هذا الموقع يستخدم ملف تعريف الارتباط Cookie
أدت الأزمة المالية التي وقعت عام 2008 إلى اكتشاف الرأي العام حدود العلوم الاقتصادية. ويحمل وباء فيروس «كوفيد - 19»، في طياته مخاطرة ترك التأثير ذاته فيما يخص العلماء والأطباء.
منذ بداية الوباء، ناضل المواطنون من أجل
الحصول على إجابات واضحة عن بعض التساؤلات الأساسية. على سبيل المثال، الأقنعة:
أعلنت منظمة الصحة العالمية في وقت مبكر أنه لا جدوى من وراء تشجيع الأصحاء على
ارتداء أقنعة الوجه. ومع هذا، يتفق غالبية الأطباء اليوم أن ارتداء الأقنعة على
نطاق واسع فكرة جيدة.
أيضا، هناك ارتباك حول إجراءات الإغلاق، ففي المملكة
المتحدة تجادل علماء على مدار أسابيع حول مزايا إغلاق المنشآت التجارية وبقاء
الناس في منازلهم ـ مشاجرة قد تكبد البلاد أرواحا. اليوم ومع انحسار الوباء في
إيطاليا، هناك جدل متزايد بين الخبراء المعنيين بالصحة العامة في البلاد والأطباء
حول ما إذا كان الفيروس قد فقد قوته أم أنه لا يزال على ذات الدرجة من القوة
الفتاكة.
في الواقع، تبدو مثل هذه الاختلافات والجدالات
طبيعية تماما بالنظر إلى أننا نتعامل مع فيروس كورونا مستجد باغت معظم منظومات
الرعاية الصحية الغربية. وفي تلك الأثناء، سارع العلماء بمختلف أرجاء العالم
للتشارك في بيانات ومعلومات، في الوقت الذي زادت شركات من وتيرة عملها لإيجاد مصل،
والذي قد يصبح المصل الذي جرى تطويره في أسرع وقت على مستوى التاريخ البشري.
ومع هذا، ذكرنا الوباء بأن للعلم - وعلى وجه
التحديد الطب - حدودا. من ناحية ما، ذكرتنا الشهور القليلة الماضية بما حدث أثناء
الأزمة المالية عام 2008، عندما دخل علماء اقتصاد في جدالات وخلافات حول الاستجابة
الصحيحة للأزمة. وانقسم المجتمع الأكاديمي ما بين أولئك الذين قالوا بأنه يتعين
على الحكومة إنقاذ جميع البنوك الكبرى وآخرين أكدوا أنه يتعين عليها ترك «ليمان
براذرز» تسقط في هوة الإفلاس.
في أوروبا، تركز الجدل حول ما إذا كان يتعيّن
على الدول اتباع سياسات تقشف أم أنه ينبغي لها التسامح إزاء حدوث عجوزات ضخمة في
ميزانياتها. وتسببت هذه الانقسامات والأخطاء التي لحقتها، في تشويه صورة علماء
الاقتصاد في عيون الرأي العام.
وتبدو المقارنة بما حدث عام 2008 مناسبة نظرا
لأن علماء الاقتصاد تحديدا يبلون بلاء حسنا على نحو نسبي خلال أزمة الوباء
الراهنة. في الواقع، كان هناك بعض التأييد المبدئي، بما في ذلك من جانب البنك
المركزي الأوروبي ووزارة الخزانة بالمملكة المتحدة لفكرة أن تفشي الوباء سيعقبه
فترة تعاف سريعة ترسم منحنى على شكل حرف V.
واليوم، فقدت هذه الفرضية مصداقيتها تماما
بعدما بدا واضحا أننا في طريقنا نحو تراجع اقتصادي أطول وأعمق. ومع ذلك، سارع
علماء الاقتصاد نحو التوصل إلى إجماع بضرورة أن تعمل الحكومات والبنوك المركزية
على توسيع نطاق سياساتها المالية والنقدية، من أجل تعزيز الطلب في وقت تسحق
إجراءات الإغلاق النشاط الاقتصادي.
وتحركت الجهات التنظيمية بسرعة هي الأخرى
ومنحت البنوك قدرا أكبر من المرونة للاستمرار في إقراض الشركات والأفراد. ومع أننا
ما نزال في فترة مبكرة، فإن الانطباع العام أن مجال العلوم الاقتصادية يشكل اليوم
كيانا أكاديميا ومهنيا موحدا للصفوف، وأنه لم يترك الأزمة الاقتصادية السابقة تمر
سدى، وإنما تعلم منها كما ينبغي.
على الجانب الآخر، جابه علماء وأطباء صعوبة في
نقل رسالة توحي بوحدة صفوفهم إلى الرأي العام. ولا يعني ذلك أنهم أخفقوا في
الاضطلاع بواجبهم، وإنما على العكس تماما؛ يعتبر العاملون في مجال الرعاية الصحية
الأبطال الحقيقيين خلال فترة هذه الأزمة، وخاطروا بحياتهم لحمايتنا.
إلا أنه فيما يتعلق بعدد من القضايا - من
احتواء الفيروس إلى تحديد علاجات فعالة - رأينا بعض العلماء والأطباء يقفزون إلى
نتائج، سرعان ما دحضها آخرون. (أحد الأمثلة على ذلك مدى فاعلية هيدروكسي كلوروكين)
وقد فاقم هذا التأرجح من الشعور بالذعر والارتباك بين المواطنين العاديين.
غالبا ما يقال إن الاقتصاد ليس علما بالمعنى
التقليدي، لأن المرء ليس باستطاعته أن يخلص فيه إلى توقعات صلبة. ومثلما كشف
الوباء، حتى العلوم الطبيعية تواجه صعوبة عندما تقف أمام ظاهرة جديدة، فالأبحاث لا
تطرح إجابات فورية. ولا ينبغي لأن يشعر العلماء والأطباء والباحثون بالخوف من
الاعتراف بأنهم لا يعرفون الكثير.
(الشرق الأوسط اللندنية)