أشارت صحيفة
"واشنطن بوست" الأمريكية، إلى مواجهة التظاهرات الجارية ضد
العنصرية،
تاريخ الظلم الذي يعاني منه السود، منذ رحلات الرقيق التي نقلتهم من أفريقيا إلى
العالم الجديد.
وقالت الصحيفة في مقال
للكاتب إيشان ثارور ترجمته "عربي21"، إن إدوارد كولستون كان تاجرا
انجليزيا في القرن السابع عشر وصل إلى موقع نائب رئيس الشركة الملكية الافريقية.
وأصبحت عائلته ثرية نتيجة لذلك، حيث أثروا من دور الشركة في التجارة البريطانية
بالعبيد من أفريقيا.
وبرعاية كولستون قامت
الشركة بنقل 84 ألف أفريقي بالسفن ليعيشوا حياة من العبودية والبؤس. ومات منهم
حوالي 19000 في الطريق فكانت أجسادهم تلقى في المحيط الأطلسي.
ولفتت إلى أن الأحد
الماضي، شهد إلقاء تمثال كولستون في الماء، بميناء بريستول الساحلية، احتجاجا على
مقتل
فلويد، وهو الميناء الذي ولد منه كولستون ثروته، وأنهوا تاريخ تمثال منصوب منذ
القرن التاسع عشر.
وفي مشاهد تم تداولها
بشكل كبير على وسائل التواصل الاجتماعي، قام المتظاهرون البريطانيون، بدحرجة
التمثال إلى مياه البحر وقاموا بإلقائه في الماء وسط صرخات التصفيق والتشجيع.
وقالت الصحيفة إن
البعض، وصف ما جرى بالعدالة الملائمة، وكتب المؤرخ البريطاني ديفيد أولوسغا: "إن
كولستون يقع في قعر ميناء كانت تقف فيه سفن تجارة العبيد المثلثية في إشارة إلى مسار
السفن بين أفريقيا وأمريكا وانجلترا، بجانب الأرصفة التي تنزل عليها حمولات
السفن".
ولم يكن رئيس الوزراء
البريطاني، بوريس جونسون مشجعا لذلك المشهد ووصفه بأنه "عمل إجرامي"
واحتج بأن هناك طرقا أخرى ليطالب بها الناس بإزالة التماثيل. وقال متحدث باسم جونسون: "رئيس الوزراء
يفهم جيدا قوة المشاعر، ولكن في هذا البلد نحل خلافاتنا بالوسائل الديمقراطية وإن
كان الناس يريدون إزالة تمثال فهناك طرق ديمقراطية للقيام بذلك".
ولم يكن تمثال كولستون
هو الوحيد الذي كانت عليه عيون المحتجين. ففي ميدان البرلمان في لندن قام المحتجون
بكتابة عبارات على تمثال لوينستون تشيرتشل ووصفوه بأنه كان عنصريا وهو ما يسلم
بصحته معظم المؤرخين الصادقين. ولكن "نايجل فاراج، اليميني البريطاني المتطرف،
قال إن الحادثة وغيرها من مظاهر الاضطرابات، تؤرخ لميلاد صورة من صور طالبان، في
بريطانيا".
ورأت الصحيفة أن تلك
الحجة أكثر شيوعا مما يتصور المرء على جانبي المحيط الذي كانت تعبره سفن كولستون
لنقل العبيد، فلا يزال المحافظون يصرون على أن الدعوات لإزالة التماثيل التذكارية
المرتبطة بإرث العبودية والاستغلال الاستعماري تنم عن عدم التسامح، وهي نقيض سرد
التاريخ. ويناسبهم إهمال الاحتفال بإزالة تماثيل لينين وستالين من الدول التي كانت
تابعة للاتحاد السوفييتي أو حتى إزالة تمثال صدام بمساعدة أمريكية.
علاوة على ذلك، فإنهم
يتجاهلون الحجة التي يعتبرها معظم المؤرخين مسلما بها: بأن إقامة النصب
التذكارية نفسها هي شكل من أشكال سرد التاريخ يهدف منه في الغالب إلى تمجيد
الأشخاص الذين تمثلهم تلك النصب. وإزالة نصب، عادة في ظروف تحظى فيه إزالتها
باستحسان شعبي واسع، هو أيضا عمل تاريخي.
وكتب ديفيد أوسالغا في
الغارديان حول المشاهد في بريستول بعد مطالبة طويلة بإزالة ذلك التمثال:
"مهما قيل خلال الأيام القليلة القادمة، فإن هذا لم يكن هجوما على التاريخ..
إنه تاريخ. إنها واحدة من تلك اللحظات التاريخية الفريدة التي يعني وصولها أن
الأمور لن تعود إلى ما كانت عليه سابقا".
ووصلت هذه الرسالة إلى
أمريكا. ففي ريتشموند عاصمة فرجينيا وعاصمة الولايات الكونفيدرالية الأمريكية
(1861- 1863)، ذهب المتظاهرون إلى جزء من المدينة فيها نصب تذكارية كونفدرالية.
وأعلنت الولاية والسلطات المحلية عن خطط لإزالة بعض التماثيل، وعلى الأقل تلك التي
تمثل أشخاصا كانوا يؤيدون العبودية. كما أن الجيش الأمريكي يفكر في إعادة تسمية
بعض القواعد التي سميت بأسماء قادة من الكونفدرالية.
ولفتت الصحيفة إلى
وجود مظاهر مشابهة ولكنها تسير بشكل أبطأ في أجزاء أخرى من
أوروبا أيضا. ويوم
الأحد وضع المتظاهرون في بروكسل عيونهم على بقايا ماضي البلد الاستعماري. وكما ذكر
صحفيون، فقد "تجمع المتظاهرون أمام قصر العدل الذي سمح بناؤه للملك ليبولد الثاني
الذي حكم في القرن التاسع عشر، أن يسيطر على أفق المدينة، بينما كان على رأس حكم
في الكونغو تسبب في موت حوالي 10 ملايين شخص".
وأضاف ثارور، أن "هذه ليست
مسألة بسيطة؛ فبروكسل بمؤسسات الاتحاد الأوروبي تعتبر عاصمة أوروبا وهذا يعني ضمنيا أنها قلب
المشروع الليبرالي العالمي. ومع ذلك فإن تماثيل ليبولد لا تزال تملأ المدينة وأجزاء
أخرى من بلجيكا".
وقالت جني دا كوستا (35 عاما) في بروكسل، إن الأمر يبدو وكأن الألمان لا يزالون يحتفظون بتماثيل لهتلر
في ألمانيا: "أنا لا أفهم لماذا لا تزال هذه التماثيل موجودة هنا، إنه
قاتل".
ورأت الصحيفة أن هذا
يعكس "نقطة أوروبية عمياء، فمع أن الكثير في أوروبا يرقبون بذعر إلى عنف
الشرطة الأمريكية وانفجار الاضطرابات العنصرية، إلا أن قليلا منهم من يشعر بالحاجة
للتكفير عن ظلم الأنظمة الإمبريالية والتي في أغلب الحالات هي التي أنشأت الأسس
الاقتصادية والاجتماعية لدولهم القومية الحديثة".
وبالطبع، لا يخلو تراث
مجتمع من الكراهية، وهذا بخلاف ما يقوله المدافعون عن النصب الكونفدرالية حيث
يقولون "إنه التراث وليس الكراهية". وعلى المجتمعات التي كانت في وقت ما
تحت نير الاستعمار الأوروبي أن تراجع تاريخها من العنف والتمييز. ولكن الحديث في أوروبا يكسب دفعا حيث ترتفع
أصوات مجتمعات الأقلية، وفي كثير من الأحيان يرتبط وجودها بالتاريخ الاستعماري بشكل
أكبر وبثقة أعلى.
وأضافت: "المتاحف
الأوروبية بدأت في السنوات الأخيرة تعيد آثارا للبلدان التي سرقت منها. وفي حالات
قليلة اعتذرت حكومات أوروبية وأحيانا أعربت عن الندم لمجتمعات تأثرت بأفعال
الإمبراطورية".
وقالت الصحيفة إن "الكثير
يريدون أن يفعلوا المزيد. ففي بريطانيا وحدها هناك دعوات لإعادة هيكلة المناهج
التاريخية، والتي تتجاوز بشكل واضح الكثير من الجانب المظلم للماضي الاستعماري،
بالإضافة لمؤسسات جديدة تقوم بتفحص الإرث الإمبريالي للبلد بشكل أكثر تفصيلا".
وكتب الكاتب
الاسكتلندي اليميني، أليكس ماسي: "لا أرى سببا جيدا لمعارضة لافتات توضيحية
على الشوارع المسماة بأسماء ملاك المزارع والتجار الذين جنوا أرباحهم عن طريق
العبودية. فلا يمكن إنكار التاريخ ولكن يجب الاعتراف به، ويمكن القول أنظروا إلى
ما فعلنا ولكن لا تنسوا".