هذا الموقع يستخدم ملف تعريف الارتباط Cookie
نشرت صحيفة "نيويورك تايمز" الأمريكية تقريرا حول نتائج مقتل "جورج فلويد"، ذو الأصول الأفريقية، معتبرة أنها "لم تكن لتخطر على بال أحد".
وقالت الصحيفة في تقريرها الذي ترجمته "عربي21"، إن نتائج الحركة الاحتجاجية لم تتوقف على إصلاح المنظومة الأمنية، بل بدأت تشمل تقريبا كل مظاهر الحياة.
وتوضح الصحيفة أن الرغبة الواضحة في الإصلاح الجذري يتقاسمها البيض والسود على حد سواء، فالمؤسسات والأفراد في جميع أنحاء البلاد تجندت لمواجهة الأشكال المستمرة للتمييز العنصري.
وعلى سبيل المثال، قام قاموس "ميريام وبستر" واسع الانتشار بمراجعة تعريفه للعنصرية، كما قامت جامعة واشنطن بعزل مدرب فريقها للرقص بعد أن قام بطرد عضوين من السود.
وحتى الآن، بحسب الصحيفة، فقد أدت هذه الحركة المناهضة للعنصرية إلى تغيير واضح على مستوى المؤسسة الأمنية نفسها. فيوم الجمعة، وقع حظر استخدام وضعية الخنق في نيويورك وإلغاء قانون يتعلق بسرية سجلات الشرطة التأديبية.
من جهة أخرى، فإن هذه الحملة شملت المجال الثقافي أيضا، حيث لقيت العديد من الكتب على غرار "وايت فراجيليتي" و"كيف تكون مناهضا للعنصرية" رواجا أكثر من أي وقت مضى.
وأشارت الصحيفة إلى أن السود استغلوا هذه الظرفية الملائمة للتعبير عن مآسيهم ولنشر العديد من القصص المؤلمة على وسائل التواصل الاجتماعي حول العنصرية وسوء المعاملة في مكان العمل، مستخدمين علامات وسوما مثل "#وي سي يو وات" و"#بلاك إن ذي إيفوري" في إشارة إلى التمييز العنصري في الأوساط الأكاديمية.
عقلية في طور التحول
قد يبدو هذا الغضب مفاجئا، لكن هناك علامات تؤكد على أن التصورات حول العرق كانت في طور التحول بالفعل، بحسب الصحيفة. وفي الواقع، أظهرت استطلاعات الرأي على مدى العقد الماضي تحولا ذاتيا من قبل الديمقراطيين نحو وجهة نظر أكثر تعاطفا وإنسانية مع الأمريكيين السود. وبحلول سنة 2018، قال الليبراليون البيض إنهم شعروا بإيجابية تجاه السود واللاتينيين والآسيويين أكثر مما شعروا به تجاه البيض.
وأوضحت الصحيفة أن سبب هذا التحول يبقى غير واضح، كما لم يقع تطبيقه على أرض الواقع في المدارس أو في الأحياء التي تعاني من التفرقة العنصرية، ولكنه ساعد في تفسير سلسلة من ردود الفعل على مقتل فلويد.
بالإضافة إلى ذلك، ترتبط ردة الفعل العنيفة بالطبيعة المروعة لوفاة فلويد، حيث أن ضابط شرطة أبيض ضغط بركبته على رقبة فلويد لمدة تقارب تسع دقائق، وقد وقع توثيق الحادثة في فيديو مؤلم في وقت يشعر فيه المواطنون بالإحباط المتزايد إزاء تعامل الحكومة مع وباء فيروس كورونا ومع الإغلاق الكامل.
اقرأ أيضا: هكذا استخدم الدين المسيحي في أمريكا لتبرير العبودية والتمييز
وتنقل "نيويورك تايمز" عن "ألدون موريس"، خبير حركة الحقوق المدنية، قوله إن الاحتجاجات لا تزال تتصاعد في شوارع مدن الولايات المتحدة وهي "غير مسبوقة من حيث ارتفاع مستويات مشاركة البيض في حركة تستهدف القمع والمظالم ضد السود".
والجدير بالذكر أن الشباب الأمريكيون هم كذلك أكثر تنوعا من الناحية العرقية مقارنة بالأجيال السابقة وأنهم يميلون إلى تبني أفكار مختلفة حول العرق، إضافة إلى أن تأثيرهم على المجتمع يزداد شيئا فشيئا.
وأفادت الصحيفة بأن العلامات التجارية التي تحاول جذب المستهلكين الشباب أعلنت في السنوات الأخيرة اعتقادها المتزايد بالمساواة والعدالة. فقبل سنتين، أظهرت شركة "نايكي" خلال حملة إعلانية كبرى لاعب الوسط السابق في فريق "سان فرانسيسكو" لكرة القدم الأمريكية، كولين كايبرنيك، وهو راكع خلال النشيد الوطني احتجاجا على العنصرية. أما شعار شركة "ماك" لمستحضرات التجميل فقد كان مؤخرا: "كل الأعمار، جميع الأجناس، جميع الأنواع".
وفي أعقاب الاحتجاجات على مقتل فلوريد، أصدر رؤساء تنفيذيون في "وول ستريت" وعملاق الملابس الرياضية "أديداس" على الإنستغرام بيانات مساندة للتنوع وهو أمر جعل الكثيرين يتهمون هذه المؤسسات بالنفاق، قائلين إنها لا تمارس القيم التي تتبناها.
وفي العديد من الشركات، بدا ما اعتبره الموظفون استجابة غير كافية لوفاة فلويد بمثابة حافز في إطار صراع طويل الأمد حول مسائل المساواة العرقية. ففي شركة "أديداس"، توقف عشرات الموظفين عن العمل لحضور احتجاجات يومية خارج مقر الشركة في بورتلاند بأمريكا الشمالية.
وفي سياق متصل، قال مسؤولون في شركة مواد التجميل "إستي لودر" إنهم سيتبرعون بخمسة ملايين دولار في الأسابيع المقبلة "لدعم العدالة العرقية والاجتماعية ومواصلة دعم زيادة فرص الحصول على التعليم"، وكما سيتبرعون بمبلغ إضافي قدره خمسة ملايين دولار خلال السنتين المقبلتين.
وأضافت الصحيفة أن هنالك شركات أخرى تعهدت بالمساهمة في حملة التبرعات بالمال. كما أعلنت شركتا "آبل" و"يوتيوب" عن تقديم 730 مليون دولار للمساهمة في المجهودات الرامية لتحقيق العدالة العرقية والإنصاف.
وظائف غير مضمونة
وأوضحت الصحيفة أنه في هذا الوقت، ازداد الضغط على المؤسسات لفصل أولئك الذين أدلوا بتصريحات مهينة. وفي نفس الإطار، قدّم العديد اعتذارات علنية. وعلى سبيل المثال، قدم آدم رابوبورت استقالته من منصب رئيس تحرير المجلة الغذائية الأمريكية "بون ابتيت" بعد ظهوره على مواقع التواصل الاجتماعي في صورة يرجع تاريخها إلى 2004 وهو يرتدي زيا مسيئا.
كما استقال جريج جلاسمان، المؤسس والرئيس التنفيذي لشركة "كروست فت" بعد أن قدم تعليقات حول العرق والعنصرية خلال مكالمة جمعته مع أصحاب القاعات الرياضية على تطبيق "زوم" قائلا: "نحن لا نتأسف لموت جورج فلويد، لا أعتقد أنني أو أي من العاملين معي حزينون". وأضاف قائلا: "هل يمكنك أن تخبرني لماذا يجب أن أحزن عليه؟"، وذلك حسب تسجيل للمكالمة وفرته صحيفة "ذا تايمز" البريطانية.
وبالنسبة لشركة "أن بي سي العالمية"، بدأت المشاكل في صباح اليوم التالي عقب وفاة فلويد وتحديدا عندما وجد جيمي فالون نفسه يتعرض لهجوم على تويتر بسبب تقمصه لدور أسود سنة 2000 خلال برنامج "ساترداي نايت لايف"، الأمر الذي دفعه في اليوم الموالي إلى تقديم اعتذارات عديدة أمام أجهزة الكاميرا.
اقرأ أيضا: الكشف عن قائمة صادمة لضحايا "الخنق" أثناء التوقيف بأمريكا
"مرحلة الغليان"
وفي وقت متأخر من مساء السبت الماضي، قالت امرأتان تدرسان مجالي الصحة والتواصل لدى السود، إنهما تعرضتا خلال مسيرتهما المهنية إلى حالات عديدة من التمييز العنصري. وقد ذكرت إحداهما، وهي جوي ميلودي وودز، طالبة متخرجة من جامعة مودي للاتصالات، أن مقتل برونا تايلور وجورج فلويد والعديد من الأشخاص الآخرين أوصلتهما إلى "مرحلة الغليان",
وقالت وودز: "إن النظام الأمني ليس الوحيد الذي يبقي على هيمنة البيض..فهناك أنظمة أخرى متشبثة بهذه الأفكار، إحداها هي الأوساط الأكاديمية"، داعية العلماء السود إلى البدء في مشاركة تجاربهم باستخدام وسم"#بلاك إن ذي إيفوري"، وهي عبارة أطلقتها زميلتها شاردي م.ديفيس، الأستاذة المساعدة في جامعة كونيتيكت، دون التنبؤ بما قد ينجر عن ذلك. وفعلا، حصدت هذه المبادرة ما يقارب من 90 ألف تغريدة.
إن قصص الاستبعاد والإذلال والعداء التي وقع تداولها كانت مألوفة للغاية، وكان مسكوتا عنها خاصة وأنها تقع خلف أبواب مغلقة. وفي هذا السياق، أفادت الدكتورة ديفيس بأن "ما يبدو مختلفا هذه المرة هو أن الأشخاص البيض بدأوا يصغون إلى النداءات".
الأهم من كل ذلك، حسب "ديفيس" وآخرين، هو أن العلماء البيض يجرون محادثات حول العنصرية في مؤسساتهم دون تواجد زميل أسود في المجموعة لتشجيعهم أو توجيههم. واعتاد العلماء غير السود للنظر إلى زملائهم السود على أنهم معفون من وحشية الشرطة وجرائم الكراهية العنيفة. غير أن الدكتورة تشاندا بريسكود- فاينشتاين، عالمة في الفيزياء النظرية وباحثة نسوية في جامعة نيو هامبشاير، قالت: "إن هذا الشعور بالأمان ليس حقيقيا، فشهادة الدكتوراه التي نحملها ليست مقاومة للرصاص".
وأفادت الصحيفة أن نسبة الخطر تعتبر عالية بشكل خاص بالنسبة إلى علماء الطبيعة السود، وأفضل دليل على ذلك الحادثة الأخيرة مع "كريستيان كوبر"، عالم الطيور الذي طلب من امرأة بيضاء أن تقيد كلبها في سنترال بارك، لتتصل الأخيرة بالشرطة ويقع الرجل ضحية لها.
وفي المقابل، قالت إرين ماكجي، عالمة الأعشاب والطيور في جامعة أريزونا: "وظيفتنا تقتضي التواجد في الميدان والظهور والتحرك في أماكن لا ترحب بقدومنا دائما. لقد فهمنا ما معنى أن تكون في خطر".
ودفع مقطع الفيديو الذي انتشر على نطاق واسع السيدة ماكجي وآخرين إلى تنظيم حملة "#أسبوع علماء الطيور السود". وقال جيفري وارد، وهو أحد منظمي الحملة وعالم طيور معروف، إنه يحتفظ دائما بمنظاره على مرأى من الجميع لطمأنة الأشخاص الذين يتصرفون بخوف عندما يرونه.
كما أشارت الدكتورة بريسكود- فاينشتاين إلى أن المؤسسات الأكاديمية تتبع نظاما هرميا وأنها مقاومة للتغيير.
وفي الواقع، يتجلى غياب المساواة في الجامعات على مستويات متعددة، إذ يقع توظيف الأكاديميين السود بشكل غير متكافئ في المناصب ذات الآفاق الضعيفة على المدى الطويل، ويحصلون على منح أقل، ويقع الاستشهاد بأبحاثهم بصفة محدودة في كثير من الأحيان.
وفي هذا الصدد، قال "كافوي دزيراسا"، وهو طبيب نفسي في جامعة ديوك، إن تغيير هذه الأنظمة سيستغرق "كمية لا تصدق من الطاقة التي تستهدف نقاط الضغط الأساسية في النظام".
وبالنسبة لأي نظام، كالتقدم بطلب للحصول على منح من المعاهد الوطنية للصحة على سبيل المثال، فإن جعل الأمور أكثر إنصافا سيكلف النظام أو مقدمي الطلبات غير السود الكثير. وقال دزيراسا: "هذه هي التكلفة التي لم يتضح بعد ما إذا كان النظام جاهزا لتحملها أم لا".