هذا الموقع يستخدم ملف تعريف الارتباط Cookie
الكتاب: "اللاجئون والمهاجرون العرب في بؤر التوتر: دراسة في أسباب الهجرة غير الشرعية إلى أوروبا والعالم"
الكاتب: توفيق المديني
الناشر: الدار العربية للعلوم ناشرون ـ لبنان ـ بيروت.
الطبعة الأولى 2020 (عدد الصفحات 319 من الحجم الكبير)
لم يعد الفلسطينيون وحدهم من يحيون ذكرى نكبتهم في وطنهم الذي احتله الصهاينة عام 1948 وشردهم من ديارهم، فقد فعل استبداد الأنظمة العربية أيضا بالشعوب شيئا من هذا القبيل، إذ بسبب الاستبداد واستفحال الصراع السياسي، فضلا عن استمرار القوى الاستعمارية في الكيد للعالمين العربي والإسلامي، فقد اضطر ملايين العرب والمسلمين إلى ترك ديارهم هربا من جحيم الحروب حينا ومن ضيق مساحات الرأي حينا آخر، وهاجروا إلى أصقاع شتى في العالم بحثا عن الأمن والاستقرار.
رحلة الهجرة أو النزوح، لم تكن نزهة ولا رحلة طبيعية، وإنما هي أشبه بعملية اقتلاع، بما يعني ذلك من وجع سواء بالنسبة لبلد المصدر أو حتى لبلاد الاستقبال..
اللاجئون والمهاجرون العرب، هو موضوع الكتاب الجديد للباحث والكاتب التونسي توفيق المديني"، الصادر عن الدار العربية للعلوم ناشرون- لبنان- بيروت، ربيع العام 2020، تحت عنوان "اللاجئون والمهاجرون العرب في بؤر التوتر: دراسة في أسباب الهجرة غير الشرعية إلى أوروبا والعالم".. نعرض لأهم ما جاء فيه عبر ثلاث حلقات متواصلة..
في القسم الثاني من الكتاب، يتطرق الكاتب إلى أوضاع المهاجرين العرب ما بعد الربيع العربي في البلدان المغاربية، وحظيت دراسة الهجرة غير الشرعية من ليبيا إلى أوروبا باهتمام كبير.
الاتفاقات الليبية الإيطالية لمكافحة الهجرة غير الشرعية
تعد إيطاليا نقطة الدخول الرئيسة إلى الاتحاد الأوروبي بالنسبة إلى أولئك الذين يصلون عن طريق القوارب من ليبيا، وفي بعض الأوقات يتم الإبلاغ عن وصول كثير من الأفراد على متن قوارب قادمةٍ من البحر ومن ليبيا بالتحديد، وكذلك تشتكي مالطاً منذ (2002) بقدوم قوارب من ليبيا بها إعداد من المهاجرين نتيجة شدة الحصار من قبل حرس البحرية الإيطالية، فغيرت القوارب وجهتها إلى مالطا للدخول إلى الاتحاد الأوروبي، فمنذ (2002) حتى (2005) وصل (30.000) مهاجر إلى مالطا، وازدادت لهجة إيطاليا والدول الأوروبية على ضرورة حماية الحدود وعدم السماح للقوارب بالاقتراب من الشواطئ الأوروبية.
وقعت كل من إيطاليا وليبيا ثلاث اتفاقيات ثنائية لحل معضلة الهجرة غير الشرعية منذ بداية القرن الحادي والعشرين. فقد وقعت كل من إيطاليا وليبيا اتفاقية روما بتاريخ 13 كانون أول (ديسمبر) 2000، التي ركزت على قضايا متنوعة، لعل أبرزها محاربة الإرهاب، والجريمة المنظمة، والإتجار بالمخدرات، والهجرة غير القانونية. وعقدت كثير من الاجتماعات التي كانت على مستوى عالٍ بين المسؤولين الإيطاليين والليبيين، وكان النزاع بشأن الهجرة غير الشرعية يمثل عنصراً رئيساً من عناصر جدول الاجتماعات بين الطرفين، وهذه الاجتماعات اشتملت على توقيع اتفاقية في عام 2002 بين القذافي وبرلسكوني رئيس وزراء إيطاليا، لمحاربة الإرهاب والجريمة المنظمة وتجارة المخدرات والهجرة غير الشرعية، وفي عام 2003 تمت إقامة علاقة اتصال فيما يتعلق بالهجرة غير الشرعية والجريمة المنظمة، فقد أمدت الحكومة الإيطالية ليبيا بالتدريب والأجهزة على وجه الخصوص، للمساعدة في مراقبة الحدود وإدارتها، وتم القيام بعمل خطط من أجل استمرار هذا الدعم في عام (2005)، كما تعهد وزير الداخلية الإيطالي بمنح ليبيا 15 مليون يورو على فترة ثلاث سنوات، من أجل السيطرة على الحدود.
تشتكي مالطاً منذ (2002) بقدوم قوارب من ليبيا بها إعداد من المهاجرين نتيجة شدة الحصار من قبل حرس البحرية الإيطالية، فغيرت القوارب وجهتها إلى مالطا للدخول إلى الاتحاد الأوروبي،
كما أبرمت ليبيا معاهدة الشراكة والصداقة مع إيطاليا عام 2008، وهي اتفاقية تهدف إلى زيادة التنسيق والتعاون في مختلف الميادين، بما في ذلك قضية الهجرة غير الشرعية. وفي هذا الصدد، تؤكد معاهدة الصداقة المادة (19) التعاون في مكافحة الإرهاب والجريمة المنظمة وتجارة المخدرات والهجرة غير الشرعية.
1 ـ يكثف الطرفان التعاون القائم بينهما في مجال مكافحة الإرهاب والجريمة المنظمة وتجارة المخدرات والهجرة غير الشرعية طبقا لما نصت عليه الاتفاقية الموقعة في روما بتاريخ 13 ـ 12 ـ 2000 بالخصوص، واتفاقيات التفاهم الفنية اللاحقة، من بينها على الخصوص ما يتعلق بمكافحة الهجرة غير الشرعية وبروتوكولات التعاون الموقعة في طرابلس بتاريخ 29 ـ 12 ـ 2007 .
2 ـ بالنسبة لموضوع مكافحة الهجرة غير الشرعية ، يعمل الطرفان على إنجاز منظومة لمراقبة الحدود البرية الليبية تسند إلى شركات إيطالية تتوفر لديها الاختصاصات الفنية اللازمة، وستتحمل الحكومة الإيطالية 50% من التكاليف، بينما سوف يطلب الطرفان من الاتحاد الأوروبي أن يتحمل الـ 50 % الباقية، أخذاً في الحسبان التفاهم الذي تم في حينه بين الجماهيرية العظمى والمفوضية الأوروبية .
3 ـ يتعاون الطرفان في تحديد مبادرات ثنائية وإقليمية، في بلدان مصدر الهجرة للحد من ظاهرة الهجرة غير الشرعية .
الانقسام الليبي أثر سلبا على جهود مكافحة الهجرة غير الشرعية
وأخيراً، وقع رئيس حكومة الوفاق الوطني، فائز السراج مع نظيره الإيطالي، باولو جنتليوني في 19 شباط (فبراير) 2017 مذكرة تفاهم تهدف إلى مكافحة الاتجار بالمهاجرين غير القانونيين. وتؤكد الإتفاقية التي نشرت "بوابة الوسط" نسخة منها، تصميم البلدين على العمل لمواجهة كافة التحديات التي تؤثر سلبا على تعزيز السلام والأمن والإستقرار في البلدين بشكل خاص ومنطقة البحر المتوسط بشكل عام. كما تمت الإشارة إلى أن المذكرة تأتي "تأكيدًا على سيادة ليبيا واستقلالها وسلامتها الإقليمية ووحدتها الوطنية وعدم التدخل في شؤونها الداخلية".
تركزمذكرة التفاهم الإيطالية ـ الليبية لعام 2017 على ضرورة مواصلة الجهود السابقة بين إيطاليا وليبيا لمحاربة الهجرة غير الشرعية، وذلك مثل معاهدة عام 2008 التي تهدف إلى وقف الاتجار بالبشر من ليبيا إلى إيطاليا من ناحية، وأنها ترى الهجرة غير القانونية تحدياً خطيراً للاستقرار السياسي والأمني لكلا البلدين وعليه، فإن التوقيع والتصديق على مذكرة التفاهم وغيرها من الوثائق الأخرى يعزز الجهود المشتركة للتغلب على تلك التحديات السياسية والاقتصادية والاجتماعية.
كما تُعَدُّ مذكرة التفاهم خطوة أخرى إلى الأمام في عمليات معقدة للقضاء على الجرائم المنظمة، والاتجار بالمخدرات والهجرة غير الشرعية، وجعل البحر المتوسط أكثر أمناً وسلاماً وتشدد مذكرة التفاهم على أهمية الالتزامات الانفرادية، والثنائية والمتعددة الأطراف من جانب البلدين، وتتعهد إيطاليا في إطار هذه الاتفاقية بإنشاء ودعم مراكز احتجاز أو إيواء في الأراضي الليبية من أجل إقامة مؤقتة للمهاجرين غير الشرعيين، حتى يعودوا إلى أوطانهم، لكن هذا يعد مؤشراً خطيراً يضر بالأمن الوطني لليبيا التي يسعى الأوروبيون إلى جعلها موطناً دائماً للأفارقة، كما تتعهد إيطاليا أيضاً بدعم حرس الحدود الليبيين من أجل القضاء، أو التقليل من مستوى عملية الاتجار بالبشر من أفريقيا جنوب الصحراء.
وما دامت معاهدة الصداقة والشراكة بين البلدين لا تزال مفعلة، فإنَّ مذكرة التفاهم المشتركة تشير إلى ضرورة الانتهاء من بناء نظام مراقبة في الحدود الجنوبية الليبية، والمنصوص عليه في إطار معاهدة عام 2008. لكنَّ مكافحة الهجرة غير القانونية تتطلب أيضاً إسهام ودعم البلدان المتقدمة للتنمية الاقتصادية في الدول الإفريقية المصدرة للهجرة وعليه، فإن مذكرة التفاهم تنص على إنشاء وتمويل صندوق إيطالي للبلدان الإفريقية المصدرة للمهاجرين غير الشرعيين بقصد تمويل مشاريع اقتصادية أوروبية، يمكن من خلالها القضاء على عملية الاتجار بالبشر. وأخيراً، فإنَّ مذكرة التفاهم قابلة للتجديد بعد ثلاث سنوات، ويمكن إلغاؤها عندما يخبر أحد الأطراف الآخرين بذلك، قبل ثلاثة أشهر من عملية الإلغاء.
لكن الإشكالية الكبيرة تتجسد في عدم وجود حكومة ليبية موحدة يمكنها الالتزام بما ورد في مذكرة التفاهم للحد من الهجرة غير الشرعية، وهذا ما يجعل إيطاليا تكثف من اتصالاتها بحكومتي الغرب والشرق الليبيتين من ناحية، وتؤيد إجراء انتخابات لعلها تسفر عن تشكيل حكومة موحدة يمكنها التعامل بجدية مع ملف الهجرة غير الشرعية من ناحية أخرى.
إقرأ أيضا: قراءة في خارطة اللاجئين والمهاجرين العرب عالميا (1 من 3)
إقرأ أيضا: قراءة في خارطة اللاجئين والمهاجرين العرب عالميا (2من3)