ما السرّ وراء تجاهل الجزائر لمبادرة السيسي في ليبيا؟

منذ أول بيان صدر عن الخارجية الجزائرية حول ما سمّي بالمبادرة المصرية في ليبيا، بدا واضحا أن الموقف الرسمي الجزائري ينظر بعين الريبة إلى هذه الخطوة خاصة من حيث توقيتها.

وورد التعليق الجزائري على ما أعلنته مصر، بصيغة "أخذنا علما" التي تعني في العرف الدبلوماسي التفاجؤ المغلف بالتجاهل، وذلك دون ذكر حتى اسم أصحاب المبادرة ومكان احتضانها.

وتمسكت الجزائر في نفس البيان، بالحل الوحيد لإنهاء الأزمة الليبية الذي يقفز على كل المبادرات المطروحة، وهو اعتماد الحوار الشامل بين الليبيين مع دعم محوري من دول الجوار، كسبيل وحيد لتحقيق السلام في ليبيا وضمان وحدة وسلامة أراضيها.

ولاحقا، كشف تعاطي الإعلام الحكومي الجزائري، الذي يعبّر عن الموقف الرسمي خاصة في القضايا الخارجية، عن رفض شديد للمبادرة المصرية بلغة اتهامية غير مسبوقة ضد الرئيس عبد الفتاح السيسي.

اقرأ أيضا: NYT: مبادرة مصر محاولة لتقليل خسائر حفتر بعد هزائمه المدوية

واعتبرت وكالة الأنباء الجزائرية الرسمية، في تحليل نشرته على موقعها أن الرئيس عبد الفتاح السيسي يقوم بمناورة مفضوحة لإنقاذ حليفه الجنرال المتقاعد خليفة حفتر بعد هزائمه الأخيرة في ليبيا.

وأوضحت الوكالة التي استندت لآراء عدد من أساتذة العلوم السياسية الجزائريين، أن المبادرة المصرية جاءت "مناقضة" للاتفاق السياسي الموقع بين الأطراف الليبية في 2015 برعاية الأمم المتحدة.

الموقف الجزائري

 
والأهم في هذا التحليل بغض النظر عمّا ورد فيه، أنه يُعبّر بصوت عال عن ما تخفيه اللغة الدبلوماسية المتجاهلة التي تعاملت بها الخارجية الجزائرية مع الإعلان المصري.

ويرى عثمان لحياني الصحفي المتابع للشأن الليبي، أن هذا التعاطي الإعلامي غير مفاجئ، لأن العقل السياسي والدبلوماسي غير المعلن في الجزائر، يعتبر مصر طرفا محركا للأزمة وداعما لمشروع حفتر الذي يعتبر مناوئا لمصالح الجزائر، وهو ما تم التعبير عنه رسميا في مارس/آذار 2019، عندما قال وزير الخارجية الجزائري إن طرابلس خط أحمر.

من جانب آخر، ذكر لحياني في تصريح لـ"عربي21"، أنه لا يمكن اليوم أصلا أن نتحدث عن مبادرة مصرية، لكون ما صدر في مصر انتهى في اللحظة التي أعلن فيها ولا أثر له في الواقع السياسي بعد رفضه من حكومة الوفاق وتجاوز التطورات الميدانية له.

وحتى ما صدر عن محند أوسعيد بلعيد الناطق باسم الرئاسة الجزائرية، بخصوص دعم الجزائر لجهود حل الأزمة، هو في نظر لحياني، تصريح مبدئي لا يعني أبدا دعم ما بدر عن مصر.

وما يدعم ذلك وفق المتحدث، هو شروع الجزائر في مشاورات مع عدة دول عربية وقوى عظمى، من أجل إعادة تجديد فكرة حوار المؤتمر الوطني الليبي الليبي، الذي كان مقررا في فبراير الماضي وتمت عرقلته مثلما تحدث الرئيس الجزائري عبد تبون.

جذور المبادرة المصرية

 
لكن طبيعة الرفض الجزائري للمبادرة المصرية، بحسب دبلوماسي جزائري سابق، لا يتوقف فقط عند هزائم حفتر الأخيرة، وينطلق من قراءة التوازنات الجديدة في المنطقة وتدخل الأطراف الأجنبية خاصة القوى الكبرى في الملف الليبي.

وذكر هذا الدبلوماسي الذي رفض الكشف عن اسمه، في تصريح لـ"عربي21"، أن الجزائر تعتقد أن مصر من خلال هذا التحول في نظرتها للملف الليبي، تحاول الخروج من الورطة الليبية بأقل الأضرار الممكنة، كونها دولة حدودية لليبيا وستكون الأكثر تضررا عكس باقي حلفائها البعيدين عن جغرافيا الصراع.

اقرأ أيضا: مجلس الدولة: لا جديد بإعلان القاهرة وحفتر ليس جزءا من الحل

وأبرز الدبلوماسي أن تدخل الولايات المتحدة في الأزمة الليبية بعد تركها الملف منذ 2017 في يد الاتحاد الأوروبي، والذي لا يصب في اتجاه الدول الداعمة لخليفة حفتر، وبروز الموقف الإيطالي كمؤثر في التوجه الأوروبي في ليبيا، كلها عوامل دفعت مصر إلى إعادة التفكير في موقفها ومحاولة جعله أكثر توازنا.

وبحسب هذا الدبلوماسي المطلع على الملف الليبي، فإن رهان مصر والإمارات والسعودية على الدعم الروسي في ليبيا، كان خاطئا، فروسيا مهما بلغ اهتمامها بليبيا لا يمكن أن تصل إلى اعتبار ليبيا سوريا ثانية، ما جعل الموقف الروسي، بحسبه، تطغى عليه الكثير من الحسابات والتردد عن رفع مستوى الدعم.

كل ذلك، في تحليل الدبلوماسي الجزائري، يجعل من ورقة مصر محروقة في ليبيا ويجعل أي اصطفاف معها عرقلة لجهود الحل، كون الطرف الأكثر مصداقية اليوم لقيادة الحوار الليبي هو دول مثل الجزائر وإيطاليا التي لم تتورط في سياسة المحاور وبقيت محافظة على علاقاتها مع كل الأطراف.

دعم سياسي داخلي

 
وعلى المستوى السياسي، يحظى الموقف الجزائري في ليبيا بدعم داخلي قوي، إذ لا يوجد من انتقده لحد الآن على الرغم من الاختلاف الكبير حول السياسة الداخلية.

وقال ناصر حمدادوش، عضو المكتب الوطني لحركة مجتمع السلم، أنه من الواضح أن هناك تصادما في الرؤية والموقف والموقع، لاختلاف العقيدة الديبلوماسية، ومنها رفض التدخل الأجنبي وأخطره التدخل العسكري خارج إطار الشرعية.

وذكر حمدادوش في تصريح لـ"عربي21"، أن المبادرة المصرية هي التفاف على الإنجازات على الأرض، والتي تحققها حكومة الوفاق الوطني المعترف بها دوليا من أجل الوحدة الترابية وسيادة الدولة الليبية على كامل ترابها وحدودها.

وتابع المتحدث: "أما حفتر ومن يقف وراءه من المرتزقة ودول الثورة المضادة من الانقلابيين والدمويين فلا يملكون إلا شرعية القوة وسياسة الأمر الواقع بالدم.. لذلك نحن ندعم الموقف الجزائري ضد المبادرة المصرية المفضوحة".