ملفات وتقارير

تونس.. غموض يهيمن على علاقة الرئاسة بالإسلاميين

الرئيس التونسي قيس سعيد يهاجم أداء البرلمان من محافظة "قبلي" في الجنوب التونسي- (صفحة الرئاسة)
الرئيس التونسي قيس سعيد يهاجم أداء البرلمان من محافظة "قبلي" في الجنوب التونسي- (صفحة الرئاسة)

عاد التوتر والغموض ليخيما في سماء العلاقات بين الرئاسة التونسية والإسلاميين، بعد الخطاب التصعيدي ضد البرلمان الذي أطلقه الرئيس قيس سعيد مساء أمس الاثنين، أثناء زيارته إلى المستشفى الميداني الذي تم تركيزه في مدينة "قبلي" جنوب البلاد، بمساعدة قطرية، لمواجهة انتشار فيروس كورونا.

وأشار الرئيس قيس سعيد في كلمته التي ألقاها أمام مسؤولي الجهة ومراسلي الصحف والقنوات التلفزية والإذاعية، إلى أنّ العدل هو الثروة الحقيقية ولا مجال أن تكون الصحة بضاعة تتقاذفها المضاربات. 

وانتقد سعيّد السجالات والمناوشات التي تجري في البرلمان، وعاد للتمييز بين الشرعية والمشروعية.
 
وختم كلمته قائلا: "إن تغيّرت التحالفات من ساعة إلى أخرى فنحن باقون على العهد وسنواصل على نفس المنهج"، مضيفا أنّ "الشعب التونسي يمكن له أن ينجز المعجزات لو مكنّوه من ذلك". 

 

 




وكان لافتا للانتباه أن الرئيس قيس سعيد الذي ذهب لزيارة مستشفى ميداني لمواجهة كورونا لم يصطحب معه وزير الصحة عبد اللطيف المكي، القيادي في حركة "النهضة"، بينما رافقه خلال هذه الزيارة وزير الدفاع عماد الحزقي وعدد من الضباط السامين والمسؤولين الجهويين.

وجاء خطاب الرئيس التصعيدي في ظل أجواء متوترة تشوب علاقات الرئاسة بالبرلمان، وفي ظل تصاعد دعوات للخروج إلى الشارع مطلع حزيران (يونيو) المقبل، في تظاهرات أطلق عليها ثورة الجياع، تضع على رأس أهدافها حل البرلمان، وإجراء انتخابات تشريعية ورئاسية مبكرة وتشكيل المحكمة الدستورية، ومنح المجلس الأعلى للقضاء مهمة محاكمة الفاسدين.

 



لا للتحريض

حركة "النهضة" المعنية المباشرة بالهجوم على البرلمان، ردت بشكل مباشر عبر القيادي فيها عضو البرلمان السيد الفرجاني، الذي اعتبر كلمة الرئيس لدى زيارته إلى مستشفى ميداني لمواجهة كورونا تحريضا على البرلمان وعلى مؤسسات الدولة.

وقال الفرجاني في تدوينة نشرها في صفحته على موقع التواصل الاجتماعي "فيسبوك": "السيد رئيس الجمهورية رجاء توقف عن تحريضك المتواصل من الجنوب على البرلمان. ومن له علاقة بأنصارك يدعو إلى الفوضى وسفك الدم". 

وأضاف: "لقد تجاوزت مربع صلاحياتك منذ أصبح من قصرك من يعمل على تعيين المدراء العامين في الأمن، فلا أدري هل أنتم بصدد تركيز تنظيم مواز للدولة؟ و أنصارك يشحذون السكاكين لإسقاط البرلمان والحكومة. وأنت لا تحرك ساكنا". 

 

 

واعتبر الفرجاني أن الدولة في خطر، وقال: "دولتنا في خطر وأمننا القومي في خطر إذا واصلتم هذا النهج الخطير. لستم الفقيه الرسمي للدستور. وأنت حرقت الحجر الصحي. وتحرض الشباب وتريد إحلال نظام شعبوي غير دستوري في تونس". 

واتّهم الفرجاني الرئيس بأنه لم يعمل بجدية لتشكيل المحكمة الدستورية، لأن تشكيلها سيحول بينه وبين تأويل الدستور حسب هواه. 

وقال الفرجاني موجها كلامه للرئيس قيس سعيّد: "الدستور ليس ألعوبة تؤولها كما تشاء. إن الفوضى التي يتم التحريض عليها من أنصارك تمثل تهديدا للأمن القومي التونسي. والحال أنك أقسمت على حماية الدستور وأنت المسؤول الأول عن مجلس الأمن القومي".

علاقتنا بالرئيس جيّدة

إلا أن القيادي في حركة "النهضة" وزير الخارجية السابق رفيق عبد السلام، اعتبر في حديث مع "عربي21"، أن "ما قاله الرئيس قيس سعيد ينسجم ونظريته عن الديمقراطية المباشرة"، لكن خطورته تكمن في أنه يأتي في الزمان والمكان الخطأ.

 



وقال عبد السلام: "حديث الرئيس قيس سعيد يوم أمس مجددا ضد البرلمان لم تستحسنه الطبقة السياسية، إذ كان عليه أن يدافع عن المؤسسة السياسية التي جاءت به إلى قصر الرئاسة في قرطاج".

وأضاف: "الجميع يستشعر وجود مسافة بين خطاب الرئيس قبل الانتخابات الذي طبعته الثورية، وبين خطابه الآن، الذي يتقاطع مع توجهات فوضوية يسعى البعض لإحداثها في تونس لإرباك الديمقراطية وللتأثير على الأوضاع الإقليمية".

واستبعد عبد السلام أن تكون للرئيس قيس سعيد أي توجهات فوضوية أو انقلابية، وقال: "لا أعتقد أن الرئيس سينجر مع هذا التيار الفوضوي لأنه يمثل رأس الشرعية وهو المؤتمن على حمايتها".

وعن علاقة الرئيس قيس سعيد بـ "النهضة"، قال عبد السلام: "العلاقات بيننا جيدة ومستمرة، ولا توجد بيننا مشاكل، نحن نعرف آراء الرئيس الشخصية عن التمثيلية المباشرة، لكننا نميز بينها وبين دوره في رئاسة الجمهورية".

وتعليقا على الدعوات الرائجة في مواقع التواصل الاجتماعي للمشاركة في ثورة الجياع مطلع حزيران (يونيو) المقبل، قال عبد السلام: "هذه دعوات يغلب عليها الطابع الفوضوي، وهي خليط من مجموعات يسارية ومجموعات غاضبة من الانتقال الديمقراطي، لكنها لا تشكل تيارا منظما له رؤية واضحة".

وأشار القيادي في حركة "النهضة" إلى أن "بعض هذه المجموعات تتقاطع مع أجندات إقليمية تعمل على إرباك الوضع السياسي التونسي، خصوصا مع التطورات الحاصلة في الجوار الليبي وتراجع مشروع حفتر".

وأضاف: "هذه الأطراف تسعى لتنفيذ خطوات استباقية في تونس من شأنها دعم حفتر وإرباك الحكومة الشرعية في طرابلس من خلال الضغط العسكري عليها، والضغط على الساحة التونسية"، على حد تعبيره.

معركة مع الإسلاميين

حالة الغموض في العلاقة بين الرئاسة والبرلمان تحديدا، رآها الكاتب والإعلامي التونسي برهان بسيس مؤشرا لمرحلة سياسية جديدة في العلاقة بين الدولة والإسلاميين.

وقال بسيس في تدوينة على صفحته على موقع التواصل الاجتماعي "فيسبوك": "أعتقد أن أكبر تحد ستواجهه منظومة ما بعد 2011 التي اختارت دستور 2014 سقفا تنظيميا لها هو الرئيس المفاجأة قيس سعيد".

وأضاف: "حركة النهضة هي العمود الفقري لجسم هذه المنظومة بل حتى خصومها الأكثر راديكالية مثل الدستوري الحر حاليا هم أيضا جزء من المنظومة ضمن دور الـ anticorps داخل الجسم الواحد، حيث لا تفوت فرصة دون التذكير بأنها تعمل على إسقاط النهضة من داخل لعبة الصندوق والقوانين السائدة".

 

 

ووصف بسيس قيس سعيد بـ "المجهول"، الذي قال بأنه "يأتي من وراء ظهور الجميع في لحظة دهشة تاريخية متداخلة مع طبقات متراكمة من الإحباطات الاقتصادية والاجتماعية والسياسية ليقود خطابا صداميا تجاه منظومة بأكملها لا كأستاذ جامعي من خلال مداخلات متفرقة في نشرات أخبار التلفزيون الرسمي بل الآن وهنا كرئيس جمهورية لهذه المنظومة".


ورأى بسيّس أن "الصداع الذي سيسببه قيس سعيد للمنظومة وخاصة لعمودها الفقري وهي الحركة الإسلامية التونسية لن يقل طعم مرارته عن ذاك الذي ذاقته الحركة من نظامي بورقيبة و بن علي لكن هذه المرة ببهارات مختلفة هي ما تفرضه طبيعة السياقات المحلية والإقليمية والدولية الحالية من خصوصيات".

واعتبر بسيّس أن كلمة الرئيس قيس سعيّد في قبلي لها ما بعدها، وقال: "ما فتئ الجميع ينظر لسعيّد بأنه رجل الشرعية الذي لن يخرج في مناوراته عن شكلانية القانون واحترام مقتضياته لكن في كلمته اليوم (أمس) في قبلي أطلق فتواه الأكثر خطورة في تهديده للمنظومة، كلمة سر تلوّح بأيام مشوقة قادمة، حين قال: لا شرعية بدون مشروعية".

وتوقّع بسيّس أن "يعلن الرئيس قيس سعيّد قريبا معركته ضد كامل المنظومة بأحزابها وبرلمانها ودستورها تحت شعار: صحيح أنتم شرعيون، لكن لا مشروعية لكم".

وأضاف: "هذه المرة لن يواجه الإسلاميون تغريبيا اسمه بورقيبة ولا دكتاتورا مجففا للمنابع اسمه بن علي، هذه المرة سيواجهون رئيسا يتقدم للناس مستعيرا سيرة عمر بن الخطاب إمام أئمة الإسلام السني، وتلك سريالية المعركة!"، على حد تعبيره.

 

التعليقات (0)