كان مثيرا ما حدث في قرية شبرا البهو، بمركز آجا في محافظة الدقهلية (شمالي القاهرة)، من
رفض أهاليها دفن جثمان الدكتورة سونيا عبد العظيم، لتتم إقامة مراسم الدفن بمقابر أهل زوجها، اعتقادا بأنها ستنقل عدوى فيروس
كورونا؛ نظرا لأنها توفيت متأثرة بمضاعفاته.
لم يغفر للدكتورة سونيا إصابتها بالفيروس وهي مستمرة في موقفها النبيل والبطولي وتعالج المرضى من الفيروس اللعين، فانتقلت العدوى للدكتورة وأجهزت عليها. عندما انتقل جثمانها ليوارى الثرى، انتبه الأهالي فرضوا دخوله؛ لوهم يسيطر على عقولهم من الخوف بانتقال العدوى من الميت إلى الأحياء.
إن هذا المشهد العبثي بامتياز يعكس، ولا شك، غياب الوعي الذي تم تجريفه بمنهجية وانتظام طيلة السنوات الأربعين السابقة، شأنه شأن كل مناحي الحياة السياسية والاجتماعية والثقافية، التي أصابها الصدأ نتيجة لتغيبها وتشويهها وتسطيحها. فكانت النتيجة، هذا المشهد العبثي المرعب في تفاصيله ومعانيه ودلالاته.
المسألة لا تقف عند هذه الواقعة بعينها رغم فداحتها ومأساويتها؛ ولكنها تتجاوزها إلى تصور مقلق ومخيف للمستقبل، في ظل غياب وعي كامل للشريحة الكبرى في المجتمع. لقد اختفت قيم الجمال، لتسود مكانها قيم القبح والغلظة، والجهل والتنمر. لقد ذهب زمن كامل من البساطة والصدق والوعى الفطري بقيم الحياة، وأصبحنا نستقبل، أو نعيش بمعنى أدق، الزمن الصعب الذي يُصّدر لنا ثالوث الفناء: الفقر والجهل والمرض.
زمن تتراجع فيه قيم الديمقراطية وقيم حقوق الإنسان، أمام قوى
الاستبداد والديكتاتورية، بدعوى المحافظة على أمن الإنسان وصحته.
زمن سيفقد فيه الحب معناه.
زمن سيزداد الغني في غناه، وسيزداد الفقير في فقره.
زمن سيُحّجم الحب ويطارد ويُعتقل إذا استدعى الأمر.
زمن المجاعات والأوبئة.
زمن الذكاء الإصطناعي الذي سيضع الإنسانية كلها على المحك الجبروت.
وأخيرا أتمنى، أتمنى، أن نوقف هذه المهزلة قبل أن نصل إلى نقطة اللا عودة.