قضايا وآراء

فوائد في زمن الكورونا!!

عصام تليمة
1300x600
1300x600

لا تسير الحياة في وتيرة واحدة، فهي تدور بين صحة ومرض، قوة وضعف، تلك سنة الله في هذه الحياة، لا تتخلف لا مع المسلم ولا غير المسلم، ومنذ أول يوم طرق فيه وباء كورونا أبواب الأفراد والشعوب، تساءل الكثيرون ـ وبخاصة المسلمين ـ هل وباء كورونا محنة من الله للناس، أم منحة؟ وهل يأتي من ورائه فوائد أم مصائب فقط؟

 

تفسيرات سطحية لوباء عالمي


في بادئ الأمر تناول الخطاب الديني السطحي أمر كورونا من خلال أنه عقاب من الله وانتقام يصيب به الظلمة والطغاة من أهل الصين، لما فعلوه مع أهل تركستان الشرقية، ولأنهم حبسوا المسلمين وعذبوهم في الصين، فكان الجزاء من جنس العمل، فعاقبهم الله بالحبس داخل بلادهم. 

ولكن سرعان ما اكتشف الناس أن الوباء عالمي وليس خاصا بالصين وحدها. ولا يمنع أن يكون ابتلاء الله لنظام ما يظلم الناس، بأي عقاب، لكن حصر العقاب فيه ببلاء معين، جزاء على فعل ما، ليس تفسيرا يوافق الصواب دوما، فالله عز وجل وضع في كونه سننا لا تتخلف، من يأخذ بها يستمر، حتى ولو كان كافرا، ومن يتخلف عنها ويتركها يضعف ولو كان مسلما.

ثم انتشر الوباء، وأصبح وباءً عالميا كما أعلنت ذلك منظمة الصحة العالمية، ونتج عن ذلك إجراءت، أولها: كان منع التجمعات لأنها تسبب الإصابة بالفيروس عن طريق انتقاله من المريض به للآخرين، فخرجت الفتاوى بمنع الجمع والجماعات حرصا على صحة المسلمين، وأغلقت المساجد، وحرم الناس من صلاة الجمعة والجماعات.

بدأت تنتشر فكرة أن الله عز وجل عاقبنا بإغلاق المساجد، وهي فكرة خاطئة، لا تنطلق من صحيح الدين، إذ أن المساجد أغلقت لعلة الخوف من المرض، وأغلقت عمن كانوا يرتادونها، فكيف يعاقب الله عز وجل محبيه بإغلاق باب بيته في وجوههم؟ وهي نفس الفكرة الخاطئة التي انطلقت عن عقاب الله للصين، ومصدر هذه الأفكار النظرة العاطفية للابتلاء الذي يكون اختبارا من الله للإنسان، فالطائع يحوله لطاعة ومصدر حسنات ومغفرة من الله، والعاصي يكون الابتلاء عليه وبالا، وغرقا في معصيته، فلا يرده بلاء، ولا يرجعه إلى ربه ابتلاء.

 

إن كورونا، وإن كانت وباء، علينا أن نقي أنفسنا منه، وأن نعمل على علاج من أصيب به، إلا أن المسلم العاقل حول هذه المحنة إلى منحة، وجعل الابتلاء مزرعة للآخرة، من تواصل أسري، وعودة لتلاوة القرآن في أسرته وبيته وأهله.

 



أقعد وباء كورونا الكثيرين من الناس في البيوت، وجاء شهر رمضان، وحُرم الناس من المساجد، وصلاة التراويح، والأعمال الاجتماعية التي كانت تصحب الشهر الكريم، لكن الله عز وجل منح المسلمين فرصة مهمة لعودة الطاعة إلى البيوت، فإن خوت بيوت الله من العمار، فلم تخل بيوت الصالحين من عبادته وذكره.

لقد عادت صلاة التراويح إلى أصلها ـ كما عبر الدكتور أحمد الريسوني ـ فهي سنة كان يؤديها صلى الله عليه وسلم في بيته، وقام بصلاتها جماعة عمر بن الخطاب رضي الله عنه ليجمع الناس على الطاعة، فلما جاءت كورونا اضطر الناس لصلاتها في البيوت، وهنا طبق المسلم سنة كانت غابت لفترة في بيوت المسلمين، وهي قوله صلى الله عليه وسلم: "اجعلوا في بيوتكم من صلاتكم، ولا تتخذوها قبورا"، وكان من سنته صلى الله عليه وسلم صلاة السنن والتراويح في البيوت.

 

محنة ومنحة

المسلم المحب لربه، اتخذ من هذا الوباء، والبقاء في بيته فترة من الزمن، فرصة لمراجعة علاقته بربه من خلال مراجعة علاقة أسرته بالصلاة، والقرآن وتلاوته، فهناك أسر جربت أن تختبر ما يحفظه أبناؤها من القرآن الكريم، وذلك بتقديمهم لإمامتهم في الصلاة، سواء الفرائض أو التراويح، وبدأ بعض الآباء المتدينين يستمعون لتلاوة أبنائهم للقرآن، ويقفون على ضعف أو قوة تمكنهم من تلاوة القرآن بأحكام التجويد، فكان فعله للطاعة في بيته تطبيقا لقوله تعالى: (وأمر أهلك بالصلاة واصطبر عليها) طه: 132، وقوله عن نبي الله إسماعيل عليه السلام: (وكان يأمر أهله بالصلاة والزكاة وكان عند ربه مرضيا) مريم: 56.

هذا على مستوى التعبد، الذي أعاد للأسرة الصلاة الجماعية في البيت، وتلاوة القرآن معا، فضلا عن التدبر في ما يتلى. كما أعاد الحوار الأسري الذي غاب لفترة بحكم العمل والانشغال بأعباء الحياة، فجعل الأب يكتشف من خلال بقائه فترة مع أبنائه وبناته في البيت، ما جد من سلوكيات، وما طرأ عليهم من تغير، لم يكن ليدرك ذلك بمجرد الحديث عنه مع الأم، بل عاشه بنفسه، واكتشاف أن الصغير قد كبر، وأن ما كان يظنه صفة لازمة في ابنه، قد تطور، هذا على المستوى الاجتماعي الأسري كذلك.

أما على مستوى التواصل المجتمعي، فقد جاء الوباء وأقعد الكثيرين عن العمل، مما فتح بابا من أبواب التكافل الاجتماعي، وهو البحث عن أصحاب الحاجة ممن يستحقون الصدقات، وممن يتوجب علينا أن نعطيهم من زكاة أموالنا، بل خرجت الفتاوى التي تحث الناس على تعجيل زكاة المال قبل أوانها، لإعطائها لمستحقيها ممن تضرروا من كورونا ماديا، عملا بسنة النبي صلى الله عليه وسلم حين أخذ زكاة العباس بن عبد المطلب عمه، قبل أوانها، لاحتياجهم لها، لأمر أصاب أهل المدينة.

وعلى المستوى الفقهي والعلمي نتج عن هذا الوباء (كورونا)، أن تفتقت أذهان العلماء والمشايخ عن فتاوى واكبت حاجة الناس، من فتوى ترك الجمع والجماعات وقاية من كورونا، إلى فتاوى صلاة الجمعة في البيوت، والنقاش حولها، وفتاوى تتعلق بتغسيل ودفن والصلاة على موتى كورونا، وحكم ميت كورونا هل له أجر الشهادة أم لا؟ وفتاوى أخرى كثيرة كان وراء تفكير الفقيه والعالم فيها هي هذه الجائحة.

خلاصة الأمر: إن كورونا، وإن كانت وباء، علينا أن نقي أنفسنا منه، وأن نعمل على علاج من أصيب به، إلا أن المسلم العاقل حول هذه المحنة إلى منحة، وجعل الابتلاء مزرعة للآخرة، من تواصل أسري، وعودة لتلاوة القرآن في أسرته وبيته وأهله. وكذلك الفقيه المسلم لا ينطلق من فراغ، بل تحركه الأحداث ليخرج على الناس بفقه وعلم يكون عونا لهم لحل مشكلاتهم، فكانت كورونا على ما بها من مخاطر، إلا أنها لم تخل من فوائد، لا يحسن الاستفادة منها إلا من له حسن صلة بربه، وحسن فهم لدينه.

[email protected]

twitter.com/essamt74
 
@essamt74

التعليقات (0)