هذا الموقع يستخدم ملف تعريف الارتباط Cookie
تشهد العديد من الولايات المتحدة عملية إزالة لنصب تذكارية تعود إلى حقبة الحرب الأهلية وما قبلها، في "محاسبة للذات" إزاء ماضي العبودية وواقع العنصرية.
وأثارت وفاة الأمريكي الأسود "جورج فلويد"، في 25 أيار/ مايو الماضي، تظاهرات حاشدة للمطالبة بالعدالة العرقية وإصلاح جهاز الشرطة في أنحاء الولايات المتحدة.
واستهدف متظاهرون في مدن أميركية عدة نصبا تذكارية تعود لجنرالات وسياسيين من الجنوب المؤيد للعبودية خلال الحرب الأهلية، فأسقطوا تمثالا في "ريتشموند لجيفرسون ديفيس"، رئيس الولايات الكونفدرالية خلال النزاع الذي استمر من العام 1861 حتى 1865.
وشمل الغضب من ذلك الماضي المكتشف الذي ينسب إليه اكتشاف "العالم الجديد" في القرن الخامس عشر، بما في ذلك الولايات المتحدة.
وينقل تقرير لـ"فرانس برس" عن أستاذ التاريخ في جامعة "كنساس"، ديفيد فاربر، قوله: "يبدو أننا لربما وصلنا إلى نقطة مفصلية في إعادة سرد الرواية بشأن من نحن كشعب أميركي".
وأضاف: "رأينا عشرات الملايين إن لم يكن مئات الملايين من الأميركيين يخوضون صراعا مع أسئلة جوهرية بشأن ما الذي علينا فعله مع جوانب ماضينا البغيضة، وبصراحة اللاأخلاقية حتى".
— ABC News (@ABC) June 10, 2020
اقرأ أيضا: هكذا استخدم الدين المسيحي في أمريكا لتبرير العبودية والتمييز
وتابع: "رموز الكونفدرالية باعتقادي هي الأكثر استقطابا بين هذه النصب التذكارية. لكن الأمر يشمل الولايات المتحدة بأسرها".
وقال: "في نيويورك، هناك تماثيل كولومبوس. في نيو مكسيكو، هناك تمثال لفاتح يعد شخصية ارتكبت إبادات جماعية في نظر شعوب بويبلو (السكان الأصليين). هناك مدارس ثانوية في كافة أنحاء الولايات المتحدة تحمل اسم جون كالهون"، وهو نائب رئيس سابق كان صريحا في دعمه للعبودية.
وأشار "فاربر" إلى أن النقاش بشأن النصب التذكارية العائدة للحقبة الكونفدرالية يدور منذ سنوات وسبق أن أعرب المدافعون عن الحقوق المدنية الذين نظموا مسيرات خمسينات وستينات القرن الماضي عن غضبهم "للسير في شوارع تحمل أسماء عنصريين وشخصيات تؤمن بنظرية تفوق البيض".
واكتسبت جهود إزالة النصب التذكارية العائدة للكونفدرالية زخما بعدما أطلق مسلحون يؤمنون بنظرية تفوق العرق الأبيض النار على تسعة أميركيين من أصول إفريقية وأردوهم في كنيسة في تشارلستون في كارولاينا الجنوبية عام 2015.
وبدورها قالت أستاذة العلوم السياسية المساعدة في جامعة "إيموري"، آندرا غيلسبي، إن "وتيرة ذلك تزداد حاليا بسبب المطالبات والغضب الشعبي".
وأضافت: "أعتقد أن ما نراه هو إعادة نظر في الكثير من فرضياتنا وتحد لأشكال عدة من التاريخ بحسب تأثيره على الأميركيين من أصول إفريقية".
وأكدت "غيلسبي" أن "هذه لحظة تتسلط فيها الأضواء على العنصرية ضد السود لكن دون استثناء أشكال أخرى من الاضطهاد العرقي".
أما أستاذة التاريخ في جامعة "ديوك"، لورا إدواردز، فقد أوضحت أن "الناس بدؤوا يدركون أن لهذه الرموز معان سياسية وأنها تتسبب بمشكلات بأشكال لم يكونوا يدركونها بشكل كامل".
— Ben Tobin (@TobinBen) June 8, 2020
وتابعت: "لم يعد من السهل مثلا وصف ذلك بالتراث"، في إشارة إلى معارضي إزالة رموز الكونفدرالية الذين يرون في الأمر محوا لتاريخ الجنوب.
وأكدت إدواردز أنها "فوجئت" عندما قررت شركة "ناسكار" المنظمة لسباقات السيارات الأكثر شعبية في هذا المجال في الولايات المتحدة حظر رفع شعار الكونفدرالية خلال مناسباتها.
اقرأ أيضا: 6 مشاهير طردوا من وظيفتهم بعد اتهامهم بالعنصرية
وقالت: "من بين جميع الرياضات، تبنت (+ناسكار+) ما اعتبرته إرث الجنوب الأبيض".
وأضافت: "كانت الرموز المرتبطة بنظرية تفوق البيض والكونفدرالية جزءا من علامتهم التجارية".
ورأت إدواردز أن الإطاحة برموز الكونفدرالية وتماثيل كولومبوس "مرتبطة ببعضها بشكل كبير" إذ تشكل جميعها "الاستعمار العنيف للولايات المتحدة".
وقالت: "يتمثل الجزء الأول بقدوم الأوروبيين وادعائهم بحقهم في مكان كان للسكان الأصليين ومن ثم استهلال إبادة جماعية للقضاء عليهم".
وأعقب ذلك استيراد العبيد من أفريقيا، وهو أمر وصفه أستاذ التاريخ في الجامعة الأميركية، آلان كراوت، بـ"الخطيئة الأساسية التي لن يكون بإمكاننا تجاوزها إطلاقا".
وقال كراوت: "ما نشهده الآن هو مراجعة للتاريخ ردا على لحظة سياسية" رغم أن "إعادة التقييم هذه كانت جارية منذ مدة".
وأشار إلى أن "مناقشة أمر التماثيل وإزالتها كانت جارية في الأساس" لكن "وفاة جورج فلويد شكّلت حافزا للقيام بالأمر سريعا وبشكل درامي".
ورأى الاستاذ المساعد في قسم العلوم السياسية بجامعة "سيراكيوز" ستفين وايت أن السكان "يعيدون التفكير بعنصرية التاريخ الأميركي بشكل أوسع. هناك محاسبة أوسع".
وأضاف: "أعتقد أنه بالنسبة لعدد متزايد من الأميركيين البيض، هناك المزيد من الاهتمام بالأسباب بعيدة الأمد لعدم المساواة العرقية في أميركا".
وختم بالقول: "أعتقد أن السؤال هو إن كانت هذه التغيّرات في الرأي العام ستدوم. هل هذه بداية تحوّل ملموس حقا؟".