هذا الموقع يستخدم ملف تعريف الارتباط Cookie
انتقد
الرئيس السابق للاتحاد الوطني للأطباء الفيدراليين في فرنسا، فرانسوا دوروش، قيام بعض
الدول بتخفيف القيود الخاصة بمواجهة جائحة كورونا، واعتزامها إعادة الحياة إلى
طبيعتها بشكل تدريجي، قائلا: "هذه خطوات مندفعة وخطيرة وأشبه بلعبة القمار،
لأنها قد تعود على البشرية جميعها بعواقب وخيمة، لأننا نتحدث عن وباء يستطيع قتل
أعداد هائلة من البشر".
وطالب،
في الحلقة الثانية والأخيرة من مقابلته مع "عربي21"، دول العالم الأعضاء
في منظمة الأمم المتحدة بالقيام بواجبهم المالي تجاه منظمة الصحة العالمية لتعويض
الفجوة التي أحدثها دونالد ترامب في ميزانيتها عقب سحبه التمويلات الأمريكية، وهي
الخطوة التي اعتبرها "خطوة كارثية على تطور الوباء ومحاولة السيطرة عليه".
وأكد
دوروش، وهو خبير الوبائيات والأمراض المعدية، وأحد العاملين بالأطقم الطبية في باريس،
أن "جائحة كورونا أثبتت هشاشة النظم الاقتصادية والصحية في كثير من دول
العالم، وكشفت عن خلل في النظم الإدارية للأزمات"، مشدّدا على أن "أي
علاج ناجع لهذا الوباء لن يتوفر أو يُكتب له النجاح بدون الإشراف الكامل والمركزي
لمنظمة الصحة العالمية".
وتاليا نص الحلقة الثانية والأخيرة من المقابلة:
هناك مخاوف من "موجة ثانية" من الإصابات بفيروس كورونا.. فما مدى احتمالية حدوث موجة جديدة؟
الأمر
ليس احتماليا. لقد سُجل بالفعل ازدياد طردي متعال لحالات الإصابات بفيروس كورونا
في ما يسمى بالموجة الثانية في ألمانيا بعدما قرروا فتحا محدودا للأسواق والرجوع إلى ما
قبل كورونا. وكذلك بدأت الصين في تسجيل بعض الحالات للإصابات بعدما خففوا الحجر. صحيح
أن أرقام الصين أقل بكثير مما أعلنته ألمانيا، ولكن المراقب لتقارير النظم
الشمولية القمعية يعلم أن أرقام الصين سوف تكون دائما أقل بكثير من الحقيقي.
في
أمريكا تقدم مدير المعهد الأمريكي للحميات والأمراض الوبائية الدكتور أنثوني
فاوتشي بشهادته لمجلس الشيوخ بشأن وباء كورونا. الدكتور باعتباره خبيرا في مجال
الوبائيات قال إنه من المبكر رفع الحجر الصحي عن الأمريكيين وفتح الأسواق والعودة
للعمل، لأن هذا سوف يكون كارثيا ويحمل احتمالات مرعبة قد تودي بحياة الملايين من
الأمريكيين.
إن
حدثت موجة ثانية لهذا الوباء العُضال فسوف يكون بسبب جهل الكثيرين ممن يفاضلون بين
لقمة العيش، المتاحة بطريقة وأخرى، وبين الموت المحقق في حال خرج هذا الوباء عن
السيطرة كما يرى المختصون في مواجهة السياسيين الذين يسيطر عليهم الجشع وعبادة
المال.
لكن بعض الدول – ومنها فرنسا- قامت بتخفيف القيود وتعتزم إعادة الحياة إلى طبيعتها بشكل تدريجي.. فما مدى خطورة تلك الخطوة؟ وما هي انعكاساتها؟
أنا
في رأيي الطبي هذه خطوات مندفعة، ويؤيد ذلك الكثير من الأطباء في تصريحاتهم
المتلاحقة في وجه الدعوات غير المسؤولة لرفع الحجر الصحي بشكل غير منضبط. لا شك أن
هذا الاندفاع قد يعود على البشرية جميعها بعواقب وخيمة. نعم، أتفهم أن الاقتصاد
يعاني والكثير من الناس غير قادرين على الخروج للبحث عن لقمة العيش لأسرهم، وكذلك
الأبناء محبوسون في منازلهم بعيدا عن مدارسهم وجامعاتهم، ولكننا نتحدث عن وباء
يستطيع أن يقضي على البشرية كلها أو يقتل أعدادا هائلة من البشر.
أعلم
أن البعض يرى في النظافة الزائدة، وحبس الناس في بيوتهم، وسيلة تقلل من انتشار
الوباء. ولكن هناك من ينظرون إلى الجانب الآخر، وهو ما أطلقوا عليه "مناعة
القطيع"، ويبدو أن هذه النظرة تتعاظم وهي الدافع لكثير من البلدان للبدء بالرجوع
إلى حياة ما قبل كورونا. هم يعلمون أن أعداد الإصابات بفيروس كورونا سوف تتطور
بأعداد كارثية. ولكن في غياب مصل لقاح فهم يريدون أن تقوم أجسام البشر بهذه
العملية وإنتاج المضادات، وهي نظرية خطيرة وغير علمية.
مع
الأسف هذه الخطوة خطيرة وأشبه بلعبة القمار. أنت تغامر بالنزول وترك الناس لتتعرض
للمرض على أمل أنهم سوف يتعافون منه، لكن هذه ليست الصورة الصحيحة. سوف يسقط
الملايين من القتلى جراء هذه النظرة التي يحركها السياسيون وأصحاب الأموال
والشركات الجشعون كأمثال الرئيس التنفيذي لشركة "تسلا" إيلون ماسك،
وترامب، ورئيس وزراء بريطانيا، وغيرهم، وليس الأطباء والباحثين المتخصصين الذين
يدفعهم الحرص على صحة الناس والمصلحة العامة لدق نواقيس الخطر.
لو
كانت سياسات القطيع ومناعته كافية لما كان العالم استثمر المليارات في اللقاحات
للأمراض المختلفة، ولتركنا الناس تمرض وتتعافى، ولكن المتابع للأوبئة في التاريخ
يعلم أن العواقب وخيمة، وفي حالة خروج الناس بالفعل لتمارس حياتها وتتعايش مع
الفيروس فإننا ننتظر ملايين من الوفيات، ولن يفرق الموت بين الأغنياء في الدول
المتقدمة والفقيرة؛ فنحن جميعا نتساوى في قلة أو انعدام الأسرة الطبية، والتي لن
تتوفر لهذه الملايين من الإصابات.
أنا
لا أتمنى الخراب للبشرية، ولكن على العقلاء التدبر والصبر على هذا الوباء حتى
يتوفر المصل المقاوم لهذا الوباء. والأنباء المتتالية من دول قامت بالفتح المبكر
تثبت كلامي مثلما تردد عن ارتفاع ملحوظ للإصابات في ألمانيا. والكل يعلم مدى جدية
ألمانيا في التصدي لهذا الوباء فما بالك في بلاد أخرى يحكمها السيسي وترامب!
وما سبب انتشار الوباء بكثرة في أمريكا وبعض دول أوروبا بينما لا يزال محدودا إلى حد كبير في بعض الدول الأفريقية والعربية؟
هذا
سؤال محير بالفعل، حيث يرجح البعض سبب سرعة الانتشار في الدول المتقدمة إلى كثرة
التنقل والسفر، ولكن هذه نظرية أثبتت فشلها، حيث رأينا ظهور أكثر من نوع متحور من
هذا الفيروس القاتل، مما يرجح تعدد مصادر العدوى للمريض الأول.
وما زال
الباحثون ينظرون في الأسباب الحقيقية لتفاوت أرقام الإصابات. البعض كذلك يرجح عدم
الشفافية في دول مثل مصر التي كانت لوقت قريب تنكر دخول الوباء إليها بزعم أن الله
يحمي هذا البلد أو لأن المصريين يكثرون من شرب الشاي الساخن، وزعم بعضهم أن مثل
هذه الأطعمة والمشروبات لها دور مقاوم لمثل هذه الأمراض، لكن علميا هذا مجرد خرافة
أو خزعبلات لا أساس علميا لها. ودليل ذلك أنه بعدما خرجت أرقام الإصابات بوباء
كورونا عن السيطرة وما عاد بقدرة نظام الانقلابي السيسي التكتم عليها خرجت وزيرة
الصحة المصرية تلوم الشعب المصري وتتهمه بالإهمال وأنه سبب انتشار الوباء.
إن
تعلمنا شيئا من هذه التطورات فهو أن الوباء قد ينتشر في منطقة ما بسبب كثافتها
السكانية ورداءة النظافة الشخصية والغذائية لشعبها ثم تنتقل لشعوب أخرى لأسباب
متنوعة منها سوء الإدارة، كما في نظام مصر وفساده السياسي وانعدام الأخلاق والقيم الأساسية
التي تحتم على قائد الانقلاب وأمثاله حماية المواطن والحرص على سلامته.
كيف ترى الدور الذي قامت به الأطقم الطبية في أزمة كورونا؟ وهل سيتم النظر لها بعين مختلفة وبالتقدير المناسب بعد تجاوز تلك الأزمة؟
كأحد
هذه الطواقم الطبية، فأنا لا أرى أن ما فعلناه وما زلنا نفعله هو خارق للعادة. نحن
أناس مدربون على خدمة البشرية والسهر على راحتها وصحتها، ونفعل ذلك بدافع إنساني
معطاء بحت. نحن أمام وباء خطير لا يفرق بين أطقم طبية وأناس عاديين، وعندما نقوم
بمكافحة هذا الفيروس فإننا نحمي أنفسنا وأطفالنا وأهلنا وجيراننا والجميع.
أتفهم
المشاعر الجياشة التي يظهرها الكثيرون تجاهنا وشكرهم لنا، ولكن الطبيب كان وسيستمر في القيام بعمله بأشد صور نكران الذات يشاركه هذه المسؤولية كل أفراد الطواقم الطبية
من مسعفين وممرضين، وحتى الأشخاص الذين يقومون بتنظيف وتعقيم المستشفيات يقدمون
خدمة إنسانية رائعة لا يسعنا إلا أن نتقدم للجميع بالشكر والعرفان آملين أن يجد
العلم الحديث دواءً ناجعا لهذا الوباء، وكذلك لقاحا حتى لا تهاجمنا موجة ثانية
وثالثة من هذا المخلوق غير المرئي، والذي سبّب المآسي والألم للملايين عبر الكرة
الأرضية.
واسمحوا
لي بالمقابل أن أستنكر بعض الأفعال الشاذة التي قام بها الجهلاء في مناطق مختلفة
من العالم سواء في مصر أو أمريكا عندما هاجموا الممرضين والأطباء متخوفين منهم. إذا
كنتم تلومون الطبيب وتحذرون التواصل معه مخافة انتقال العدوى إليكم فالأمر بسيط. ليجلس
الطبيب في بيته وعالجوا أنتم أنفسكم من الداء. لكنه يحزنني أن أرى أناسا يتهمون الأطباء
والمسعفين ويرفضون في بعض الحالات دفن جثامينهم. هذا أمر مؤسف وكما أظهر هذا
الوباء جوانب مشرقة من قلوب البشر، إلا أنها كذلك ألقت الضوء على عادات غذائية
وصحية واجتماعية رديئة، وكذلك على قلوب مسودة مظلمة.
مؤخرا، قرر الرئيس الأمريكي، دونالد ترامب، تعليق المساهمة المالية التي تقدمها الولايات المتحدة إلى منظمة الصحة العالمية، بسبب ما وصفه بـ "سوء إدارة" المنظمة، التابعة للأمم المتحدة، لأزمة تفشي فيروس كورونا.. فكيف تابعت هذا الأمر؟ وما تقييمكم لأداء منظمة الصحة العالمية؟
مع
الأسف ترامب مهتم بحملته الانتخابية وفرص نجاحه في الانتخابات الرئاسية المقبلة،
ولا يكاد يلقي بالا للأزمة الصحية وتبعاتها، إلا بالقدر الذي يؤثر على حملته
الانتخابية، وربما كذلك مصالحه ومصالح عائلته المالية هو ومعارفه.
المتابع
لهذا الرجل المثير للجدل والحاد الطباع يجده دائما ما يلقي باللوم على غيره للتخلص
من تبعات فشله. في أول الأزمة قام الرئيس ترامب باتهام الصين بأنها قامت بتصنيع الجرثومة
وبثها في بلاده كخطوة عدوانية ضدهم. وعاد من جديد يتهمهم بهذا ويتهم الصين
بالتواطؤ مع الحزب الديمقراطي في بلاده لإفشاله في الانتخابات التي ستقام في آخر
هذا العام.
عندما
نظر ترامب إلى الخسائر الاقتصادية الفادحة للاقتصاد، وتأثيرها السلبي على شركاته الخاصة
وفرصه الانتخابية، وتحت اللوم من الكثير من القوى الأمريكية لوصفه لميكروب الكورونا
بأنه "الفيروس الصيني" ما كان منه إلا نقل أصبع الاتهام إلى جهة أخرى
ووصفها بالتقصير، وهي منظمة الصحة العالمية التابعة للأمم المتحدة. فعل هذا كي لا
يواجه المجتمع الأمريكي الذي لامه أشد اللوم على فشله في التحرك عند أول مؤشر
للوباء.
وسحب
التمويلات الأمريكية من منظمة الصحة العالمية ما هي إلا خطوة سياسية أمريكية، ومع
الأسف هي خطوة كارثية على تطور الوباء ومحاولة السيطرة عليه. فالجميع يعلم دور
منظمة الصحة العالمية في التنسيق بين الدول والحيلولة دون تحول هذه الكارثة إلى
فاجعة يروح ضحيتها ملايين البشر، ولكن يبدو أن ترامب أراد كذلك نسف هذه المنظمة المركزية
في وقت نواجه جميعنا هذا الوباء. وفي غياب هذه الوحدة المركزية سيتوجب على كل دولة
التعامل مع الوباء بشكل انفرادي. رأينا أن ترامب قام بإغلاق حدود بلاده وحظر
الهجرة بكل صورها ثم قام بإصدار قرارات تخول للولايات التعامل منفردة مع الوباء في
بلاده. هل ينجح وحده؟ الأيام وحدها سوف تظهر مدى تضرر الجميع من هذه التصرفات غير
المسؤولة.
كل
هذه تصرفات غير واعية يحركها هوس انتخابي عند رجل لا يهمه إلا مصلحته الشخصية، وهو
الذي حرض المناصرين له ليخرجوا تحت حماية أسلحتهم الخاصة والتعديل الثاني للدستور
الأمريكي، كي يجبروا الحكام على فتح الولايات للعمل من جديد. ولا شك أن رجلا يستمع
لمناصريه من منتجي مواد التطهير الصناعي كالكلور لن يتورع بفعل أي شيء لتخطي هذه
العقبة التي يراها الحائل دون تربعه على عرش جمهورية الولايات المتحدة كملك غير
منازع لفترة رئاسية ثانية وربما أكثر، وقد صرح بمثل هذه الرغبة مرات متكررة.
نحن
نطالب بقية دول العالم الأعضاء في منظمة الأمم المتحدة القيام بواجبهم المالي تجاه
منظمة الصحة العالمية لتعويض الفجوة التي أحدثها ترامب في ميزانيتها وقدرتها على
التعامل مع الوباء. لا أظن أن أي علاج ناجع لهذا الوباء سوف يتوفر أو يكتب له
النجاح بدون الإشراف الكامل والمركزي لمنظمة الصحة العالمية.
ما هي تداعيات أزمة كوفيد-19 على الأوضاع في أوروبا والعالم؟
الجائحة
الصحية هذه أثبتت هشاشة النظم الاقتصادية والصحية في كثير من دول العالم، وكشفت عن
خلل في النظم الإدارية للأزمات. رأينا الكثير من الشركات والدول تقوم بخطط إجلاء
وتدريبات على كوارث طبيعية أو للتصدي لعمليات إرهابية وحروب، إلا أن تدريباتها
وتحضيراتها هذه لم تقدم الفوائد المرجوة لهذه التدريبات في الميدان العملي، حيث
أصاب العالم أجمع هلع كاد يشل الجميع ويقضي على قدرتهم على مواجهة هذا الوباء.
وللعلم
فإن هذه ليست المرة الأولى، ولا الفريدة، لحدوث مثل هذا الوباء العالمي، حيث كان
هناك في بداية القرن العشرين وباء الإنفلونزا الإسبانية، إلا أن الحيرة والصدمة،
وكأن الغرور الغربي، جعله من المستحيل مواجهة مثل هذا الوباء، ولسان حالهم يقول: كيف
يحدث لنا هذا وعندنا كل التقدم العلمي والتكنولوجي والاستعداد الذي لم تصل إليه
البشرية منذ خُلقت؟
هل ترى أن هناك أمورا إيجابية لأزمة كورونا أم إن جميع آثارها سلبية؟
الكثير
من الناس أصابتهم هذه الجائحة بصدمات نفسية وزادت إحساسهم بالعزلة أو راكمت ما كان
لديهم من مخاوف وأمراض مرجعها للعزلة الاجتماعية في المجتمعات الغربية. وهؤلاء هم
شريحة وراء الدعوات المتزايدة بالعودة إلى العمل والخروج من هذه السجون الشخصية
التي فرضها عليهم مرض فيقارن الكثيرون بين الموت بحرية وسلب الحرية للحصول على
السلامة.
أين
ما كانت هذه الانعكاسات للجائحة، إلا أنها قد خلقت فرصة غير مسبوقة للأزواج
والزوجات، وكذلك العائلات، أن يتعايشوا في ظروف مميزة وغير تقليدية، حيث جعلتهم
يشعرون بأن الموت وفقد الأحبة شيء قد يحدث وممكن حدوثه فجأة، وأن الطب الحديث لن
يمنعهم من خسران أحبتهم في طرفة عين. وهذا كان بمثابة التنبيه للكثيرين لينظروا
إلى الجوانب الأخرى للحياة، فإن الدنيا ليست فقط للعمل بدون توقف والركض المتواصل
وراء كل مثير ومشوق أو لجمع المال بلهث شديد. ثم أن العائلات التي كانت توكل غيرها
بالاهتمام بأولادهم، إن كان في المدارس أو المراكز الترفيهية والرياضية، وجدوا
أنفسهم متكفلين بترفيه أولادهم وتعليمهم والسهر على راحتهم.
وهناك
الكثير من الناس الذين تحولت نظرتهم إلى داخلهم فراحوا يراجعون نمط حياتهم،
وينظرون إلى سر الوجود؛ فازداد البعض اقتناعا بوجود خالق لهذا الكون، وإلا إن كنا
نحن من نطور ونخلق ما حولنا فكيف عجزنا بكل ما وصلنا إليه من تفوق علمي وقوة غير
مسبوقة إلى هذا العجز التام وتحولنا إلى سجناء لداء لا نراه بالعين المجردة؟، لابد
أن هناك قوة خلقت هذا الكون ووجدت في هذه الجائحة فرصة لنا أن نتوقف عن اللهث وراء
القوت، والاختلاء بأنفسنا، والعمل على جوانب أخرى من إنسانيتنا لم نكن نهتم بها
مسبقا.
كثيرون
هم المتفهمون لهذه البلوة البشرية ولذا نجد تعاظما في الجهود الخيرية للكثير من
المجتمعات، وحتى محاولات التواصل بين الجيران في مجتمعات ربما كان من المعتاد
سابقا أن تخرج فترى جارك فلا تبادره بالتحية، لأن كل إنسان مشغول بذاته. أم اليوم
فصار الآخرون وصحتهم جزء من صحة وحياة العقل الجمعي للمجتمع.
ما هو آخر ما توصلت إليه جهود العلماء في البحث عن علاج لمصابي كورونا؟ وأين فرنسا من تلك الجهود؟
لا
يوجد مصل ولا علاج مجرب وفعال حتى الآن، وإلا ما رجعت الحكومات إلى تمديد قراراتها
بالعزل والتباعد الاجتماعي. هناك بعض التجارب المخبرية في شركات مختلفة، ولا أريد
أن أجعل هذه المقابلة حيزا إعلانيا لهم، وقد تسرع البعض في السابق وشجعوا على
استخدام بعض العقاقير القديمة لأمراض أخرى فلم تثبت نجاعتها مع هذا الوباء المستجد.
الجميع
في الانتظار لمصل يضع حدا لهذه الجائحة، إلا أننا نرى أنه في بعض البلدان بدأت
المخابر الطبية باستخدام الأجسام المضادة من بعض المتعافين من الفيروس لعلاج المرض،
ولكن هذا كله يظل بشكل تجريبي وعلى نطاق ضيق. يقول بعض المتخصصين إنه لن يكون هناك
مصل فعال ومجرب قبل عام أو ربما عامين. لذا علينا التعاون بشكل صحي وغير مادي
للحيلولة دون تردي الصحة العامة، بينما ننتظر مثل هذا العلاج المحتمل.