سياسة عربية

كورونا.. اعتقالات وتهديدات وضغوط أمنية ضد "أطباء مصر"

مراقبون أكدوا أن نظام السيسي دائما ما يلجأ إلى الحلول الأمنية فقط في مواجهة أي أزمة يتعرض لها- نقابة الأطباء على الفيسبوك
مراقبون أكدوا أن نظام السيسي دائما ما يلجأ إلى الحلول الأمنية فقط في مواجهة أي أزمة يتعرض لها- نقابة الأطباء على الفيسبوك

في الوقت الذي تتواصل فيه الاحتجاجات في صفوف الأطقم الطبية بمصر، على خلفية "تردي" أوضاعهم وظروفهم في مواجهة جائحة كورونا، تلجأ السلطات المصرية لممارسة ضغوط وتهديدات أمنية، وتشنّ حملات إعلامية ضدهم، من أجل إجبارهم على التراجع عن أي تحركات احتجاجية يقومون بها، كالاستقالة أو محاولة تنظيم إضراب عن العمل، أو حتى توجيه انتقادات علنية لطريقة إدارة الأزمة.

وعادة ما يلجأ نظام رئيس الانقلاب عبد الفتاح السيسي إلى الحلول الأمنية فقط في مواجهة أي أزمة يتعرض لها، حيث إن "هذا الخيار بات الأسهل والأسرع والأنجع من وجهة نظره التي دائما ما يصر عليها"، بحسب مراقبين.

وقبل أيام، تسبّبت وفاة الطبيب الشاب وليد يحيى في أزمة حادة بين وزارة الصحة ونقابة الأطباء المصرية، وسط انتقادات شديدة للحكومة المصرية على خلفية "ضعف الخدمات الطبية"، وعدم توافر أماكن خاصة بالأطباء المصابين بفيروس كورونا لتلقي الرعاية الطبية الملائمة، و"التعنت" في إجراء المسحات (فحوص كورونا) للمخالطين منهم والمصابين، ما دفع عددا من الأطباء إلى تقديم استقالات جماعية، احتجاجا على تلك الأوضاع.

وتعقيبا على تزايد أعداد وفيات ومصابي كورونا من الأطباء، حذّرت نقابة الأطباء المصرية، في بيان نادر لها، من تزايد وتيرة الغضب بين صفوف الأطباء، مؤكدة أن "المنظومة الصحية قد تنهار تماما، وقد تحدث كارثة صحية تصيب الوطن كله حال استمرار التقاعس والإهمال من جانب وزارة الصحة حيال الطواقم الطبية".

من جانبها، قالت الأستاذة المساعدة بجامعة ترنت الكندية، عبير عمر، إن "الأجهزة الأمنية تلعب دورا كبيرا في إدارة أزمة الأطباء، حيث إن هناك ضغوطا وتهديدات كثيرة تلاحق عددا ليس بالقليل من الأطقم الطبية، بل إنه تم اعتقال بعضهم بالفعل، بالإضافة لتحويل البعض للتحقيق معهم، فضلا عن شنّ حملات إعلامية ممنهجة لتشويههم وإرهابهم، للزعم بأن ما يفعلونه يُهدد الأمن القومي المصري".

وفي تقرير لها، الخميس، بعنوان: "أطباء في مصر يشكون من محاولات لتكميم أفواههم في أزمة كورونا"، قالت وكالة رويترز للأنباء، إن السلطات المصرية ألقت القبض على ثلاثة أطباء على الأقل خلال أزمة فيروس كورونا. ويقول المحامون إن الاتهامات الموجهة لهم هي نشر أخبار كاذبة، وإساءة استخدام وسائل التواصل الاجتماعي، والانضمام لتنظيم "إرهابي"، والأخيرة تهمة كثيرا ما تستخدم في القضايا السياسية.

إلا أن الأكاديمية المصرية عبير عمر أكدت لـ"عربي21" أنه "وفقا لما تم رصده، فقد تم اعتقال أكثر من 5 أطباء حتى الآن، بسبب مطالبتهم بحقوقهم المشروعة، وانتقاداتهم لإدارة أزمة كورونا"، متوقعة "تصاعد الهجمة والضغوط الأمنية ضد العاملين في القطاع الطبي أكثر وأكثر خلال الفترة المقبلة مع تأزم الأوضاع".

وتابعت عمر: "كما علمنا من واقع تواصلنا مع زملاءنا الأطباء في مصر أن إدارات بعض المستشفيات قامت بالإبلاغ عن الأطباء المحتجين لدى جهاز أمن الدولة، وصدرت تحذيرات مشدّدة من إمكانية تعرضهم لمساءلة قانونية في حال إضرابهم عن العمل أو أصرّوا على تمسكهم بحقوقهم أو سربوا معلومات عن كورونا، ويمكن القول إن كثير من الأطباء الآن باتوا أسفل مطرقة الأجهزة الأمنية، فضلا عن أن لجنة الشؤون القانونية التابعة لوزارة الصحة تلعب دورا في هذا الصدد".

وردا على أسئلة مكتوبة من "رويترز" عن شكاوى الأطباء وتقارير عن إخفاء المعلومات، قال المركز الصحفي التابع للهيئة العامة للاستعلامات إن "مصر من أكثر دول العالم نجاحا في التصدي لوباء الكورونا". ولم يذكر المركز أي تفاصيل.

 

اقرأ أيضا: السيسي: نمر بلحظة هامة.. وأعداء الوطن يشككون في إنجازاتنا

بدوره، أكد عضو مجلس نقابة الصيادلة السابق، محمد فتحي، أن "الضغوط التي يتعرض لها العاملون بالأطقم الطبية واضحة لكل المتابعين، وأكبر مؤشراتها هي الحملة الإعلامية الممنهجة ضد الأطباء، لإثنائهم عن الاستقالات، ولإجبارهم على التراجع عن مطالبهم بتحسين أوضاعهم الصحية".

ولفت فتحي، في تصريح لـ"عربي21"، إلى أنه "وفقا للمعلومات التي ترد إلينا من بعض الأطباء داخل مصر، يتم استدعاء أي طبيب يُبدي أي نية للاستقالة للتحقيق معه في جهاز الأمن الوطني، وبالفعل حدثت استدعاءات كثيرة للعديد من الأطباء، ويتم تهديدهم باتخاذ إجراءات أمنية ضدهم، تصل للاعتقال، حال إصرارهم على الاستقالة".

وفي تصريحات سابقة لـ"عربي21"، أكد أمين صندوق نقابة صيادلة مصر الأسبق، أحمد رامي الحوفي، أن "الأجهزة الأمنية لا تتهاون في اتخاذ أي إجراء ضد الأطقم الطبية، حيث إنها ترفض تماما أي تصرف قد تراه غير مقبولا بالنسبة لها، حتى لو كان ذلك مجرد الغياب عن العمل ولو ليوم واحد، وليس تقديم الاستقالات، أو تنظيم إضراب، أو أي صورة من صور الاحتجاج".

وأوضح رامي أنه "يتم تهديد الأطباء بأنه ستتم إحالتهم إلى جهاز أمن الدولة للتحقيق معهم، وذلك حتى في حال عدم تنفيذهم بعض الأوامر الإدارية البسيطة"، مشيرا إلى رصدهم "عشرات الحالات في هذا الصدد، والتي دائما ما تكون مصحوبة بالكثير من الضغوط وحملات التحريض الممنهجة ضد الأطباء، مثلما حدث مع أطباء مستشفى المنيرة العام بالقاهرة مؤخرا".

"تجاهل مطالب الأطباء"


وحذّر عضو مجلس نقابة الصيادلة السابق، محمد فتحي، من خطورة استمرار تجاهل مطالب الأطباء، والتقاعس عن تنفيذها، منوها إلى أنه "لا يمكن إنكار الاستقالات التي تقدم بها خلال الأيام الماضية عدد من الأطباء احتجاجا على سوء أوضاعهم، لأنها استقالات حقيقية ومُثبتة، بخلاف ما يروجه النظام وإعلامه".

ويؤكد أن "تعاطي وزارة الصحة مع جائحة كورونا دون المستوى المطلوب على الإطلاق منذ بداية الأزمة وحتى الآن، حيث تم تخصيص 17 مستشفى فقط في البداية للحالات المصابة بالفيروس، الأمر الذي عكس انعدام الرؤية الحقيقة لأبعاد وكارثية الأزمة، وبالتالي فقد كانت هناك محافظات بأكملها لا يوجد بها أي مستشفيات للعزل، وهو ما أدى لامتلاء كل هذه المستشفيات خلال فترة قصيرة، وكان هذا متوقع جدا".

وأوضح فتحي أن "وزارة الصحة لم تلقِ بالا لمشاكل الأطباء واحتياجاتهم الضرورية، وتعاملت مع جميع الأطقم الطبية بمنطق عسكري، وكأنهم جنود بالجيش يجب عليهم تنفيذ الأوامر والتعليمات التي تصدر إليهم من الجهات العليا، ورغم أن الطبيب هو أول شخص مُعرض للإصابة بالفيروس، إلا أنه تم نزع جميع الأسلحة عنه لحماية أنفسه والآخرين".

واتفقت الأكاديمية المصرية عبير عمر مع ما ذهب إليه "فتحي"، قائلة: "الحكومة المصرية لم تستجب لأي مطلب من مطالب الفريق الطبي حتى الآن"، مضيفة: "كان لنا مطلب واحد مشرع، وهو توفير مستلزمات الحماية، حتى لا ننقل العدوى للمرضى أو العائلة، ولكن للأسف تم إجبار الأطباء والتمريض على التعامل مع الحالات دون حماية، وتحت تهديد مدرعات الشرطة خارج المستشفى. كما قاموا باعتقال الأطباء والممرضين الذين نقلوا مأساة عدم وجود كمامات أو بدل العزل".

"تواصل حملات التشويه"

ولاتزال تتواصل حملات الهجوم التي تشنّها وسائل الإعلام واللجان الإلكترونية المؤيدة للنظام على مواقع التواصل الاجتماعي ضد الأطباء، متهمين إياهم بالانتماء لجماعة الإخوان المسلمين، فضلا عن وصمهم بما وصفوه بـ"العمالة والخيانة".

وتنوه عمر إلى أن "حملات تشويه الأطباء مثيرة للضحك والسخرية والاشمئزاز؛ فعندما أُصيب مئات الأطباء والتمريض، ومات العشرات منهم بالكورونا، ولم يتخذوا أي خطوة تصعيدية، كانوا جيش مصر الأبيض، ومغمورين بالشكر من إعلام النظام. ولكن عندما وقفوا واعترضوا على موت زملائهم أصبحوا خونة وإخوانا وليس لديهم أي فائدة يقدمونها للشعب".

 

اقرأ أيضا: نقابي مصري يحذر من قرب انهيار المنظومة الصحية

كما استنكر "فتحي" الاتهامات التي تلاحق الأطباء بأنهم ينتمون لجماعة الإخوان، قائلا: "هذه التهمة تتكرر منذ 7 سنوات في كل أزمة تمر بها مصر، ولم تعد تنطلي على أحد، ولا تستحق التعليق عليها؛ فيبدو أن شماعة الإخوان باتت هي الخيار الأخير للنظام لتعليق فشله الذريع عليها، خاصة أن الحكومة تعمل جاهدة على تحميل الشعب كامل المسؤولية بعد أن رفعت يديها وتخلت عن مسؤوليتها في رعاية المرضى، فضلا عن أنها لم تفِ بوعودها بإنفاق الـ100 مليار جنيه لمواجهة كورونا التي أعلن عنها السيسي سابقا".

"انهيار محتمل"

وتتواصل التحذيرات في مصر، حاليا، من عدم قدرة البنية الصحية للبلاد على مواجهة التفاقم المتسارع في الإصابات بكورونا.

وأشار فتحي إلى أنه "يمكننا القول إن الأطقم الطبية بمصر حاليا في حالة انهيار كبير، حيث إنه وفقا لأرقام منظمة الصحة العالمية بلغت نسبة إصابة الفريق الطبي مقارنة بعدد المواطنين المرضى 13%، وهي من أعلى نسب العالم في إصابات الأطباء".

وشدّد على أن "انهيار المنظومة الصحية بالكامل بات أمرا حتميا، وسيحدث قريبا للأسف؛ فالمنظومة الصحية لا تتحمل أي مرضى جُدد، وعدد الأسرة المتاح في مستشفيات العزل امتلأ تماما، ولم تعد هناك أي أماكن متاحة لأي مريض جديد منذ نحو أسبوعين، وهذا طبقا للإحصائيات الرسمية المُعلنة، كما أن هذا واضح تماما من شكاوى العديد من المواطنين من عدم وجود أي أسرة لهم في ظل رفض جميع المستشفيات استقبال حالاتهم".     

كما رأت عبير عمر أن "المنظومة أصبحت على حافة الانهيار بالفعل. وعندما تجد طاقما طبيا في مستشفيات بعينها تم إصابتهم جميعا ويتم إغلاق المستشفيات بهذه الصورة؛ فهذا مؤشر خطير وواضح على قرب الانهيار".

ولفتت عمر إلى أن "عدد الأطباء في مصر يبلغ نحو 180 ألفا، والممرضين 220 ألفا، فلك أن تتخيل أن الآلاف منهم أصيبوا بالعدوى، وتم عزلهم، ومنهم حوالي 60 شخصا توفاهم الله إلى الآن. وكل هؤلاء أصروا على استقبال الحالات في الطوارئ".

واستطردت الأكاديمية المصرية بجامعة ترنت الكندية، قائلة: "في حال استمرار الوضع بهذا الشكل المؤسف، فأنا أتوقع أن الناس ستموت في البيوت والشوارع إذا لم يتم الوقوف بجانبهم وتوفير الحماية، خاصة أن هناك أطباء امتنعوا عن استلام التكليف، ومنهم من امتنع عن العمل".

وشدّدت على أن "الأزمة تتجه إلى طريق مظلم، ونحو كارثة إنسانية بمعنى الكلمة، خصوصا أن الفرق الطبية العاملة في مستشفيات وزارة الصحة والتأمين الصحي والجامعي والتعليمي هم الفئة التي تعاني من العدوى ونقص الحماية، بعكس مَن يعمل في مستشفيات القوات المسلحة والشرطة والمستشفيات الخاصة الكبرى".

واختتمت الأكاديمية المصرية بقولها: "يجب أن يقف الشعب المصري بجانب الفرق الطبية؛ لأن حياتهم تساوى حياة الآلاف من المرضى. كما يجب أن تقف الفرق الطبية جنبا إلى جنب، ويتخذوا قرارات جماعية حتى تستجب الحكومة لمطالبهم".

والإثنين، قالت نقابة الأطباء المصرية في بيان، إنها سجلت 350 إصابة بكورونا بين الأطباء بين 19 طبيبا، قبل أن تعلن، الأربعاء، ارتفاع وفيات الفيروس من الأطباء إلى 23.

وقال مدير الشبكة العربية لحقوق الإنسان، جمال عيد، إن السلطات ألقت القبض على ما لا يقل عن 500 شخص، من بينهم ناشطون ومحامون و11 صحفيا، مؤكدا أن "السلطات لا تريد أن ينقل أحد أي تقارير غير البيانات الرسمية".

ووسط تشكيك من قبل مراقبين ونشطاء بمواقع التواصل الاجتماعي، أعلنت وزارة الصحة أن "إجمالي الإصابات بفيروس كورونا بلغ حتى الخميس 20793 حالة، وإجمالي الوفيات 845 وفاة"، وذلك بحسب الأرقام الرسمية.

التعليقات (0)