاني من
مشاكل كثيرة".
ونوه الهماشي إلى أن
"العراق مستهلك مئة بالمئة، ونادرا ما ينتج سلعة، سواء كان على مستوى المحاصيل
الزراعية أو الصناعات التقليدية والقطاعات الاقتصادية؛ لأن منظومة الدولة تحول إلى
الإعانات، كونها تدفع رواتب للموظفين ولا ينتجون".
وتابع: "ليس من
السهل أن يستغني العراق عن المنتجات التركية، خصوصا أن السوق العراقية لديه رغبة
على المنتج التركي، سواء على مستوى المحاصيل الزراعية أو الغذاء والكماليات وغيرها
الكثير".
ورأى الهماشي أن
"العراق ليس السوق الأول بالنسبة إلى تركيا، وإنما هو السوق الرابع أو الخامس،
ولذلك العراق سيتضرر أكثر إذا استخدم الورقة الاقتصادية، والبدائل المتمثلة بإيران
لا تستطيع أن تغطي كل المنتجات التي تنتجها تركيا من حيث الجودة والنوعية وذوق
المستهلك".
اقرأ أيضا: أردوغان يأمر بتأجيل ملء السد على نهر دجلة إلى الشهر المقبل
وأشار الخبير
الاقتصادي إلى نقطة أخرى تحول دون استطاعة العراق استخدام الورقة الاقتصادية مع
تركيا، بالقول: "الحكومة العراقية لا تفرض سيادتها على مستوى البلد، فربما
تتخذ قرارا وحكومة إقليم كردستان لا تلتزم به، لذلك فإنه في أشد الأزمات مع تركيا
لم يستطع الضغط عليها بالورقة الاقتصادية".
وكانت قوى سياسية في
البرلمان طالبت في وقت سابق الحكومة العراقية بضرورة استخدام الورقة
الاقتصادية؛ للضغط على تركيا لحل أزمة المياه، والحصول على زيادة في الحصة المائية
المخصصة للعراق.
سلاح المياه
من جهته، قال الكاتب
والباحث السياسي من إقليم كردستان العراق، كفاح محمود، إن "أزمة المياه بين
تركيا والعراق قديمة وليست جديدة، والجانب التركي مستمر في بناء السدود على مجرى نهري
دجلة والفرات".
وأضاف محمود، في حديث
لـ"عربي21"، أنه "في كل بلدان العالم يجري الاتفاق بين البلدان
المتشاركة في الأنهر على الحصص المائية، ويجب على العراق أن يعمل على ذلك".
وأشار محمود إلى أن
"المشكلة هي في الجانب العراقي وحتى في إقليم كردستان، كونهم لم يبنوا السدود
لخزن المياه، خصوصا في موسم الأمطار؛ لأن مشكلة المياه تظهر في المواسم التي تشهد
جفافا وقلة في الأمطار".
وشدد على أن
"تركيا تستثمر هذه الورقة بالإضافة إلى أوراق أخرى؛ لاستخدامها بالجانب
السياسي والعسكري، سواء في سوريا أو العراق، خصوصا أن الحكومات المتعاقبة في
العراق ضعيفة، والجبهة الداخلية غير متماسكة".
وبحسب محمود، فإن
"المسؤولين الأتراك كانت لهم تصريحات في السابق تفيد بأن العراق إذا كان لا
يبيع لنا النفط بأقل من قيمة ما يعرضه في السوق، فنحن أيضا سنبيع لهم براميل
المياه".
وتابع الكاتب الكردي قائلا: "لذلك فإن تركيا لا شك أنها تستخدم المياه سلاحا مع أوراقها الأخرى
التي تمتلكها في الضغط، واستخدامها في سياستها، سواء في العراق أو المنطقة بشكل
عام".
يشار إلى أن وزير
الموارد العراقي، مهدي رشيد مهدي، أعلن في 30 حزيران/ يونيو المنصرم أن
"الوزارة طلبت من الجانب التركي إجراء محادثات بشأن سد أليسو للاتفاق على خطة
تشغيل السد دون الإضرار بحصة العراق المائية".
ونقلت وكالة الأنباء
الألمانية عن مهدي قوله إن هناك بوادر إيجابية من الجانب التركي بشأن الملف، إذ
توجد مصالح مشتركة بين البلدين تلزم الجميع بالجلوس إلى طاولة الحوار للتوصل إلى
اتفاق. وأضاف أن وزارة الموارد المائية وضعت أولويات لتنفيذ بعض السدود لزيادة سعة
تخزين المياه.
وكانت تركيا أرجأت عملية ملء سد أليسو، الذي
يؤثر على إمدادات المياه بنهر دجلة، مرتين في العامين 2017 و2018، على التوالي،
للحفاظ على الإمدادات المائية للعراق، وفق تصريحات مسؤولين أتراك.
وقال السفير التركي لدى العراق، فاتح يلدز، في
عام 2018، إن تركيا ستطلق مياه نهر دجلة إلى العراق من سد أليسو، بناء على
تعليمات الرئيس رجب طيب أردوغان، لاستمرار التعاون والتضحية اللازمة على أسس
الأخوة والجوار، من أجل أن يتمكن العراق من التغلب على مشكلته المائية.
أزمة مصطنعة
بدوره، قال أستاذ العلاقات الدولية في جامعة ابن خلدون التركية، الدكتور برهان كور أوغلو، إن وجود حكومة غير مستقرة في العراق يدفع دائما للحديث عن عدم استقرار في الوضع المائي للبلاد، وإلقاء اللوم على
الآخرين، وتحميلهم مسؤولية ما يجري.
وأوضح كور أوغلو، لـ"عربي21"، أن
هذا الوضع غير المستقر في بغداد "يعرقل التوصل إلى تفاهمات حول أي إشكالات
فنية تقع في هذا النطاق أو غيره أو حتى الوصول إلى اتفاق شامل".
وأشار إلى أن الفكرة التركية، لحل مشاكل
المياه في العراق، منذ عهد الرئيس تورغوت أوزال، كان "بناء العراق عددا من السدود،
للاستفادة من إمدادات الرافدين، أو حتى الاستفادة من السدود التركية، في شرق
البلاد؛ بسبب طبيعتها الجبلية، في إطار تعاون مشترك".
لكنه أشار إلى أن السدود العراقية كثير منها
متهالك وغير صالح فنيا، وهذا يتسبب بضياع كبير للمورد المائي العراقي، وتركيا
لديها استعداد لبناء أو تقديم الخدمات الفنية للعراق، في هذا الجانب، وفي حال حلت
هذه المشاكل، ربما يحقق العراق فائضا مائيا بدلا من هدر المياه التي تواصل طريقها
لتصب في شط العرب".
ولفت إلى أن أبواب تركيا مفتوحة، وهي قادرة
على الوصول إلى تفاهمات واتفاقيات مع جارتها، لكن لا بد من التواصل بعيدا عن
التشاكسات وافتعال الأزمات.
وشدد على أن ما يجري "أزمة مصطنعة رغم بناء
سدود جديدة، وتركيا ملتزمة بالمياه العابرة للحدود، ولا يمكن لها السيطرة على كل
المياه النابعة من أراضيها، وهناك جهات غير عراقية تريد خلق أزمة بين البلدين،
ومنذ آلاف السنين لم تتوقف المياه لتصل إلى مياه الخليج".