هذا الموقع يستخدم ملف تعريف الارتباط Cookie
نشرت مجلة "فورين أفيرز" مقالا للأستاذ في كلية الدبلوماسية والعلاقات الدولية في جامعة "سيتون هول"، يانزهنغ هونغ، قال فيه إن الرئيس الصيني شي جينبنغ بدا قبل شهرين إنه سيخرج من جائحة فيروس كورونا وقد تبعثرت شرعيته وطموحاته لريادة الصين العالمية.
ويشير الكاتب في المقال، الذي ترجمته "عربي21"، إلى أنه إلى اليوم، بينما تقوم الحكومة الصينية بإنهاء الإغلاق عن مدينة ووهان، مركز تفشي الفيروس، فإنه يمكن للرئيس شي أن يقدم نفسه على المسرح العالمي كزعيم قوي ومنتصر، فيما تتطلع القيادات في كل من أمريكا وأوروبا إلى بكين للمساعدة في كفاحهم ضد فيروس كورونا في بلدانهم.
وبحسب الكاتب، فإن قلة فقط توقعوا أن تنقلب الأمور بهذا الشكل، فالخطأ الفادح الذي وقعت فيه الصين في ردها الأولي على "كوفيد-19" بدا أنه سيؤدي إلى إضعاف شي والحزب الشيوعي الصيني.
وفي البداية حاولت السلطات التعتيم على التفشي. فقد حذر طبيب من ووهان اسمه لي وينليانغ من مرض مميت يشبه مرض سارز في كانون أول/ ديسمبر، وأمره الحزب بالتوقف عن نشر "تعليقات كاذبة".
وتوفي الدكتور لي بمرض كوفيد-19 في شهر شباط/ فبراير، ليصبح رمزا أثار الحداد العام والغضب على الحكومة لإساءتها التعامل مع الوباء.
ومع الهجمة المحلية والخارجية على شرعيته، تراجع شي عن الأضواء لفترة وعين رئيس وزراء مجلس الدولة، لي كيقيانغ، مسؤولا عن التعامل مع الجائحة، وعلق الخبراء على ما أطلقوا عليه "لحظة تشيرنوبل" (في إشارة إلى كارثة التسرب الإشعاعي من أحد مفاعلات محطة تشيرنوبل النووية الروسية عام 1986) التي تمر بها الصين وتوقعوا عهد إصلاح سياسي جديد في البلاد أو حتى نهاية النظام.
ولكن على مدى الشهرين الماضيين، أدت الإجراءات الصينية القاسية إلى السيطرة على المرض. حيث قامت الحكومة بإغلاق مدينة ووهان وأوقفت المواصلات العامة بين المدن وأغلقت أماكن الترفيه ومنعت الاجتماعات العامة. وقامت بإجراءات فحص واسعة ووضعت الأشخاص الذين يعتبر أنهم يشكلون "خطرا عاليا" في مراكز حجر صحي في أنحاء المدينة.
ولأن المستشفيات امتلأت فوق طاقتها فقد مات العديد من مرضى كوفيد-19 في بيوتهم، وكنتيجة لذلك فلربما لم يتم تضمينهم في الإحصائيات الرسمية، وفق "يانزهنغ".
ويضيف أنه عندما استمر الفيروس في الانتشار، فقد وسعت الحكومة إجراءات الاحتواء إلى جميع أنحاء البلد، حيث أغلقت المجمعات السكنية والقرى ومدنا بأكملها ونشرت الشرطة لفرض إجراءات التباعد الاجتماعي. ومع أواخر شهر شباط/ فبراير، بدأت حالات الإصابة الجديدة تتراجع بشكل كبير. وفي 19 آذار/ مارس، لأول مرة لم تكن هناك حالات جديدة في ووهان.
ومع نهاية ذلك الشهر، في الوقت الذي أصبحت فيه العديد من الشركات في الغرب تحاول البقاء بصعوبة، عادت حوالي ثلاثة أرباع الشركات الصينية إلى العمل. وأشادت منظمة الصحة العالمية بالصين لأنها "وضعت معيارا جديدا لمكافحة تفشي المرض"، حتى أنها اقترحت أن تحذو الدول الأخرى حذوها في استنساخ إجراءات الاحتواء الصارمة.
اقرأ أيضا: ترامب: نحقق في احتمالية تصنيع كورونا بمختبر في الصين
لكن كثيرا من البلدان لم تفعل ذلك، والديمقراطيات الغربية بالذات كانت بطيئة في إصدار إرشادات البقاء في المنازل، وترددت في إغلاق اقتصاداتها، والآن ومع الارتفاع في عدد ضحايا المرض يوميا في أوروبا وأمريكا يدعي المسؤولون الصينيون أن "نجاحهم" في احتواء التفشي و"فشل" الدول الغربية في ذلك هو شهادة بتفوق ما يسمى النموذج الصيني القائم على حكم الحزب الواحد والاقتصاد الذي تسيطر عليه الدولة.
وبحسب أحد وسائل الإعلام الرسمية الصينية فإن حرب الصين على كوفيد-19 أظهرت "قوة إمكانيات" نظامها السياسي في "التجميع والتنظيم والحشد والجاذبية والفعل".
وكان يأمل العديد من المفكرين والمسؤولين الصينيين الليبراليين في أن الأزمة ستولد المزيد من الانفتاح والشفافية، بحسب المقال، إذ إن البلاد شهدت بعد تفشي وباء سارز عام 2002 و2003 قيام الحكومة بمراجعة قانون الوقاية والعلاج للأمراض المعدية لتحسين التدفق المعلوماتي وإعطاء الانطباع على الأقل بمزيد من الشفافية.
ولكن أزمة كورونا كان لها مفعول عكسي؛ حيث يبدو أن انزعاج الزعماء الصينيين من مطالبة الشعب بالإصلاحات بعد وفاة الدكتور لي أدى إلى حملة قمع لمستخدمي منصات التواصل الاجتماعي المنتقدين للحكومة والمزيد من الرقابة على وسائل الإعلام الحكومية، والتي تم إصدار التعليمات لبعضها بعدم تغطية التداعيات الاقتصادية للجائحة.
وسعى الزعماء الصينيون للنأي بأنفسهم عن دائرة اللوم إزاء سوء التعامل مع التفشي ابتداء، وقام المتحدث باسم وزارة الخارجية بالذات، زهاو ليجيان، بشن "حملة تضليل"، بوصف الكاتب، صور فيها الجيش الأمريكي بأنه أحد الأسباب الممكنة لتفشي المرض.
"ويبدو أن الحملة كانت ناجحة"، يتابع "يانزهنغ"، حيث قام المدون الصيني المشهور "خوي يونغيوان" بإجراء استطلاع رأي غير رسمي وجد فيه أن 12% فقط من 10 آلاف شخص يعتقدون بأن الفيروس أصله طبيعي.
فنظريات المؤامرة مع الدعاية التي تصور الدول الغربية على أنها مفتقدة للكفاءة غذت القومية الصينية وقوت شرعية الحكومة.
واستطاعت الحكومة الصينية تحويل الأزمة لصالحها دوليا أيضا، بحسبه، موضحا أن الرئيس شي "المنتصر بعد أن أوقف تفشي وباء كوفيد-19 في بلده، يريد أن يعكس قوة بلاده الناعمة الآن في الخارج عن طريق دبلوماسية الكمامات".
فقد أرسلت بكين أجهزة فحص وأدوات وقاية شخصية إلى 82 دولة مختلفة، مع أن هنالك تقارير بأن بعض المعدات لم تكن صالحة. ومنذ 10 آذار/ مارس، اقترحت 25 مقاطعة صينية حزم تعاف اقتصادي قيمتها سبعة تريليونات دولار أمريكي، والتي سيتم استخدامها لتحفيز الاقتصاد الصيني المحلي ولدعم مبادرة الحزام والطريق.. مبادرة شي الطموحة جدا لتطوير استراتيجية عالمية تشمل 70 بلدا أفريقيا وآسيويا وأوروبيا.
وفي تحول ملحوظ للأحداث، بحسب المقال، لم يستطع شي فقط أن يتجاوز الأزمة ولكنه خرج منها كزعيم أقوى في الصين وخارجها، "ويمكن القول بأنه نجح بسبب تمكنه من فرض إجراءات صارمة ومقيدة من الاستحالة فرضها في الديمقراطيات الغربية".
وفي الوقت الذي يتزايد فيه عدد الوفيات في أنحاء العالم، فقد يواجه شي المزيد من الانتقاد الدولي لدور حكومته في السماح للجائحة بالتفشي – وللتقليل المحتمل من أعداد الإصابات والوفيات في الصين.
ويختم المقال بالقول: "ولكن بينما يمزق مرض كوفيد-19 بلدا بعد آخر، فإن القليل من الناس سينكرون أن الصين تتحول بسرعة إلى أكثر الأماكن أمنا على الأرض. ويذكرنا جون ألين من معهد بروكنغز، بأن التاريخ يكتبه المنتصرون في أزمة كوفيد-19. ويبدو أن الرئيس شي هو المنتصر، لحد الآن على الأقل".