قضايا وآراء

في مسألة السادية.. وأشياء أخرى

هشام عبد الحميد
1300x600
1300x600
قامت الدنيا ولم تقعد، على برنامج يستضيف ضيوفه ويقوم بتحقيق سادي معهم مستخدما الصعق بالكهرباء، والضغط العصبي النفسي على الضيف؛ الذي ينهار ويتوسل تارة ويشتم تارة أخرى. ويُقال إن أجر الضيف الواحد في الحلقة الواحدة وصل إلى مليون دولار؛ ما زاد من حنق الناس على هذا البرنامج.

وفي مجال آخر، زاد السخط الشعبي على مراهقة مصرية ظهرت بوسائل التواصل الاجتماعي، تُقدم وصفات إثارة للبنات والشباب. وقد ألقت النيابة القبض عليها كما ألقت القبض على سما المصري، لتُهدئ هذا السخط العام. ولكن هذه الجماهير الساخطة الغاضبة هي نفسها تتفرج على هذه النوعية من البرامج، وهي نفسها لا تُحرك ساكنا منذ زمن بعيد أمام الانفلات الإعلامي ببرامج التوك شو.

ولم تُحّرك ساكنا وهي تُشاهد إما وصلات الردح بين الضيوف في برامج كثيرة، وتبادل أقذع الشتائم على الهواء مباشرة على مرأى ومسمع من جميع الجماهير.

الجماهير الساخطة نفسها، لم تتحرك ساكنا لتقف ضِدّ أناسٍ يخرجون علينا في وسائل الإعلام ليهددونا مباشرة بسيديهات تنتهك خصوصيتنا.

لا أحد يهتم بميثاق الإعلام الذي اختفى في ظروفٍ غامضة ليحّل محله ميثاق القبح والغلظة، ثم فجأة يصحو الجميع على هذا البرنامج أو حنين أو سما.

بالطبع نحن لا نقدم لهم التبرير فهي برامج فيها الكثير من التدني، ولعل قسما من هذه البرامج وخاصة التلفزيونية، مخطط له، أو على الأقل فيه غض النظر من السلطات، ولكن أليس من الحكمة والحصافة بمكان أن نأخذ بكليات الأمور ومقدماتها لا بنتائجها فقط؟

بالطبع ولا يخفى عن النظر أن المسألة كلّها تُدّار بحساب دقيق الجرعات، وأي خروجٍ عن حدود المسموح له، أو في غير التوقيت المسموح له، يتم العصف به وأخذه مادة للسخرية، ويخرج آخر ليكون مادة للإلهاء الجديد بأمور أخرى أكثر أهمية وأكثر خطورة وعمقا.

وبتقديري أنه لو كانت هناك جدية ورغبة حقيقية في تحقيق مشهد إعلامي معقول وحقيقي بآليات أكثر منطقية وعدالة، نعلمها جميعا.. لم كان كل هذا الهراء، ولوجدنا أنفسنا منشغلين بالتوصل للقاح كوفيد-19. لو نريد: لأوجدنا معادلات إعلامية تتوازن مع ما نرفضه.

بعبارة أدق، إن ما ترفضه الأكثرية لو قوبل بإعلام موضوعي لتواجدت المساحة الإعلامية النظيفة والمتنوعة؛ التي تُتيح للمشاهد أن يختار، لأن المناخ المعافى والسليم نفسه يساهم في رفع سوية الذوق العام ويهذب النفوس.

أما أن يجد الناس أنفسهم مجبرين على الانخراط في جو مسموم يجبرهم بشكل أو بآخر على مشاهدة وتجرع نوع واحد من الخبل والمبالغة والعنف؛ فستسقط حتما فرص التمييز، وبالتالي تُتاح الفرصة للعملة الرديئة بقوة أمام العملة الجيدة فتطردها أو على الأقل لتقف أمامها، تتأمل وتُفكر لتستطيع الاختيار، ولكننا لا نفعل ونكتفي بالشجب والصراخ والعويل والتهويج.

لذا، نرى الناس يدورون في حلقة المنع والإقصاء والتهميش من جهة، والإسفاف والبشاعة من جرعات السموم الإعلامية من أخرى.

عجبا.. ولكنك يا عزيزي الجمهور، تُشاهد وتستمر رغم رفضك في المشاهدة.. أليست هذه مفارقة عجيبة.. أن ترفض وتتابع بنهم ما ترفضه؟ حقا إنها مسألة سادية.
التعليقات (0)