قضايا وآراء

نهاية كورونا

أسامة جاويش
1300x600
1300x600
أعزائي المشاهدين أتوقف معكم عند هذا الخبر العاجل الذي ورد إلينا قبل قليل، حيث أعلنت منظمة الصحة العالمية على لسان مديرها العام في مؤتمر صحفي قبل قليل السيطرة بشكل كبير على وباء كورونا الذي حصد أرواح ملايين البشر حول العالم، وأضاف البيان أنه تم التوصل إلى لقاح فعال تصل نسبة نجاحه إلى 90 في المئة للقضاء على الفيروس وتمت تجربته بنجاح، كما تم اعتماده والتأكد من توفره لدى كل الدول التي عانت من انتشار كورونا في الشهور الماضية، اخرجوا من منازلكم وعانقوا بعضكم وعودوا إلى مكاتبكم وأعمالكم فقد انقضى هذا الكابوس..

في كل يوم أذهب فيه إلى عملي في الأستديو أفكر في تلك اللحظة التي ستعلن فيها مئات الآلاف من القنوات والصحف، وأنا معهم، هذا الخبر العاجل وتلك البشرى السارة التي ينتظرها مليارات البشر في منازلهم وداخل المشافي وفي دهاليز الحجر الصحي، كما تتمناها مئات الآلاف من الفرق الطبية داخل غرف العناية المركزة وفي أقسام الاستقبال والطوارئ ليعودوا الى منازلهم ويحتضنوا اطفالهم وأحبابهم دون خوف من نقل للعدوى أو انتقال للفيروس القاتل.

ولكن السؤال: هل سنعود كما كنا قبل كورونا؟ وما الذي تغير فينا وغيره فينا كورونا غير ساعات أكثر داخل المنازل وحلقات أطول أمام نيتفليكس ومشاهدات أقوى للأفلام والمسلسلات ومتابعات بالملايين للنشرات الإخبارية والدراسات العلمية؟ ربما كان التغير الأكثر أن تدرك الشعوب أن الرأسمالية المتوحشة لم تنقذهم، وإنما كشفت عورات أنظمة قائمة على مص دماء الفقراء وعدم الاهتمام بتوفير الرعاية الطبية والاجتماعية الكافية لهم.

سيُجبر دونالد ترامب على إعادة وحدة مكافحة الأوبئة التي أقالها ودمجها مع فريق مكافحة أسلحة الدمار الشامل، وسيعلم أن المهمة التي أسندها الرئيس الأمريكي السابق باراك أوباما لهذه الوحدة هي أمر جلل، وأن الولايات المتحدة تدفع ثمن إلغاء الدور البحثي والوقائي التي كان يقوم به هذا الفريق. وسيصبح الصوت الأقوى والأكثر تأثيرا وربما يمنح جائزة نوبل للسلام؛ هو أنطوني فاوتشي، عالم الأوبئة في الولايات المتحدة الأمريكية الذي أجبر ترامب أن يقف منصتا إليه في كل مرة يتحدث فيها أمام الكاميرات عن مكافحة وباء كورونا.

ستقتنع المملكة المتحدة أخيرا بأن وجودها في المركز السابع أو الثامن في تصنيف أقوى الجيوش العالمية هو أمر غير ذي أهمية؛ إذا ما تمت مقارنته بوجود ستة آلاف سرير عناية مركزة فقط لكل مئة ألف مريض في بريطانيا أثناء هذه الأزمة.. وستؤمن فرنسا بأن توفر أجهزة تنفس صناعي بل تصنيعها داخل مصانع فرنسية لا يقل أهمية عن توفر وتصنيع طائرات الرافال الفرنسية.. وسيعلم السيسي أن سياسة اللقطة الإعلامية والشو لم تكن تصلح في مواجهة جائحة كتلك التي نعيشها الآن.

استضفت أحد الأطباء العرب العاملين في قسم التخدير والعناية المركزة في مستشفيات العاصمة البريطانية لندن، فقال لي على الهواء مباشرة إن وباء كورونا لم يأت كي نتخلص منه أو نقضي عليه بشكل تام، وإنما جاء لنتعايش معه، قلت في نفسي وكيف أتعايش مع قاتل خفي حصد من الأرواح ما حصد، وانتشر بيننا كانتشار النار في الهشيم؟ وهل يليق بنا التعايش مع قاتل فتاك كهذا؟ بل نحاربه ونقضي عليه وننتصر.. انتبهت لنفسي وضيفي يلاحقني على الهواء بقوله: "نعم سنتعايش معه كما نتعايش مع الإنفلونزا"، أليست فيروسا مثله يقتل منا ويصيب الملايين كل عام؟ ثم ختم حديثه معي بأن العالم ربما يصل إلى لقاح ولكنه لن يكون كافيا للقضاء التام على كورونا ولن يكون لقاحا لمرة واحدة وكفى، ولكنه سيكون مشابها للقاح الإنفلونزا الذي نأخذه كل عام في موسم الإصابة بالمرض كي نعين أجسامنا على الوقاية منه، إلى جانب مناعتنا الذاتية التي تنهار أمامه في كل عام مرة أو مرتين.

كورونا حتى الآن أصاب مليوني شخص، في حين أصيب في العام الماضي فقط أكثر من مليار شخص بالإنفلونزا. كورونا قتل حتى الآن أكثر من 114 ألف شخص حول العالم، في حين تقتل الإنفلونزا في كل عام ما بين ربع إلى نصف مليون شخص. الأرقام ليست متقاربة ولا زالت الفجوة بين من يحصده فيروس مثل الإنفلونزا أو أمراض أخرى؛ وبين ضحايا كورونا كبيرة للغاية.

في 2017 نشر معهد الدراسات الصحية والتقييم دراسة عن أعداد الوفيات حول العالم بالنسبة للأمراض المسببة لذلك، لتجد ان أعداد من ماتوا بالأمراض القلبية في عام واحد تجاوز 17 مليون شخص، ومن ماتوا بسبب مشاكل في الجهاز التنفسي أكثر من ثلاثة ملايين شخص، ومن ماتوا ضحية السرطان أكثر من تسعة ملايين إنسان.

كورونا لن يتوقف ونحن أيضا يجب أن لا نتوقف عن مجابهته حتى نصل لعلاج حقيقي، أو نصل إلى تلك المرحلة من التعايش مع قاتل كهذا كما تعايشنا مع أمراض كثيرة فتكت ولا زالت تفتك بملايين البشر سنويا.
التعليقات (0)