أخبار ثقافية

لو كانت هدى شعراوي عازفة بيانو!

هي ابنة محمد سلطان باشا الذي رأَسَ المجلس النيابي الأول في عهد الخديوي توفيق- تويتر
هي ابنة محمد سلطان باشا الذي رأَسَ المجلس النيابي الأول في عهد الخديوي توفيق- تويتر

في محافظة المنيا، إحدى مدن الصعيد المصري، وُلدت نور الهدى محمد سلطان، في يوم 23 يونيو 1879. وهي ابنة محمد سلطان باشا، الذي رأَسَ المجلس النيابي الأول، في عهد الخديوي توفيق.


ربما كانت ظروف نشأتها مما تُحسَد عليه وقتها، فقد ساعد ثراء أسرتها على استقدام مَن يعلمها في المنزل بعض المعارف الأساسية، مثل اللغات: العربية والفرنسية والتركية، بالإضافة إلى فن الخط والعزف على البيانو.


بالطبع لاحظت الطفلة هدى تفضيل أسرتها الواضح لشقيقها "خطاب" الذي كان يصغرها بعشر سنوات، لكنه كان الابن الذكر الذي سيحمل اسم العائلة. وعلى نحو غريب، أدت وفاة والدها المبكرة إلى جعل ابن عمتها علي شعراوي وصيا عليها رغم وجود أمها، لكنها تقاليد ذلك المجتمع.


في الثالثة عشرة من عمرها زوّجتها أمها من وصيها، الذي كان يكبرها بأربعين عاما، رغم عدم رضاها، ومن هنا أخذت لقبه "شعراوي". ومرة أخرى، قد يبدو الزواج من أحد الأعيان الأثرياء، المنخرطين في السياسة، حلما لبنات كثيرات من الطبقات التي طحنها الفقر وأرهقها استغلال الإقطاع، لكنّ المفارقة أن هذه الزيجة كانت نقطة تحول في حياة هدى شعراوي، لأكثر من سبب.


أدى تضييق زوجها عليها إلى اكتئابها. فقد منعها من عزف البيانو الذي أحبتْه، فاكتأبت وسافرت للاستشفاء بفرنسا، حيث التقت بالناشطات النسويات الفرنسيات، وداعب خيالها أن تنال المرأة المصرية بعضا مما نالته المرأة الفرنسية من حقوق. واستهواها العمل السياسي فانخرطت فيه برفقة زوجها الوفدي المخضرم.


وفي أحد خلافاتهما تركته وعادت لمنزل أمها حيث أقامت سبع سنوات دون طلاق منه. وسمح لها ذلك الاستقلال بإجادة الفرنسية وتكوين صداقات مع نساء مهمومات بقضايا المرأة، إحداهن الفرنسية أوجيني لو بران، التي فتحت عينيها على كثير من القضايا النسوية، وكانت داعمة لها.


من الطريف أن البيانو لعب دورا في حياة هدى. فرغم أن أسرتها علمتها العزف في المنزل لأن هذا يناسب طبيعة الفتيات، من منظور الأسرة، فقد أغرمت به واستفزها زوجها بمنعها منه؛ ما أدّى إلى اكتئابها وسفرها الذي أوضحتُ أثره في تكوينها. ولو أن زوجها أتاح لها متنفسا لممارسة هواياتها وحياتها كما تريد، لربما ضعف ميلها للنشاط السياسي والنسوي، أو ربما تابعتْه من بعيد. لكنه القدر.


من الخطوات الأولى الفارقة، التي نهضت بها هدى شعراوي ورفيقاتها هي فتح باب العمل الخيري للنساء، فقد كان ذلك مقصورا على المؤسسات الدينية، ولم يكن للنساء دور اجتماعي ملموس، يؤهلهن للمطالبة بالمساواة مع الرجال في الحقوق والواجبات. لم تكن للنساء أهلية اجتماعية إن صح التعبير.


لذلك كان تأسيسهنّ للأعمال الخيرية خطوة أولى لاقتحام المجال العام. وقد أسست هدى ورفيقاتها جمعيةً لرعاية الأطفال عام 1907، ثم مستشفى لعلاج غير القادرين من النساء والأطفال سنة 1909، كما أنها تمكنت من إقناع الجامعة المصرية بتخصيص قاعة محاضرات للنساء سنة 1908.


وخلال السنوات الأولى من القرن العشرين، ركزت الناشطات المصريات المدافعات عن حقوق المرأة على عقد كثير من الاجتماعات والمناقشات، بالإضافة إلى الكتابة في الصحف لطرح أفكارهن حول مفاهيم مثل حجاب المرأة، الذي قُصِد به النقاب وقتها، وتقسيم الأدوار الاجتماعية حتى يقتنع المجتمع المصري بأن المرأة ليست رهنا بدور جنسي بيولوجي، ينبغي حصرها فيه، وما إلى ذلك من قضايا.


ومرة أخرى يلعب القدر دوره في حياة هدى، فبعد نفي سعد زغلول ورفاقه من الوفد المصري الذي شُكِّل لعرض مطالب المصريين بالاستقلال عن بريطانيا، اشتعلت مظاهرات 1919، وكان علي شعراوي زوجها نائب رئيس الوفد وأحد قياداته الهامة، فقادت هدى المظاهرات النسائية المطالبة بعودة الوفد المصري. كانت تلك الفرصة عظيمة من الناحية الاجتماعية، فقد كانت الدوافع لتحقيق المطالب السياسية، بما في ذلك من مشاركة النساء، أقوى من دوافع المجتمعات المحافظة، الرافضة للظهور العلني للنساء وحضورهن في الحياة العامة.


كانت هدى شعراوي ذكية. استشعرت أن بابا واسعا للتغيير يُفتَح الآن أمام النساء، فاقتحمت الميدان بلا هوادة. في سنة 1920، أسستْ لجنة الوفد المركزية للسيدات، وكان وقودها النساء اللاتي انخرطن في مظاهرات 1919، وبطبيعة الحال انتُخِبت هدى شعراوي رئيسة للجنة بعد أن قادت النساء في المظاهرات.


وعند استقبال سعد زغلول ووفده العائد من المنفى سنة 1921، خلعت هدى ومساعدتها سيزا نبراوي نقابهما أمام حشد من النساء، فتبعها بعضهن. وكانت تعبر بلفظ "الحجاب" عن النقاب، لا غطاء الشعر. ثم أسست سنة 1923 الاتحاد النسائي المصري وانتُخِبت رئيسة له حتى سنة وفاتها، 1947.


من إنجازاتها الدعوة إلى رفع سن الزواج لمنع زواج القاصرات، ربما بسبب ما تعرضت له هي ذاتها من زواجها وهي طفلة، وأيضا المطالبة بتعليم المرأة وشرعنة مشاركتها في العمل السياسي، والمناداة بإنشاء حضانات في أماكن العمل لدعم النساء العاملات.


ومع ترسخ مكانتها، انخرطت في الفعاليات العربية والدولية المطالبة بحقوق النساء، فقد أصبحت عضوا مؤسساً في "الاتحاد النسائي العربي" وتولت رئاسته في عام 1935، وصارت نائبة رئيسة لجنة اتحاد المرأة العالمي. أيضا شاركت في مؤتمر روما سنة 1923 وباريس 1926 وأمستردام 1927 وبرلين 1927 وإسطنبول 1935.


لكنّ تأمل مسيرة هدى شعراوي يكشف عن جانب آخر شديد القتامة، هو حربها على المطربة الشابة فاطمة سري. فقد تعاقدت معها على إحياء حفل غنائي في بيتها مقابل عشرين جنيها. في الحفل رآها محمد بك شعراوي، ابن هدى شعراوي فوقع في غرامها، ثم تزوجها عرفيا خوفا من أمه التي كانت تنتمي إلى جيل قديم يؤمن بالفوارق الاجتماعية والطبقية.


لكن فاطمة حملت من زوجها السري، وأصرت على نسب طفلتها لمحمد شعراوي. وما إن علمت هدى حتى بدأت معركة طويلة ضد فاطمة سري، بدأتها بإغراءات مادية هائلة، لتقتنع بإتمام عقد زواج برجل آخر قبل مولد الطفلة حتى تنشأ معلومة النسب، لكن لأب آخر. رفضت فاطمة وشرعت في إجراءات أول قضية إثبات نسب في تاريخ المحاكم المصرية.


تناولت الصحافة القضيةَ وقتها. وكان مؤسفا حقا أن تنحاز هدى شعراوي ضد مبادئها التي ناضلت من أجلها طوال حياتها، وأن تتفنن في التنكيل بالمطربة الشابة التي لم ترتكب إلا ما يضمن صيانة حقوقها وحقوق ابنتها ليلى. وبعد صراع طويل في المحاكم أيدت محكمة الاستئناف الحكم الابتدائي بإثبات نسب ليلى إلى محمد شعراوي.


كتب كثيرون عن هذا الصراع واتُّهمِت هدى شعراوي بتحريض طليق فاطمة على انتزاع أطفالهما منها باعتبارها غير أمينة على تربيتهما، وانهار مستقبلها الفني.


ثمة جانب مظلم آخر تناولته نوال السعداوي في كتابها "توأم السلطة والجنس" حيث حكت عن العلاقة الطبقية الغريبة التي ربطت هدى بعائلة الملك فاروق، مع أنه تواطأ مع الاستعمار ضد شعبه، حتى إن هدى سافرت رغم مرضها إلى الإسكندرية لإعادة الملكة فريدة إلى زوجها الملك فاروق، بعد أن أصرت على الطلاق منه بسبب خياناته المتتالية لها.


وحين رفضت الملكة فريدة التصالح معه غضبت عليها هدى شعراوي وأفضت إلى إحدى مساعداتها بصدمتها الكبيرة في الملكة التي كانت تظنها رزينة عاقلة. كان تساؤل السعداوي في محله، فالنضال الوطني لا ينفصل عن النضال النسوي لأن الحرية لا تتجزّأ، لكن يبدو أن التفكير الطبقي لم يبارح ابنة الأعيان هدى شعراوي، فلوّثت في أواخر حياتها بعض إنجازاتها، بما يجعلنا نتساءل مرة أخرى: هل كان الأفضل لها أن تظل عازفة بيانو أرستقراطية.. مع التقدير لسائر إنجازاتها بالطبع؟

التعليقات (2)
morad alamdar
الأربعاء، 01-07-2020 10:07 ص
مرت إمرأة بجانب رجل معاق ذهنياً و بيده عود يرسم به على الأرض ،، فشفق قلبها و سألته : ماذا تفعل هنا ؟ قال أرسم الجنة و أقسمها إلى أجزاء فابتسمت و قالت له : هل يمكن أن أخذ منها ؟ و كم ثمنها ؟ نظر إليها و قال : نعم القطعة بعشرين ريالاً .. أعطت المرأة الرجل المعاق عشرون ريالاً و بعض الطعام و ذهبت . و في ليلتها رأت في المنام أنها في الجنة و في الصباح قصت الرؤيا على زوجها و ما جرى معها مع الرجل المعاق . فقام الزوج و ذهب إلى الرجل ليشتري قطعة منه و قال له : أريد أن أشتري قطعة من الجنة كم ثمنها ؟ فقال الرجل : لا أبيع .. قال الزوج : و لكنك بعث أمس لزوجتي قطعة بعشرين ريالاً ! قال الرجل المعاق : إن زوجتك لم تكن تطلب الجنة بعشرين ريال بل كانت تجبر بخاطري أما أنت فتّطلب الجنة و حسب ، و الجنة ليس لها ثمن محدد لأن دخولها يمر عبر جبر الخواطر .. اجبروا خواطر بعضكم بعضاً .. فإنه من سار بين الناس جابراً للخواطر .. أنقذه الله من جوف المخاطر .
morad alamdar
الأربعاء، 01-07-2020 09:25 ص
معلمة تقول : دربت مجموعة من الأطفال في نهاية العام الدراسي، لأداء نشيد أمام أمهاتهن في تلك الحفلة .. و بعد (بروفات) عديدة ومتقنة، جاء حفل الافتتاح والتخرج، وبدا النشيد، غير أن ما عكر ذلك الاستعراض الجميل، هو أن إحدى الطفلات، تركت الإنشاد مع زميلاتها، وأخذت تحرك يديها وجسمها وأصابعها وملامح وجهها بطريقة هي أشبه ما تكون (بالكاريكاتيرية)، إلى درجة أنها كادت تلخبط الفتيات الأخريات بحركاتها الغريبة المستهجنة . وتقول المعلمة: حاولت أن أنهرها وأنبهها على الانضباط دون جدوى، إلى درجة أنني من شدة الغضب كدت أسحبها عنوة، غير أنني كلما اقتربت منها، راوغتني كالزئبق، وتمادت في حركاتها التي لفتت أنظار الجميع، وأخذت تتعالى ضحكات وقهقهات الحاضرات المندهشات مما يحصل ... و وقعت عيناي على المديرة التي سأل عرق وجهها من شدة الخجل، وتركت مقعدها واتجهت نحوي وهي تقول: لا بد أن نفصل ونطرد تلك الطفلة المشاغبة والبذيئة من المدرسة، فشجعتها على ذلك . غير أن ما لفت نظرنا أن أم تلك الطفلة كانت طوال الوقت واقفة تصفق لابنتها بحرارة، وكأنها تحثها على الإستمرار بعبثها الغير مفهوم. و ما أن انتهى النشيد حتى اندفعت إلى خشبة المسرح وجذبتها من ذراعها بكل قوه قائلة لها: لماذا لم تنشدي مع زميلاتك بدلاً من أن تقومي بتلك الحركات الغبية ؟! إن أمي لا تسمع و لا تتكلم ، فقالت: لأن أمي كانت موجودة، فتعجبت من ردها الوقح ذاك، ولكنني صدمت عندما قالت لي بكل براءة: و أردت أن أقوم لها (بالترجمة) لها على طريقة (الصم البكم)، لكي تعرف هي كلمات النشيد الجميلة، وأريدها أن تفرح كذلك مثل بقية الأمهات. وما أن سمعت تبريرها حتى انهرت وحضنتها وبكيت رغمًا عن أنفي، وعندما عرف الجميع السبب تحولت القاعة بكاملها إلى بكاء.ولكن أحلى ما في الموضوع أن المديرة بدلاً من أن تفصلها كرمتها، ومنحتها لقب: (الطفلة المثالية).وخرجت مع أمها مرفوعة الرأس وهي تقفز على قدميها .