هذا الموقع يستخدم ملف تعريف الارتباط Cookie
عقد منتدى التواصل الأوروبي الفلسطيني ـ يوروبال فورم (لندن) ندوة أونلاين على منصة ZOOM في الذكرى الثانية والسبعين للنكبة الفلسطينية، سلط فيها الضوء على تداعيات النكبة وعلى خطورة الفكر الصهيوني الذي تعكسه ممارسات دولة الاحتلال، وعلى أحدث مظاهرها المتمثل بالتهديد بضم الأراضي في الضفة الغربية المحتلة.
تحدث في الندوة، التي جرت وقائعها يوم الجمعة الماضي، كل من البروفيسور المؤرخ إلان بابيه ـ أستاذ العلوم الاجتماعية في جامعة إكستر، ومؤلف كتاب "التطهير العرقي في فلسطين"، والدكتور يوسف جبارين ـ عضو الكنيست عن القائمة العربية (الفلسطينية)، والدكتور سلمان أبو ستة ـ رئيس الهيئة العامة للمؤتمر الشعبي لفلسطينيي الخارج، ومؤسس هيئة أرض فلسطين والخبير في شؤون حق العودة ومؤلف أطلس فلسطين، والدكتور حاتم بازيان ـ أستاذ دراسات الشرق الأدنى في جامعة كالفورنيا ـ بيركلي، ومستشار سابق للشؤون الدينية والسياسية والعولمة في جامعة كاليفورنيا.
وركز المتحدثون في الندوة على عملية تهجير الفلسطينيين عام 1948 باعتبارها نتيجة حتمية للفكر الصهيوني الاستعماري والذي ما زال يحكم دولة الاحتلال التي تهدد بعملية الضم الوشيك لحوالي 30% من أراضي الضفة الغربية.
افتتح الندوة عبر الإنترنت مسؤول العلاقات العامة في المنتدى، روبرت أندروز، والذي أشار في ملاحظاته التمهيدية إلى أن الندوة تعتبر جزءا من مجموعة واسعة من المبادرات التي ينظمها ويشارك فيها منتدى التواصل (يوروبال) للتشجيع على فهم أكثر شمولًا للتطورات السياسية في فلسطين. وأكد أن ذكرى النكبة تعتبر مناسبة مهمة لمناقشة مظاهر النكبة المستمرة، والتي من أهم ملامحها عملية نزع ملكية الفلسطينيين كما هو واضح اليوم مع قرار الضم الوشيك للأرض الفلسطينية في الضفة الغربية.
المتحدث الأول في الندوة، البروفيسور إيلان بابيه، المؤرخ والأستاذ في جامعة إكستر، ركز على العلاقة بين الصهيونية ونزع الملكية من الفلسطينيين، وعلى ديناميكيات "النكبة الجديدة" في فلسطين.
بدأ بابيه بالإشارة إلى أن الحركة الصهيونية وصلت إلى فلسطين في أواخر القرن التاسع عشر مع أيديولوجية استعمارية واضحة تضم أكبر مساحة ممكنة من فلسطين مع أقل عدد ممكن من الفلسطينيين. ولذلك، فإن الحركة الصهيونية، كما أشار بابيه، "لم تتوقف أبدًا عن التفكير في نقل الفلسطينيين وطردهم وانتظرت اللحظة التاريخية المناسبة لتنفيذ هذه الرؤية".
وقال بابيه إن هذه الفرصة جاءت مع نهاية الانتداب البريطاني عندما سارعت الحركة الصهيونية في تطبيق عمليات الإبعاد المنهجي للفلسطينيين من أراضيهم. ولكن عدم استكمالها للمهمة عام 1948 مع استمرار وجود إسرائيل كمشروع استعماري استيطاني يوضح للجميع أسباب الإجراءات الإسرائيلية ضد الفلسطينيين حتى اليوم بما في ذلك قرار الضم الوشيك للضفة الغربية.
ثم تحدث عضو الكنيست الدكتور يوسف جبارين عن ديناميكيات "النكبة الجديدة" مؤكدا أنه بينما نناقش الضم "الوشيك" للضفة الغربية، فإن عملية الضم يتم تحقيقها بالفعل على أرض الواقع من خلال العديد من القوانين الإسرائيلية. وأشار جبارين إلى أن البدء بتطبيق القانون الإسرائيلي على المؤسسات الأكاديمية في الضفة الغربية كواحد من القوانين التي تم تمريرها مؤخرا يوضح أن الضم يطبق فعليا على أرض الواقع.
وأشار جبارين إلى أن السؤال المطروح في أوساط صانعي القرار الإسرائيليين هو ما إذا كانت هناك حاجة بالفعل لإعلان الضم أم أنه يمكن تحقيقه بالكامل من خلال هذه الإجراءات التدريجية. وأوضح جبارين أن رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو يأمل في كسب نقاط سياسية من خلال الإعلان الرسمي عن الضم مستغلا الوضع الدولي والمحلي الراهن. وخاصة أن قوة الحكومة الإسرائيلية الجديدة وانشغال العالم بأزمة فيروس كورونا ووجود ترامب في البيت الأبيض كلها عوامل مشجعة على اتخاذ هذه الخطوة، كما أن قرار الضم الرسمي سيصرف الانتباه عن التهم الجنائية الموجهة ضده.
المتحدث الثالث كان الدكتور سلمان أبو ستة رئيس الجمعية العامة للمؤتمر الشعبي للفلسطينيين في الخارج ومؤسس جمعية الأرض الفلسطينية الذي تحدث عن الاعتداءات الصهيونية المتعددة على الفلسطينيين خلال 150 سنة من التاريخ الاستعماري الصهيوني. وقال إن المشروع الصهيوني والنكبة هما أكثر المشاريع الاستعمارية تمييزًا في العالم، وأنها دراسة حالة استعمارية قائمة بذاتها في القرن العشرين.
وأوضح أبو ستة أن النكبة شكلت حملة منهجية تم فيها "إخلاء 560 قرية من أهلها ضمن حملة عسكرية منظمة شاركت فيها 9 ألوية مكونة من 120000 جندي. وأكد أبو ستة إلى أن النكبة لم تكن مجرد سلسلة من جرائم الحرب ولكنها كانت مصحوبة ومدعومة بمجموعة من عمليات الخداع والتحايل غير المستخدمة في المشاريع الاستعمارية الأخرى. واستشهد أبو ستة بكذبة أن فلسطين كانت "أرضًا بدون شعب" والتي روج لها الصهاينة وزورت الواقع تمامًا، مشيرا إلى بحث علمي استقصائي موسع أجراه باحثون بريطانيون وفرنسيون أكد بأن فلسطين كانت مكتظة بالسكان قبل قيام دولة الاحتلال الإسرائيلي.
وفي ختام مداخلته، أشار أبو ستة إلى أنه في ظل عملية التهجير ونزع الملكية الممنهج، فإن رفض حق العودة للفلسطينيين هو موقف غير أخلاقي وغير قانوني. ولفت إلى دراسته العلمية التي تؤكد بأن 87% من اليهود الإسرائيليين يعيشون في 12% فقط من مساحة إسرائيل. ما يعني إمكانية عودة اللاجئين الفلسطينيين واستيعابهم في أرضهم، وأن ذلك لن يؤدي إلا لنزوح طفيف للغاية لنسبة قليلة من السكان الحاليين لدولة إسرائيل، وهو "ثمن قليل يجب دفعه مقابل 72 عامًا من الموت والدمار للفلسطينيين". كما قال.
المتحدث الأخير هو الدكتور حاتم بازيان، المحاضر في جامعة كاليفورنيا-بيركلي، الذي ركز في حديثه على مستقبل موقف المجتمع الدولي بشأن فلسطين في ضوء الوضع الراهن والتطورات المستجدة. وقال إن تهجير الفلسطينيين ونزع ملكيتهم عن أرضهم لا ينبغي النظر إليه كمشروع صهيوني فقط، بل يجب اعتباره مشروعًا صهيونيًا وأوروبيًا وأمريكيًا مشتركا. وأكد بازيان أن هناك "نزعة مستمرة في صلب الخيال السياسي اليميني مرتبطة بما يسمى خسارة الشرق". هذه الفكرة، وفقا لبازيان، تعكس التفكير اليميني في جميع أنحاء أوروبا وتركز على فكرة أن "الشرق" قد ضاع للعالم الإسلامي. وفي هذا السياق، يرى بازيان أن إعادة تشكيل الدعم للصهيونية في الغرب هو "تقاطع أيديولوجي ولاهوتي يحلم بإمكانية استعادة الشرق"، وذلك يوضح بشكل كبير الدعم الأمريكي للصهيونية وكذلك "الخطاب المزدوج" للأوروبيين في ما يتعلق بفلسطين.
وفي سياق الحديث عن عملية الضم، أشار بازيان إلى الهيمنة المتزايدة للمسيحيين الانجيليين والذي أدى إلى ظهور دعوات متزايدة في الولايات المتحدة إلى إعادة بناء الوطن القومي لليهود في كل فلسطين. وهو ما يظهر أيضًا في التحول الأوروبي الأوسع نحو اليمين والمعارضة لحقوق الإنسان الفلسطينية والتضييق عليها في أوروبا، وبالتالي فإن نتنياهو، في هذا السياق، يسعى إلى استثمار هذا الواقع لتأكيد "المرحلة النهائية" من تجريد الفلسطينيين لملكيتهم على أرضهم.