هذا الموقع يستخدم ملف تعريف الارتباط Cookie
المتابعة الدقيقة لمسيرة اللواء المتقاعد خليفة حفتر تؤكد أن الرجل لم ولن يتغير؛ فقد ظهر بشكل كوميدي لأول مرة في فبراير 2014، داعيا الليبيين إلى التمرّد على المؤتمر الوطني العام المنتخب من قِبل الشعب الليبي، يومها لم يهتم به أحد وأثار سخرية الليبيين، وحاول من جديد بعدها بثلاثة أشهر فقط -وتحديدا في 16 مايو من العام نفسه- عند بدأ ما سُمّي بـ «عملية الكرامة»؛ حيث نجح في تجميع مليشيات مسلّحة وعدد من بقايا جيش القذافي، مدّعيا أنه الجيش الوطني الليبي، كوسيلة لتنفيذ مخططه.
ومنذ أيام، أعلن إسقاط الاتفاق السياسي، وهو الإطار الحاكم لكل العملية السياسية، سواء في ذلك النص على التمديد لمجلس النواب المنتهية ولايته، أو إنشاء المجلس الرئاسي وحكومة الوفاق أو المجلس الأعلى للدولة.. كل ذلك يكشف تماما عن طبيعية الرجل الانقلابية، فهو صاحب مشروع يسعى من خلاله إلى تنصيب نفسه حاكما على ليبيا بالقوة، أو عن طريق أساليب هلامية مثل فكرة التفويض الشعبي، والقبول به كما لو كان يتفضّل على الشعب، فقد ينسى المتابعون للملف الليبي أنه حاول المحاولة نفسها في 17 ديسمبر 2017، عندما أعلن انتهاء صلاحية الاتفاق السياسي الليبي، والذي تم التوقيع عليه في مدينة الصخيرات، وكان قد مرّ عليه عامان فقط، لتنتهي معه كل الأجسام المنبثقة عن ذلك الاتفاق بصورة تلقائية، وتنتهي شرعيتها المطعون فيها منذ اليوم الأول، من مباشرة عملها -على حد قوله- ولكن محاولته لم تلقَ أي اهتمام من الجهات الداخلية والخارجية، حتى جاءت المحاولة الثالثة الأخيرة.
والغريب في الأمر أن مسألة الشرعية مثارة في
ليبيا منذ أشهر، عندما حاول مجلس النواب بتحركات تجاه الإقليم والعالم، أن يحظى
بها فقط دون حكومة الوفاق أو المجلس الأعلى للدولة، وبالطبع لم يستجب له أحد، خاصة
أن كل تلك الكيانات مشمولة بالشرعية الدولية، من خلال قرار مجلس الأمن، الذي أقرّ
الاتفاق ومدّ لمجلس النواب لحين إجراء انتخابات رئاسية وبرلمانية جديدة، وهو ما
يسعى حفتر إلى إعاقته بكل الوسائل، وآخرها كان هجومه على العاصمة طرابلس منذ أكثر
من عام، فهو الذي أجهض أهم محاولة لعقد المؤتمر الجامع، بمشاركة أكثر 7 آلاف ليبي
من مختلف الفئات والطوائف، وكان المؤتمر يستهدف وضع «خارطة طريق» لإخراج البلاد من
الأزمة، والتوافق على خطوات بدء إجراءات أول انتخابات تشريعية ورئاسية في البلاد،
هو ما يعني إنهاء وجود حفتر ومشروعه في حكم ليبيا منفردا، وسط رفض واسع من الليبيين
فكرة الحكم العسكري، واستنساخ أسوأ لتجربة العقيد القذافي.
وفي خضم الرغبة المحمومة لحفتر في التغطية على
خسائره العسكرية في الآونة الأخيرة، تناسى أن شرعية وجوده مستمدة من موافقة مجلس
النواب على تعيينه، وبالطبع فإن فكرة التفويض الشعبي تفتقد أية جدية وتثير
السخرية، فالتأييد العلني الوحيد لها جاء من مجلس أعيان الزنتان، ولم تشارك فيها
حتى مدن تحت سيطرته.
خطوة حفتر أثارت ردود فعل دولية تتسم
بالميوعة، ومنها إعلان روسيا على لسان مسؤول في الخارجية عن تفاجؤ موسكو بالخطوة،
أو تحفّظ الوزير الروسي على أي إجراء أحادي. كما أن بيان السفارة الأمريكية في طرابلس
أعرب عن أسفها على القرار، كما ذهبت بعثة الأمم المتحدة إلى إعلان تأييدها
المبادرة السياسية التي أعلنها رئيس مجلس النواب الليبي عقيلة صالح، واعتبرتها
إيجابية، في تفاد للإشارة إلى ما قام به حفتر الذي يزيد تعقيد الموقف في ليبيا.
ولعلّ الأهم هنا أن خطوة حفتر قد تكون بداية
تصدّع في جبهته، بعد أن استهدف -بغباء سياسي منقطع النظير- ظهيره السياسي المتمثل
في مجلس النواب؛ حيث اعتبر رئيسه عقيلة صالح أن توقيت إعلان حفتر لم يكن مناسبا،
ولكنه تخوّف من انضمام أعضاء في مجلس نواب طبرق إلى زملائهم المقاطعين في طرابلس،
وأعلن من جهته مبادرة مخالفة في كل بنودها الثمانية عن موقف حفتر، وترتكز على
إعادة هيكلة السلطة التنفيذية المنبثقة من «اتفاق الصخيرات»، وإعادة اختيار
أعضائها من الأقاليم الثلاثة، برقة وطرابلس وفزان، وإعادة كتابة الدستور مع
استمرار مجلس النواب لحين إجراء الانتخابات التشريعية الجديدة.
(العرب القطرية)