هذا الموقع يستخدم ملف تعريف الارتباط Cookie
نشرت مجلة "فورين أفيرز" مقالا للأكاديميين نيلز كارلسون،
وتشارلوتا ستيرن، ودانيال كلين، قالوا فيه إن الصين فرضت الإغلاق على 50 مليون شخص
في إقليم ووهان في كانون ثاني/ يناير، ثم تبعتها العديد من الديموقراطيات
الليبرالية حول العالم.
ومع منتصف شهر آذار/ مارس قامت كل دول منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية
تقريبا بفرض توليفة من الإغلاقات على المدارس والجامعات وأماكن العمل والنقل العام
وقيود على النشاطات العامة وحدا للسفر المحلي والدولي. ولكن هناك دولة في الغرب
كانت هي الاستثناء.
وبدلا من إعلان الإغلاق أو حالة الطوارئ، طلبت السويد من مواطنيها ممارسة
التباعد الاجتماعي بشكل طوعي. وقامت السلطات السويدية بفرض بعض القيود المصممة
لتسطيح المنحنى؛ مثل منع الاجتماعات العامة لأكثر من 50 شخصا، وإغلاق البارات وفرض الدراسة عن بعد مع تجنب فرض ضوابط قاسية
وغرامات واستخدام للشرطة، بحسب ما ترجمته "عربي21".
لقد غير السويديون تصرفاتهم ولكن
ليس بنفس عمق التغيير الذي مر به مواطنو الديمقراطيات الغربية الأخرى. بقي الكثير
من المطاعم مفتوحا، مع أن الحركة عليها قليلة والأطفال الصغار بقوا في المدارس.
وعلى عكس جارتها النرويج (وبعض الدول الآسيوية) لم تستخدم السويد تكنولوجيا أو
برمجيات التعقب، فتجنبت تهديد الخصوصية والاستقلالية الشخصية.
ولم تعلن السلطات السويدية رسميا الهدف بالوصول إلى مناعة القطيع، والتي
يعتقد معظم العلماء بأنه يتم الوصول إليها عندما يصاب 60% من الشعب بالفيروس. ولكن
تحسين المناعة يشكل بدون شك جزءا من استراتيجية الحكومة الأوسع، أو على الأقل هي
النتيجة المحتملة لإبقاء المدارس والمطاعم ومعظم الأعمال مفتوحة.
ويقدر الدكتور أندريس تيغنيل، رئيس قسم الأمراض المعدية في وكالة الصحة
العامة، بأن مدينة ستوكهولم ستصل إلى مناعة القطيع هذا الشهر. وبناء على النمط
الجديد للتصرفات الاجتماعية فإن الإحصائي توم بريتون يقدر بأن 40% مناعة في العاصمة قد تكون كافية
لوقف انتشار الفيروس هناك وأن ذلك قد يحصل مع منتصف حزيران/ يونيو.
وأشيد بالسويد من البعض لحفاظها على إبقاء حالة الاقتصاد عادية إلى حد ما
وفي نفس الوقت إبقاء عدد الوفيات محدودا مقارنة بعدد السكان. ولكن تم انتقادها من آخرين
لتجاوز وفياتها بالنسبة لعدد سكانها دولا شمالية أخرى وخاصة فشلها في حماية كبار
السن والمهاجرين.
ويشكل الأشخاص الذين يحصلون على
خدمات التمريض وخدمات كبار السن أكثر من 50% من ضحايا مرض كوفيد-19 في السويد، بحسب تيغنيل، وذلك جزئيا لأن الكثير من
المرافق تأخرت في تطبيق إجراءات وقاية مثل استخدام الكمامات.
كما عانى المهاجرون أكثر من غيرهم، بسبب كونهم في المعدل أفقر من المتوسط
وبشكل عام يعملون في قطاع الخدمات، حيث العمل عن بعد غير ممكن. ولكن السلطات السويدية
احتجت بأن معدلات الوفيات الأعلى ستبدو أقل نسبيا في المستقبل. فجهود احتواء
الفيروس محكوم عليها بالفشل في الكثير من البلدان، وسيصاب عدد كبير من الناس في
النهاية. وعندما يعاني العالم من الموجة الثانية ستكون السويد قد مرت بالأسوأ.
ولم يكن التعامل السويدي مثاليا ولكنه نجح في تعزيز المناعة بين الشباب ومن
هم بصحة جيدة واستطاعت في نفس الوقت تسطيح المنحنى. ولم تعانِ وحدات الرعاية
المكثفة في المستشفيات من حمل أكبر من طاقتها، ولم يضطر العاملون في المستشفيات أن
يتحملوا مسؤولية رعاية الأطفال بشكل إضافي لأن مدارس الصغار ودور الحضانة استمرت
في العمل.
وتحاول العديد من البلدان الأخرى، سواء تبنت المقاربة السويدية علنا أم لا،
أن تقلد نواحي منها. فقامت كل من الدنمارك وفنلندا بفتح المدارس للأطفال. وألمانيا
سمحت للحوانيت الصغيرة أن تفتح ثانية. وستعيد إيطاليا فتح الحدائق العامة قريبا
وتخطط فرنسا للسماح لبعض الأعمال غير الضرورية أن تفتح ثانية، بما في ذلك أسواق
المزارعين والمتاحف الصغيرة بالإضافة للمدارس ودور الحضانة.
وفي أمريكا، التي مات فيها أكبر عدد من مرض كوفيد-19، ستقوم عدة ولايات
بتخفيف القيود بناء على توصيات من الرئيس دونالد ترامب، والذي بالرغم من انتقاده
للنموذج السويدي، يدفع بالبلد نحو شيء مماثل.
وهناك أسباب لجعل البلدان تبدأ بتخفيف القيود. سيستغرق الأمر عدة سنوات لجمع
أعداد الموتى وحالات الإفلاس وفقدان الوظيفة وحالات الانتحار والمشاكل النفسية
والخسائر في إجمالي الناتج المحلي لكل بلد والاستثمارات والتكاليف الأخرى المتعلقة
ليس بالفيروس فقط ولكن بالإجراءات التي اتخذت لمكافحته. ويجب أن يكون واضحا بأن
التكلفة الاقتصادية والاجتماعية للإغلاق ضخمة: فتقديرات منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية
تشير إلى أن كل شهر من القيود بسبب الجائحة سيقلص اقتصاد الدول المتقدمة بنسبة 2%.
وبحسب نفس المنظمة سيتقلص اقتصاد فرنسا وألمانيا وإيطاليا وإسبانيا والمملكة
المتحدة والولايات المتحدة بنسبة تزيد عن 25% خلال عام. ووصلت البطالة إلى مستويات
لم تشاهد منذ ثلاثينات القرن الماضي مما يحث على ردة فعل سياسية وتعميق للانقسامات
المجتمعية.
ولا يمكن ببساطة الاستمرار في الإغلاق حتى يتم تطوير لقاح. وتخفيفها سيقلل
من الضغوط الاقتصادية والاجتماعية والسياسية. وقد تسمح للشعوب ببناء المناعة والتي
ستكون الطريقة الأقل سوءا في مكافحة كوفيد-19 على المدى الطويل.
ولا يزال الكثير حول المرض مجهولا
ولكن البلدان التي أغلقت قد تواجه موجات جديدة من التفشي الأكثر حدة في المستقبل.
ولو اتبعت الدول الطريق السويدي لتحقيق مناعة القطيع، فإن مجموع تكلفة الجائحة
سيكون أقل، وفي الغالب ستنتهي في وقت أسرع.
إن مقاربة السويد لمرض كوفيد-19 تعكس ثقافتها المتميزة ولن يكون من السهل
استنساخ جوانب كثيرة منها في بلدان أخرى. وبالذات الاعتماد على التوصيات الرسمية
والمسؤولية الشخصية والتي من الصعب وجودها خارج الدول الإسكندنافية.
والسويد بلد خاص، يمتاز بمستوى عال من الثقة، ليس فقط بين الناس، ولكن بين
الناس والمؤسسات الحكومية. وكان السويديون مهيئين، بطريقة قد لا تنطبق على مواطني
بلدان أخرى، للنظر بجدية إلى التوصيات الطوعية وتطبيقها.
كما أن السويديين بشكل عام أفضل صحة من مواطني العديد من بلدان أخرى، ولذلك
يجب أن تتخذ الدول الأخرى إجراءات احترازية لوقاية المرضى. ويجب على الدول الأخرى
أن تتعلم أيضا من الأخطاء التي وقعت فيها السويد عندما يتعلق الأمر بكبار السن
والمهاجرين: فيجب توفير الكمامات مباشرة لدور رعاية المسنين، كما يجب التركيز بشكل
أكبر على حماية العاملين في قطاع الخدمات الأكثر عرضة بسبب السن أو المرض.
وبينما يتعلم العلماء المزيد عن
الفيروس، وتطور السلطات طرقا جديدة وأفضل لتجاوز المرض المعدي، يصبح تبرير
الإغلاقات أضعف وأضعف. وحتى في أماكن مثل أمريكا والمملكة المتحدة حيث مجموع الناس
المعرضين أكبر، فإن تكلفة حماية كل هؤلاء الناس أقل من اضطرار كل الناس إلى التزام
بيوتهم. وإدارة السبيل إلى مناعة القطيع تعني حماية الفئات المعرضة. وتعلمت السويد
ذلك بطريقة صعبة ولكن الوضع هناك تحت السيطرة.
وبينما يتزايد ألم الإغلاقات إلى مستويات صعبة التحمل وتدرك البلدان بأن
إدارة الجائحة بدلا من هزيمتها هو الخيار الواقعي الوحيد، سيقوم المزيد منها
بالفتح ثانية.
والتباعد الاجتماعي الذكي لتجنب تحميل أنظمة الرعاية الصحية فوق طاقتها،
وتحسين علاج المصابين، وحماية أفضل لفئات المعرضين يمكن أن يساعد على تخفيض الثمن
البشري.
ولكن في المحصلة فقد تكون زيادة المناعة هي الدفاع العملي الوحيد ضد المرض،
ما دامت الفئات المعرضة محمية في ذلك الطريق. ومهما كان التقييم الذي تستحقه
السويد على تعاملها مع الجائحة إلا أن الدول الأخرى ترى أنها تجاوزت المنحنى.