هذا الموقع يستخدم ملف تعريف الارتباط Cookie
قالت مجلة
"فورين بوليسي" إن فيروس كورونا يشكل تهديدا سياسيا في مصر، بعد كشفه
عيوب الحكومة التي تجاهلت القطاع الصحي زمنا طويلا.
ويقول الكاتب
نائل شاملة بمقال في المجلة: إن حالات الإصابة بالفيروس كانت 126 حالة، وذلك في شهر
آذار/ مارس، ولكن العدد قفز في منتصف نيسان/ أبريل إلى 2700 حالة، وبعد أسبوع ازداد
العدد بمعدل الثلث.
وتلفت المجلة
إلى أن القطاع الصحي المصري هش، ويعاني مثله مثل المواطنين. ومع اقتصاد يواجه مشاكل، وحكومة لم تعط الأولويات للنفقات على الصحة، فإن ذلك كمن يصب الزيت على
النار.
وتؤكد الزيادة
في حالات الإصابة بفيروس كورونا الوضع السيئ لنظام الرعاية الصحية المصري. فقد تم تأكيد
5000 حالة و359 وفاة حتى 28 نيسان/ أبريل، مع أن العدد قد يكون أعلى بسبب نقص
معدات الفحص.
وفي كل أنحاء
مصر، هناك نقص بالأطباء والممرضين والإمدادات الطبية وأسرّة المستشفى، بشكل يجعل من
الصعوبة التعامل مع فيروس ينتشر بسرعة. ويضيف التقرير أن الأجور المتدنية وظروف العمل
السيئة أجبرت الكثير من الأطباء على ترك البلاد، وبلغ عدد من غادر البلاد في
العام الماضي وحده 10 آلاف طبيب.
وبحسب أرقام
نقابة الأطباء، فمن بين 220 ألف طبيب، يعمل 120 ألفا منهم في الخارج. وتعاني
المستشفيات العامة من نقص 55 ألفا إلى 60 ألف ممرض. ويبلغ معدل أسرّة المستشفيات
المتوفرة لكل ألف مواطن 1.3، مقارنة مع اليابان 13 و8 في ألمانيا و6 في فرنسا.
ويشير استطلاع "عرب
باروميتر" إلى أن 31% من المصريين راضون عن أداء الحكومة، وهو تراجع بـ19% عما
كانت عليه الأوضاع في عام 2010. وتبلغ نسبة الأطباء المصابين بفيروس كورونا 13% من
إجمالي المصابين، وهي النسبة ذاتها المسجلة تقريبا في كل من إسبانيا وإيطاليا.
ورغم الخوف من
التحدث علنا، فقد استخدم الأطباء منصات التواصل الاجتماعي للتعبير عن قلقهم من
غياب الخدمات الطبية والظروف السيئة وسوء الإدارة التي تعرّض حياة الناس للخطر.
وأصبحت لقطات
الفيديو التي تصور الممرضين وهم يحتجون في أروقة المستشفيات أمرا عاما. وظل القطاع
الصحي يعاني ولعقود طويلة من الإهمال مقارنة مع الميزانية المخصصة للقوات المسلحة.
وتراجع تمويل الحكومة له في الميزانية القومية من 6.7% عام 2000 إلى 4.2% عام 2016.
ومن هنا، فانتشار
حالات الفيروس وبعدد كبير ما هو إلا تذكير لقادة البلاد بأن التهديدات عليهم ليست
بالضرورة عسكرية الطابع.
فمنذ وصول عبد
الفتاح السيسي للحكم، ركّز على "الإرهاب والتضحيات التي بذلها الجيش والشرطة
في مكافحته"، بحسب المجلة.
ويشير التقرير إلى
الاحتجاجات التي اندلعت العام الماضي، بعدما قام مقاول اسمه محمد علي بنشر أشرطة
على منصات التواصل الاجتماعي، كشفت عن الأموال التي صرفها السيسي على بناء قصور
لعائلته. وزادت تعليقات السيسي على أن بناء القصور هي من أجل الصالح العام ولبناء
دولة جديدة، من حنق المواطنين، في وقت تواصل فيه الحكومة بناء عاصمة براقة قرب
العاصمة الحالية، وخصصت لها 58 مليار دولار.
ويقول الكاتب إن
تعويم الجنيه المصري عام 2016 زاد من معاناة المصريين، حيث خسر الجنيه نصف قيمته
أمام الدولار. وسط ارتفاع مستوى الفقر في مصر عام 2018
إلى 32.5% أي بزيادة 5% عن العامين السابقين.
ويقول إن معدلات
التعافي الاقتصادي بطيئة، حيث انخفض القطاع غير النفطي بداية كانون الثاني/ يناير
إلى أدنى مستوياته. ولا شك أن الموارد المصرية ستتأثر بشكل كبير نتيجة للإجراءات
التي اتخذتها الدولة والدول حول العالم لمواجهة فيروس كورونا. ومن ذلك القطاع
السياحي الذي يشكل 12% من الميزانية العامة، ورسوم المرور عبر قناة السويس، وتحويلات المصريين في الداخل الذين يعملون في قطاعات تأثرت بالإغلاقات، إضافة
للاستثمار الأجنبي.
ويلفت إلى أن معدلات
البطالة سترتفع، ويقدّر عدد القوة العاملة في مصر ما بين 5- 12 مليونا، وهي التي
ستتأثر بشكل كبير، ولن يحصل منهم إلا 1.2 مليون عامل على مساعدات من وزارة القوى
البشرية؛ لأن البقية لم يسجلوا لديها. وستكون المساعدة عبارة عن 1.500 جنيه مصري، أي ما يعادل 95 دولارا أمريكيا، وعلى ثلاث دفعات. أما ملايين العاملين المحرومين
من الضمان الاجتماعي فسيتحولون إلى قنبلة موقوتة.
ويرى التقرير أن الحكومة
لن تكون قادرة على تبرير نفقاتها الهائلة على المدن المسورة والقصور والقوى الأمنية
المتضخمة، مع تواصل الأعباء المتزايدة على القطاع الصحي ومعاناة المصريين من
الوباء. وربما حاول السيسي في الأشهر المقبلة تخفيف الغضب الشعبي بالتركيز على
القطاع الصحي، والثناء على العاملين فيه من أطباء وممرضين.
ويشير الكاتب إلى حديث الدولة عن "الجيش الأبيض" وضخّ مصادر أكثر في القطاع الصحي، وفتح مراكز فحص جديدة، وزيادة الجهود لمواجهة فيروس كورونا، وزيادة رواتب الأطباء.
ومن أجل دعم
قطاع الصناعة وتعزيز الاستثمار، خفّضت الحكومة أسعار الغاز الطبيعي والكهرباء التي
تزودها للمصانع، وأخّرت تحصيل ضريبة الأملاك وما إلى ذلك، ولكن هذه الجهود ربما لم
تكن كافية.
ويقول إن دارسي
التاريخ المصري يعرفون كيف تتحول الاحتجاجات إلى كرة ثلج، لو لم يقم النظام
بالإجراءات الضرورية، ومساعدة القطاع الصحي، فسيواجه موسم غضب جديد.
ويذكر بالربيع
العربي عام 2011، الذي أجبر حسني مبارك على التنحي عن السلطة، و"خريف
الغضب" عام 1981 الذي أدى لمقتل أنور السادات، وتداعيات هزيمة مصر عام 1967 في
ظل جمال عبد الناصر.
ويرى أنه من دون
شرعية سياسية تعتمد عليها، تجد الطبقة السياسية الحاكمة نفسها في وضع أضعف من
فترات أخرى في التاريخ المصري. فالأزمة الحالية أحدثت تصدعات. مشيرا إلى أن الغضب
العام من صورة وزيرة الصحة هالة زايد وهي تأخذ مساعدات طبية إلى إيطاليا، وهي مواد
طبية غير متوفرة في مصر، وإن توفرت فثمنها باهظ.
ويقول إن
المعارضين في ظل تظافر المظالم الاقتصادية والسياسية والاجتماعية يجدون أرضية خصبة
للتحرك. وقد تؤدي الأزمة الحالية إلى تغير جديد يتعلق
بالمفاهيم السياسية والأفضليات، فمنذ سيطرتها على السلطة في عام 2013 استخدمت
النخبة الجديدة أيديولوجية جديدة، تقوم على الوطنية المفرطة المخلوطة مع نزعة
القوة الذكورية التي أقامت أعمدتها وطقوسها وأساطيرها.
ويشير إلى أنها استخدمت
في بنائها الخطاب العام والقوانين والإعلام والتعليم والأفلام والتلفاز، للتأكيد
على أن البطولة لا تأتي إلا من أصحاب الزي العسكري، ويقف على رأسها رجل قوي قادر
على حل كل مشاكل البلاد. ولكن الجيش لا يدافع عن مصر اليوم، بل
الذين يعملون في القطاع الصحي.
ويمكن لفيروس
كورونا تشكيل السياسة والمجتمع في مصر، وهناك سوابق، إذ إن الحمى الإسبانية قضت
على 138 ألف شخص بمصر، معظمهم في الأرياف، وأدت الحمى إلى مظاهرات حاشدة ضد
الاحتلال البريطاني، قتل فيها المئات، لكن خلال 3 أعوام حقق المصريون استقلالهم.