إعلان الجيش
المصري الخميس الماضي (السابع من شهر
رمضان) مقتل ضابط وضابط صف وثمانية مجندين في انفجار عبوة ناسفة
بالتزامن مع موعد الإفطار؛ يمثل حالة حزن وغضب لكنه ليس خبرا صادما، لأنه مشهد متكرر بصورة شبه
متطابقة لم يخلُ منها رمضان خلال العقد المنصرم تقريبا.
إحقاقا للحق، فإنه بعد انقلاب 3 تموز/ يوليو أصبح
الدم المصري يسيل في شهر رمضان، وفي غير رمضان، وفي
سيناء، وفي طول البلاد وعرضها،
وحتى خارج مصر، بعد أن حَوَّل
السيسي الجيش المصري إلى مرتزقة تقاتل خارج الأراضي
المصرية، تلبية لشهوة تجار الدم في دولة الإمارات. لكن مع الأسى والأسف، فإن تكرار
مذابح الجنود المصريين في سيناء باتت ظاهرة تستحق الاهتمام والرصد.
الأوضاع في سيناء شديدة الضبابية والغموض وشديدة
التعقيد في وقت واحد، خاصة وأن المصالح متعددة واللاعبين كُثُر، والأجندات متشابكة
ومعقدة.
ما يزيد من الجانب المعتم في الأحداث (وربما كان
الأمر متعمدا ومقصودا) فرض حالة السرية من
قبل الانقلاب والجيش في سيناء، فلا صحافة مهنية ولا إعلاما حرا يمكنه التواجد وسبر
أغوار ذلك الملف الشائك.
في الوقت ذاته، يصعب أو يستحيل أخذ بيانات المتحدث
العسكري فيها بالمصداقية المطلوبة، لأنها قد تمثل إحدى الأجندات المتواجدة في
المشهد.
وفي ظل هذا التشابك والتعقيد والغموض، فإن ثمة
محددات وثوابت لا يمكن قراءة رصينة للمشهد بدونها ومنها:
- أن تفعيل الجانب العسكري دون الجانب السياسي
والاجتماعي والتنمية الشاملة هو أحد أهم أسباب إراقة الدم وتكراره في سيناء، خاصة
بعد حالة الثأر والكراهية التي جناها الجيش جراء سلوكه وتصرفاته هناك، بدلا من أن
يجعل من أهالي سيناء الحاضنة الحامية لجنوده كما كانوا.
بالمناسبة، هذا كان رأي السيسي يوم كان وزيرا
للدفاع، وأعلنه بمنتهى الوضوح في 2012؛ فما الذي جعل السيسي اليوم يُغَيِّر فلسفته
إلى ما كان يرفضه ويُحَذِّر منه؟!الإجابة على مثل هذا السؤال تفتح أبوابا من الشك
والارتياب فيمن يسمح بإراقة هذه الدماء أو من يعرف خباياها وربما يرعاها؟!
- لا يمكن تناول هذه الأحداث بعيدا عن عمليات تهجير
أهالي سيناء التي اعتمدها نظام الانقلاب وجَدَّ فيها، وهي ليست إلا أجندة إسرائيلية
بحتة! ولو كان الأمن القومي المصري هو المستهدف لكان الأولى تنمية سيناء وإعمارها
وتحويلها إلى مناطق سكانية صناعية وتجارية كثيفة، واعتمادها كخط دفاع أول، لكن لا
أعتقد نظام السيسي يعتبر إسرائيل عدوا!
- لا يمكن كذلك قراءة المشهد بعيدا عن تسريبات
وتكهنات صفقة القرن ووجود سيناء في هكذا صفقة، خاصة ونعيش حالة هرولة إعلامية إقليمية
للتطبيع خادمة لهذا الملف، لكن مصر سبقت وكسرت كل الخطوط الحمراء سياسيا وعسكريا منذ الانقلاب، وربما ما يحدث في سيناء اليوم هو حرث الأرض وتمهيد لهذه الصفقة
المشبوهة.
- بالبحث عن الرابح والخاسر في المشهد؛ فإن الرابح
الأول هي إسرائيل وكل كاره لمصر وشعبها، والخاسر الأكبر هو الشعب المصري المسكين
وأهالي سيناء وأفراد الجيش الغلابة الذين يقضون في معركة لا يعرفون كنهها وأصلها.
ويقيني أن نظام السيسي لا يعنيه أي من هؤلاء، وربما يستخدم دماء الجنود الغلابة
كفزاعة للإرهاب ويتاجر بهم داخليا وخارجيا، وربما كذلك للتغطية على أحداث فشله
وخيباته المتكررة هنا وهناك.
- في ظل حالة الإجرام التي نعرفها للعسكر ونظام
السيسي؛ ربما كان توقيت هذه المذبحة مفيدا لأجندتهم الإجرامية، حيث أن ما يحدث في
سيناء يتساوق ويتماهى مع دراما رمضان السياسية بامتياز، واذا صدق هذا فإنها تكون
محاولة مجرمة رخيصة لغسل سمعة الجيش بدماء بعض المغررين من أبنائه، وهي قسوة وإجرام
لا أستبعدها على مخابرات السيسي وأجهزته الخبيثة.
- بعيدا عن كل ما سبق، لا أحد يملك أن ينفي وجود مثل
هذه
الجماعات المسلحة التي وردت في روايات المتحدث العسكري، لكن اليقين الراسخ في
المشهد هو الفشل الذريع لسياسات السيسي في سيناء، حيث أنها بعد سبع سنوات مخضبة
بالدماء، قدمت صورة هزيلة وعارا للجيش المصري وهو يتمرغ أنفه وتنهار سمعته أمام
أعداد هزيلة من المسلحين، أيا كان انتماؤهم وأيا كانت أجندتهم في سيناء.
وأخيرا.. نبكي دماء المصريين ونعزي أهالينا وأخوتنا
في ضحايا الشعب المصري في هذا الشهر الفضيل، وندعو الله أن يحفظ مصر وأهلها، وأن
يخلصنا من هذا الانقلاب اللعين، فهو البلاء الأكبر وسبب كل بلية يعيشها الوطن
والمواطن.