هذا الموقع يستخدم ملف تعريف الارتباط Cookie
رغم وعود ولي العهد السعودي محمد بن سلمان بالانفتاح والحرية ومنح الشباب حق التعبير عن الرأي، إلا أن العكس حدث بتزايد الاعتقالات في عهده، والتي طالت رجال دين ودعاة ومعارضين سياسيين ونشطاء ليبراليين وممثلات للحركة النسوية.
واعتقلت السلطات السعودية أيضا مواطنين أردنيين وفلسطينيين، بحجة دعم حركات المقاومة الفلسطينية وعلى رأسها حركة "حماس"، إضافة لاعتقال أمراء ورجال أعمال ضمن حملة "الريتز".
أمراض
الملكية المطلقة
وتشير منظمات حقوق الإنسان إلى أن قمع الحريات وانتهاك حقوق الإنسان ازداد بشكل كبير منذ تسلم ابن سلمان منصبه وليا للعهد، مما دفع للتساؤل عن سبب تزامن التشدد في القبضة الأمنية ووصول ابن سلمان لهذا المنصب.
يشير
الناشط الحقوقي السعودي عبد العزيز المؤيد إلى أن "التقارير الدولية والأحداث
في داخل المملكة تشير إلى أن القمع في السعودية يزداد بشكل لم تشهد مثله طوال تاريخها".
وحول
سبب هذا التشدد في القبضة الأمنية، قال المؤيد لـ"عربي21": "القبضة
الأمنية واحدة من أمراض الملكية المطلقة، وتتم بحيث لا يكون هناك أي نوع من الرقابة
على الحاكم أو الحد من سلطاته، وابن سلمان وصل للسلطة ولم يكن الأكثر استحقاقا
من ناحية نظام تسلسل الحكم في العائلة، فهناك من هم أحق منه مثل أحمد بن عبد العزيز".
ولم يكن ابن سلمان أكثر استحقاقا بالوصول للسلطة من ناحية أخرى وهي "الخبرة أو الانجاز بين أفراد الأسرة الحاكمة، فحتى في داخل أسرته الصغيرة هناك أشقاء له أكثر إنجازا منه" وفق ما قاله الناشط الحقوقي.
اقرأ أيضا: تغييرات أجراها ابن سلمان أزعجت الأسرة الحاكمة (إنفوغراف)
وأوضح أن ابن سلمان وحتى "يحقق حلمه بالصعود للسلطة والقفز إليها" صار شخصا "عنيفا جدا"، مضيفا: "هذا يوضح فعله عبر اعتقال معارضيه وحتى بعض من كانوا يؤيدونه ويمدحونه دون وجود سبب لذلك".
قمع
قديم متجدد
من جهته أوضح مدير مركز دراسات الخليج في قطر محجوب الزويري، بأن "ملف انتهاك حقوق الإنسان في السعودية قديم متجدد، لكن الفرق الوحيد أن الفترة التي أعقبت عصر الملك عبد الله أصبح هناك نوع من الرفض لما تسميه منظمات حقوق الإنسان بالانتهاكات الكبيرة، والتي طالت عدة فئات من المجتمع"، ما يعني "اشتداد القبضة الأمنية ضد التيار الديني والتيار الليبرالي في ذات الوقت".
وتابع
الزويري في حديث لـ"عربي21": "هذه الاعتقالات والتي نعلم بها عن طريق
منظمات حقوق الإنسان كان واضحا منذ البداية أنها نوع من تهيئة المشهد السياسي لتولي
ابن سلمان ولاية العهد ومن ثم تمهيدا لتوليه منصب الملك".
ويرى الزويري بأن "هذه الإجراءات يبدو أنها لم تنه حالة القلق لدى ابن سلمان، فبالرغم من حالة الانفتاح التي عايشتها السعودية في فترته ومنها الانفتاح الاجتماعي عبر الكثير من النشاطات الاجتماعية كالحفلات والمهرجانات التي لم تكن مألوفة، إلا أن ذلك لا يعني أن ظاهرة القلق لديه اختفت".
وأضاف:
"لذلك لاحظنا أنه في نفس الفترة التي حدث فيها انفتاح اجتماعي كان هناك زيادة
في القبضة الأمنية وتكميم الأفواه، لدرجة أنه تم التعامل بشكل أمني صارم حتى مع من
لم يتكلموا، لذلك يمكن اعتبار أن تشديد القبضة الأمنية في عهد ابن سلمان هي جزء من
تهيئة المشهد السياسي لتوليه منصب الملك".
منع
السفر
بدوره
قال الصحفي والكاتب الأمريكي ديفيد إغناطيوس، في مقال له على صحيفة "واشنطن بوست"،
إن الأمير محمد بن سلمان، ولي العهد السعودي يستخدم قيود المنع من السفر لتوطيد دعائم
حكمه.
وأوضح
إغناطيوس في مقاله الذي ترجمته عربي21، بأن "منع السفر" يقوم على استفزاز
آلاف السعوديين من خلال تقييد حركتهم، فقط لأن ولي العهد يتعامل معهم كتهديد سياسي.
ووفقا
للمقال تبدأ قائمة المنع من عائلة الملك عبد الله بن عبد العزيز، الذي أدت وفاته إلى
"لعبة العروش" والتنافس داخل المملكة، التي لا تزال مستمرة حتى اليوم.
وبحسب
رجل أعمال غربي قريب من عائلة الملك عبد الله، فقد تم منع 27 ابنا وبنتا من أبناء الملك
الراحل من السفر إلى الخارج منذ عام 2017.
بالإضافة
إلى منع ما بين 52-57 حفيدا وحفيدة من السفر إلى الخارج. ولم يحدد المصدر الذي رفض
الكشف عن هويته بسبب حساسية الموضوع، عن أسماء الأفراد الممنوعين من السفر من عائلة الملك
عبد الله.
القبضة
الأمنية والاستقرار الاقتصادي
ويتبادر تساؤل حول تأثير القبضة الأمنية المتشددة على الاقتصاد، خاصة أن المناخ الاستثماري يحتاج لبيئة مستقرة أمنيا وسياسيا كي تحقق طموحات المستثمرين وتنجح أعمالهم في أي بلد ما، فما تأثير انتهاك حقوق على الإنسان على استقرار السعودية اقتصاديا؟
وعن ذلك، يجيب الباحث محجوب الزويري بالقول إن "الاقتصاد السعودي تراجع بسبب انخفاض أسعار
النفط"، معربا عن اعتقاده بأن "الأزمة في السعودية أصبحت متشعبة ولم تعد تتعلق فقط بمنصب
محمد بن سلمان".
اقرأ أيضا: هذه أبرز إخفاقات ابن سلمان الاقتصادية في ٣ أعوام من ولايته
وأضاف: "بالتالي أصبح تشديد القبضة الأمنية يشبه ما يمكن تسميته بـ"متلازمة"، وذلك خشية تفاقم الأوضاع وزيادة الانتقادات نتيجة الوضع الاقتصادي السيئ أو حرب اليمن وغيرها من القضايا".
ولفت
إلى أن "التاريخ يُظهر بأن استخدام الدول للقبضة الأمنية لم يمنع التغيير، نعم
قد تؤخره، ولكنه لن تمنع حدوثه، ومن الأمثلة على ذلك في منطقتنا النظام الملكي في إيران،
حيث كان الأشد من ناحية القبضة الأمنية ولكن انظر ماذا حدث له".
وأشار
إلى أن تأثير انتهاك حقوق الإنسان "أصبح واضحا وظهر عبر انسحاب شركات
عالمية من الاستثمار في السعودية عقب مقتل خاشقجي، وكذلك تراجعت البنوك الكبيرة عن
مشاريعها وبرامجها هناك".
وأكد
الزويري على أن "للقبضة الأمنية أثر كثير على تراجع الوضع الاقتصادي في السعودية، على الرغم من وجود اعتقاد بتجاوز الأزمة عبر دعم الولايات المتحدة وحملة
العلاقات العامة، ولكن هذا لم ينجح حتى الآن، كما أن جائحة كورونا ضاعفت من الأزمة الاقتصادية".
وخلص بالقول: "الاقتصاد وجذب المستثمرين يحتاج لمستوى من الشفافية في الإجراءات والعمل
وحماية المستثمرين، وهذه الشفافية لا يتوفر جزء كبير منها بسبب القبضة الأمنية، وبالتالي
المستثمرون سيحجمون عن العمل والاستثمار في السعودية".