هذه آثار سعي ماكرون لدور أكبر على الساحة الدولية

لاحظ العديد من المراقبين سعي الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، في الآونة الأخيرة، إلى دور أكبر على الساحة الدولية، رغم حالة عدم الرضا الداخلية المستمرة، التي تجلت في احتجاجات السترات الصفراء على مدار العام الماضي، وصولا إلى اتهامات لإدارته بالتمييز ضد ضحايا فيروس كورونا المستجد من أبناء الأقليات والضواحي الفقيرة.

وفي غمرة تلك الجائحة العالمية، ومع انتشار الفيروس في البلاد، حتى باتت خامسة بين الأكثر تضررا، أشارت عدة تقارير إلى تقدم ماكرون نحو دور "قيادي" أوروبيا ودوليا، مستغلا انشغال بقية القوى الكبرى بأزمات داخلية أو جانبية- لا سيما الرئيس الأمريكي دونالد ترامب.

وذهب الكاتب الأمريكي "ديفيد أندلمان"، في مقال نشره موقع شبكة "سي أن أن"، إلى حد القول إن ماكرون "يضع نفسه قائدا للعالم".

وأشار "أندلمان" إلى العديد من المؤشرات، بينها تولي ماكرون زمام مبادرة "الهدنة العالمية"، التي دعا إليها الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش، في آذار/ مارس الماضي، لافتا إلى أنها لم تطو كسابقاتها في أدراج المنظمة الدولية، جراء تبني الرئيس الفرنسي لها، إذ باتت بالفعل مشروع قرار على طاولة مجلس الأمن.

ورغم استبعاد تحقق تلك "الهدنة العالمية" في كل الأحوال على أرض الواقع، بحسب "أندلمان"، إلا أن اندفاع ماكرون نحو العمل على تحقيق توافق بشأنها في مجلس الأمن ما هو إلا حلقة في سياق سعيه لـ"ملء حيز القيادة".

فقد دعا أيضا، خلال مقابلة أجرتها معه إذاعة فرنسا الدولية، منتصف نيسان/ أبريل، إلى تعليق مدفوعات الديون الأفريقية، وصولا إلى قرار بإلغائها، مطالبا مجموعة الدول العشرين الكبرى باتخاذ قرار بهذا الشأن.

اقرأ أيضا: كاتب فرنسي: ثورة على الأبواب في ضواحي باريس "المريضة"

وقد تم ذلك بالفعل، إذ صدر قرار إثر اجتماع لوزارء مالية المجموعة بتأجيل مدفوعات ديون الدول الأفريقية عاما كاملا، لتعزيز قدرتها على مواجهة الجائحة.

وفي ظل تزايد الحديث عن تقدم الصين على الساحة الدولية بعد نجاحها في مواجهة "كوفيد-19"، أبدا ماكرون حرصا على الوقوف في وجه أي تصريحات من بكين تنتقص من جهود بلاده في هذا المجال.

ومنتصف أبريل/ نيسان، استدعى وزير الخارجية الفرنسي، جان إيف لودريان، سفير الصين لدى البلاد، لو شاي، ووبخه إزاء تصريحات اتهم فيها الأوروبيين بالتخاذل في مواجهة المرض، والعاملين في بيوت التمريض في فرنسا تحديدا بترك مواقعهم ليلا والتسبب المرضى يموتون من الجوع أو المرض، ما دفع الخارجية الصينية إلى التبرؤ من تصريحات السفير.

أوروبيا، ظهر دور كبير لماكرون في مساعي الحفاظ على استقرار وتماسك الاتحاد القاري عقب خروج بريطانيا منه، والآن تلوح أمامه فرصة تعزيز موقعه عبر قيادة تنسيق إعادة فتح الأسواق والحدود البينية، وفق ما يرى "أندلمان".

اقرأ أيضا: انقسام أوروبي حول "كورونا بوند" وخطة الإنقاذ الاقتصادي

ولاحظت تقارير أخرى اتخاذ ماكرون، في هذا الوقت تحديدا، خطوات متقدمة على ألمانيا في الدفع نحو سياسات أكثر تضامنية مع الدول الأوروبية الأكثر تضررا من الجائحة العالمية، في مؤشر على استعداده لخلافة المستشارة أنجيلا ميركل في قيادة الاتحاد، التي يتوقع أن ينتهي مشوارها السياسي الحافل العام المقبل.

وركز تقرير نشره موقع "المجلس الأوروبي للعلاقات الخارجية" على ربط الرئيس الفرنسي بقاء الاتحاد كمشروع سياسي بـ"التضامن المالي"، واصفا ذلك الموقف بـ"الصاعقة".

لكن التقرير اعتبر أن المسار الجديد الذي يسلكه ماكرون متجاوزا القيادة الألمانية المتحفظة ينطوي على مغامرة كبيرة، إذ قد يقود من خلاله الاتحاد الأوروبي بالفعل إلى مزيد من التضامن وإلى سد الفجوات الكبيرة بين "الشمال الثري والجنوب الفقير"، لكنه قد يؤثر في المقابل على المزاج العام في ألمانيا والعديد من الدول الأخرى، التي ترى شرائح واسعة من شعوبها أنها تقوم بما يكفي للحكومات المتعثرة، وهو ما قد ينعكس سلبا، مجددا، على تماسك الاتحاد.

تجدر الإشارة إلى أن موقف ألمانيا تراجع أمام الاندفاع الفرنسي خلال قمة أوروبية لبحث الاستجابة الموحدة للجائحة، قبل أيام، إذ أظهرت ميركل تقبلا حذرا لفكرة إنشاء صندوق أوروبي لدعم الدول الأكثر تضررا، لكنها أشارت إلى أن دولا أخرى ستعرقل المشروع جراء خلافات على آلية عمله.

وفي كل الأحوال، فإن ماكرون نجح في تلقف الفرصة وتقديم نفسه مرشحا عن دول الجنوب الأقل ثراء والأكثر تضررا بفيروس كورونا المستجد، لقيادة القارّة خلفا لميركل، مستفيدا من غياب تأثير بريطانيا التي كانت ترجح تقليديا كفة الشمال من حيث الثقل السكاني ومن ثم التشريعي في البرلمان الأوروبي.