مقالات مختارة

ثقوب في «المنظومة الصحية»

محمد سعد عبدالحفيظ
1300x600
1300x600

لا ينكر أحد التضحيات الكبيرة التي تقدمها الأطقم الطبية منذ أن حلت على دول العالم، ومنها مصر، كارثة تفشي وباء كورونا المستجد، فالأطباء ومساعدوهم من كوادر التمريض والفنيين يتصدرون الصفوف الأولى في المعركة الدائرة مع ذلك الفيروس، يَصلون الليل بالنهار ويهجرون بيوتهم وأبناءهم حتى يتمكنوا من تقديم الرعاية الصحية للمصابين.

حتى كتابة هذه السطور، ووفقا لبيانات نقابة الأطباء، تخطت أرقام المصابين من أطباء مصر حاجز الـ 90، سقط منهم نحو 7 شهداء، آخرهم الدكتور هشام الساكت وكيل كلية طب قصر العيني، والدكتور ممدوح السيد مدير إسعاف سوهاج السابق، اللذان توفيا قبل يومين إثر إصابتهما بكورونا، يضاف إلى تلك الأعداد التي وثقتها نقابة الأطباء عدد غير معروف من صيادلة وممرضين وفنيين تعرضوا للإصابة.

تضحيات هؤلاء تاج على رءوس الجميع، لكن الأمر لا يخلو من ثقوب طالت بعض العاملين في المنظومة الطبية، فما دونه زميلنا الصحفي محمود رياض على صفحته بموقع «فيسبوك» قبل وفاته متأثر بإصابته بفيروس كورونا بأيام، يكشف أن هناك قصورا في التعامل مع حالات المشتبه بإصابتها بالفيروس.

كتب محمود ــ رحمه الله ــ في 21 من إبريل الماضي أي قبل أن يلفظ أنفاسه الأخيرة بـ 6 أيام: «الناس اللي بتسأل عن صحتي بعد إصابتي بفيروس كورونا.. تعب متواصل وحرارة مرتفعة نار 14 يوم.. خلال تلك الفترة تواصلت مع رقم «105» التابع لوزارة الصحة، كلام فارغ أنك مقصر في صحتك.. فكان القرار الذهاب إلى مستشفى الحميات، ليتواصل العذاب والمرض، انتظر يوم لعمل مسح، يقولوا خلص.. 48 ساعة تظهر النتيجة مع أنه ربع ساعة في العالم.. ثم نتيجة خطأ يتم عمل مسح جديد بعد 3 أيام.. وأنتظر النتيجة 48 ساعة، ولما طلعت إيجابية أنتظر الإسعاف 48 ساعة».

وأنهى محمود (41 عاما) تدوينته بـ: «دول سبعة أيام أليسوا كافيين لموت أي شخص، مثلما حدث مع الكثير، أنا منذ 14 يوما وأنا متعذب.. ولله الأمر من قبل ومن بعد، وإلى الآن مافيش خطوات جادة».

قبل أن يتم احتجاز رياض بـ«حميات إمبابة» السبت 18 إبريل، كان قد توجه إلى ذات المستشفى مرتين، وتم الكشف عليه وصرفه وطلب منه العودة إلى منزله بدعوى أنه ليس مصابا بكورونا وصرفت له بعض الأدوية، رغم أنه أخبر الطبيب الذي وقع الكشف عليه أن درجة حرارته تتخطى الـ 38 درجة، ويعاني من سعال جاف.

عاد صديقنا الراحل إلى منزله وخالط أولاده وزوجته، وعندما ساءت حالته توجه للمرة الثالثة إلى «حميات إمبابة» وتم أخذ مسحة منه صباح 18 إبريل، وأرسلت إلى معامل مديرية الصحة، بعدها بـ48 ساعة أخبروه أن العينة «لا سلبي ولا إيجابي.. وسنأخذ مسحة جديدة»، وسُحبت العينة الجديدة، وتكرر الموقف «نتيجة العينة لا سلبي ولا إيجابي» هكذا تم الرد عليه، عندها ثار محمود وأبلغ مسئولي المستشفى أنه سيضرب عن الطعام والدواء، فسحبت له عينة ثالثة وثبت إيجابيتها، لكن الحالة كانت ساءت للغاية ووضع محمود على جهاز التنفس الصناعي، وتم نقله إلى مستشفى العزل في العجوزة، وظلت حالته في التدهور إلى أن توفاه الله.

في تلك الأثناء أُصيب أثنان من أولاد زميلنا الراحل بالعدوى نتيجة مخالطته لأسرته، ودخلا العزل مع زوجته التي علمت بخبر وفاة زوجها من صفحات زملائه بمواقع التواصل الاجتماعي، بعد أن دفنته أسرته بساعات.

وفاة محمود كشفت القصور الذي تعاني منه منظومتنا الطبية، وانعدام كفاءة بعض أعضاء تلك المنظومة، فبعض مستشفيات الحميات تعاني من نقص شديد في الأَسرَّة وفي أجهزة التنفس الصناعي، وفقا لأحد أساتذة الطب المطلعين، الذي أكد أن هناك أيضا أزمة في تحليل بعض عينات من تظهر عليهم الأعراض، «أجهزة التحاليل موجودة في مديريات الصحة فقط، والمستشفيات معذورة في عدم سحب عينات من كل حالة ترد إليهم، فهم محكومون بعدد معين من التحاليل، وقدرتنا لا تسمح بإجراء تحليل لكل من تظهر عليه الأعراض»، أضاف الطبيب.

أخيرا.. المنظومة الطبية في بلادنا شأنها شأن باقي مؤسسات البلد، «جرى عليها وابور زلط» بتعبير الأستاذ محمد حسنين هيكل قبل وفاته بشهور، نتيجة التجريف والإهمال المتعمد الذي بدأ منذ نهاية سبعينيات القرن الماضي، وإذا أردنا رد الاعتبار لهذا البلد وإعداده لأي مواجهة قادمة فعلينا وضع العلم والتعليم والصحة على رأس أجندة أولوياتنا، فمن دونهم ستظل مؤسسات الدولة على ما هي عليه مهما حاولنا.

(الشروق المصرية)

0
التعليقات (0)