هذا الموقع يستخدم ملف تعريف الارتباط Cookie
أعلنت إثيوبيا أنها سوف تبدأ في ملء "سد النهضة" في تموز/ يوليو المقبل، بغض النظر عن التوصل إلى اتفاق مع مصر من عدمه، حيث اكتملت ثلاثة أرباع أعمال البناء في السد، واكتمل الجزء المعني بالهندسة المدنية من السد بنسبة 87 في المئة.
وتتخذ إثيوبيا هذه الخطوة بصورة منفردة بعد فشل المفاوضات مع الحكومة المصرية، والتي اتهمت إثيوبيا بالتسويف في المفاوضات خلال السنوات الخمس الماضية، وأنها تفتقر إلى إرادة سياسية للوصول لاتفاق، مشددة على أن التوجه الإثيوبي يمثل تراجعا كاملا عن التفاهمات الفنية التي اتفقت عليها الأطراف الثلاثة: مصر وإثيوبيا والسودان، خلال الجولات السابقة. وهو ما يمثل خرقا صريحا لاتفاقية إعلان المبادئ الموقعة في عام 2015، وأن الأمر مثير للقلق ويعد محاولة لفرض الأمر الواقع، كما يعد مخلا من الناحيتين الفنية والقانونية.
وترفض الحكومة المصرية أي إجراء أحادي الجانب في ما يتعلق بملء خزان سد النهضة، كما رفضت إلى جانب السودان المقترح الأخير لأديس أبابا بالتخلي عن جميع الاتفاقات السابقة حول قواعد ملء السد، والتي توصلت إليها الدول الثلاث خلال المفاوضات التي جرت في واشنطن برعاية أمريكية وبمشاركة البنك الدولي.
ورغم تقدم مصر بشكوى لمجلس الأمن الدولي في هذا الشأن، فإن الرد الإثيوبي جاء قويا ومستهترا بالنظام المصري. فقد قال نائب رئيس هيئة الأركان الإثيوبية إن بلاده "لن تتفاوض حول سيادتها" على سد النهضة، مضيفا: "المصريون يدركون جيدا كيف ندير الحرب كلما حان وقتها".
إن ما يحدث يكشف فشل ذريعا للحكومة المصرية في إدارة أزمة تتعلق بحياة المصريين جميعا، بل في صنع تلك الأزمة المدمرة لحاضر مصر ومستقبلها. فالسيسي وعد المصريين بدولة جديدة في 30 حزيران/ يونيو 2020م، وقد اقترب هذا التاريخ ولكن مصر باتت دولة جديدة.. ليس في التعمير والتنمية وحقوق الإنسان بل في الهدم والتخريب وقهر الإنسان. وكل المشاكل تهون، من كورونا إلى اقتصاد ممزق إلى ديون توريطية إلى بيع تيران وصنافير، رغم جرم فاعلها وحق المصريين في نيل حقوقهم من فاعلها، ولكن القضية الكبرى الآن هي قضية مياه النيل الذي ارتبطت به حياة المصريين على مدار تاريخهم.
لقد بلغت نسبة الإجهاد المائي في مصر وفقا لتقديرات حكومية مصرية نسبة 140 في المئة، وهو ما يعني أن حصة المواطن المصري من مياه النيل انخفضت إلى نحو 600 متر مكعب سنويا بعدما كانت 2500، وهذه النسبة تعتبر أقل بـ40 في المئة من خط الفقر المائي الذي حددته الأمم المتحدة عند 1000 متر مكعب للفرد سنويا. كما أن حصة مصر من مياه النيل البالغة 55 مليار متر مكعب التي تمثل 95 في المئة من احتياجاتها المائية، سوف تتأثر تأثرا كبيرا بسبب ملء سد النهضة، وهو ما يتوقع أن تنخفض بنسبة 38 في المئة.
إن من ورط مصر والمصريين في تهديد حياتهم هو السيسي نفسه الذي وقع اتفاقية إعلان المبادئ مع إثيوبيا بحثا عن شرعية المنقلب، وهو الذي جعل رئيس الوزراء الإثيوبي آبي أحمد يحلف أمام الكاميرات في موقف عبثي مضحك وفاضح. وشتان بين موقفه المخزي ومفاوضاته العبثية؛ وموقف الرئيس الشهيد الدكتور محمد مرسي الذي قالها صريحة مدوية: "إن نقصت مياه النيل قطرة واحدة فدماؤنا هي البديل".
إن تاريخ مصر منذ وجودها يعكس ارتباطها بالنيل الذي هو هبة الله لها، وما حل بمصر من رخاء أو أزمات منذ وجودها ارتبط بمياه النيل إيجابا وسلبا، حتى أن المؤرخ المصري المشهور تقي الدين المقريزي ذكر أن مصر تعرضت لنحو 20 أزمة اقتصادية منذ الفتح الإسلامي لها حتى القرن الخامس عشر الميلادي (الذي عاش فيه)، وذكر أن أسباب معظمها ترجع إلى قصور نهر النيل وعدم وفائه وانخفاض مستوى الفيضان، وأن نتاج ذلك كان ارتفاعا في الأسعار ونقصا في الأقوات وانتشارا للطاعون والأوبئة الفتاكة.. فكيف الحال إذا أصبح ضياع مياه النيل في واقعنا المعاصر هو الأساس؟!.. إنه يعني ببساطة نهاية حياة المصريين.. فمتى يفيق المصريون وينقذون حياتهم ومستقبل أولادهم ممن فرط في المياه والأرض والعرض والغاز؟!
twitter.com/drdawaba