تعددت
الإجراءات الحكومية
المصرية للتخفيف من وطأة
الآثار السلبية لتداعيات فيروس
كورونا على
الاقتصاد المحلي خلال الأسبوعين الماضيين،
ما بين خفض لمعدل الفائدة المصرفية بمقدار 3 في المئة، وتأجيل لسداد القروض
المصرفية لمدة ستة أشهر، وخفض لسعر الغاز الطبيعي للصناعة إلى 4.5 دولار للمليون
وحدة حرارية بريطانية، وخفض سعر الكهرباء للصناعة للجهد الفائق والعالي والمتوسط
بقيمة عشرة قروش، وتخصيص مبلغ مليار جنيه خلال شهري آذار/ مارس ونيسان/ أبريل، من العام
الحالي لسداد جانب من مستحقات المصدرين المتأخرة لدى الحكومة، مع تخصيص مليار جنيه
أخرى للسداد بشهر حزيران/ يونيو القادم.
وتم تأجيل سداد الضريبة العقارية المستحقة على المصانع
والمنشآت السياحية لمدة ثلاثة أشهر، والسماح بتقسيط الضريبة العقارية المستحقة على
المصانع والمنشآت السياحية عن الفترات السابقة من خلال أقساط شهرية لمدة ستة أشهر،
ورفع الحجوزات الإدارية على كافة الممولين الذين لديهم ضريبة واجبة السداد، مقابل
سداد نسبة 10 في المئة من الضريبة المستحقة عليهم، وإعادة تسوية ملفات هؤلاء
الممولين من خلال لجان فض المنازعات، والإعلان عن تخصيص مئة مليار جنيه لمواجهة
تداعيات كورونا على الاقتصاد.
وتم خفض ضريبة الدمغة على التعامل بالبورصة، والإعفاء
الكامل من ضريبة الدمغة للعمليات الفورية بها، وتخفيض الضريبة على توزيعات الأرباح
بنسبة 50 في المئة للشركات المقيدة بالبورصة. وخصص البنك المركزى 20 مليار جنيه
لدعم البورصة، بخلاف ثلاثة مليارات من الجنيهات أعلن مصرفا الأهلي المصري ومصر،
أكبر البنوك الحكومية، عن تخصيصها لنفس الغرض.
تركز الطلب المحلي على الغذاء والدواء
ورغم كل تلك الإجراءات، يرى الكثير من رجال الأعمال
أنها ما زالت غير كافية، ويطالبون بصندوق حكومي للتخفيف من الآثار السلبية لتداعيات
انتشار الفيروس، الدولية والإقليمية والمحلية، والتي تسببت في توقف تام للنشاط
السياحي مما أثر على القطاعات المتصلة به كالقطاع الغذائي وقطاع النقل وقطاع
الطيران الذي توقف تماما هو الآخر.
وتعثر التصدير لكثير من المقاصد خاصة الأوروبية،
نظرا لحالة الإغلاق التي شملت العديد من البلدان وبطء التداول بالموانئ، وعدم استجابة
السوق المحلي لتعويض انخفاض الصادرات بسبب تراجع حركة المبيعات، نتيجة التعليمات
الحكومية بالتزام البيوت ووقف الدراسة في المدارس والجامعات، وفرض حظر التجول خلال
الليل، واتجاه الإنفاق الاستهلاكي للتركيز على السلع الغذائية الأساسية وعلى
الأدوية والمطهرات والمنظفات، مع ترشيد الإنفاق عموما تحسبا لطول فترة تداعيات
الفيروس الذي لم يظهر له علاج بعد.
كما أن تلك الإجراءات الحكومية لم تمتد إلى تعويض
المزارعين عن الخسائر التي لحقت بهم، نتيجة صعوبة التصدير وعجز السوق المحلية عن
إستيعاب تلك السلع، مما أدى إلى تصريفها بأسعار منخفضة لا تعوض تكلفة إنتاجها، كما
حدث لمحصول البطاطا وغيره من أنواع الخضروات، إلى جانب عدم تعويض المزارعين الذين
أضيروا من موجة الطقس الحادة التي ألمت بالبلاد مؤخرا.
القطاع العقاري كذلك يطالب بمهلة من قبل الجهات الحكومية
لسداد أقساط قيمة الأراضي التي اشتراها، مع تراجع المبيعات في سوق العقار وتوقف
معارض الترويج محليا وخارجيا، كما أن الإجراءات الحكومية لم تعوض
شركات الطيران
الخاصة التي تعطل عملها وما زالت مطالبة بإيجارات للطائرات وإيجارات لأماكن
تواجدها وأجور للعمالة فيها.
سعر الفائدة ما زال مرتفعا رغم خفضه
وإذا كانت تداعيات كرونا قد حققت رواجا لدى الصناعات
الغذائية والدوائية التي زاد الطلب عليها، فإن مشكلة السيولة تجعل مهمتها صعبة
لزيادة الإنتاج بالمعدلات التي تفي باحتياجات السوق، وارتفاع أسعار الشحن لاستيراد
المكونات الأجنبية التي تدخل بالصناعة، بينما أثر ضعف الطلب على كثير من الصناعات
الأخرى، مثل الصناعات الهندسية والأحذية والملابس والجاهزة وغيرها، مما اضطر
الكثير من صُناع الأحذية والملابس إلى إغلاق مقار أعمالهم.
وباستعراض أثر بعض تلك القرارات الحكومية على الاقتصاد
المصري، يبرز خفض سعر الفائدة بمعدل 3 في المئة مرة واحدة، وهو أمر كان كفيلا لو
حدث في الظروف العادية بإحداث تغير جوهري في السوق، لكن وجود تداعيات كورونا حد من
جني الشركات ثمار هذا التخفيض الكبير في سعر الفائدة.
لهذا تستفيد الشركات من ذلك الخفض للفائدة للتخفيف
من أعبائها التمويلية، لكنه لن يكون حافزا لها للاقتراض لتوسعة النشاط، فهذا أمر
مؤجل حتى تتضح الصورة بالنسبة لما ستسفر عنه تداعيات انتشار الفيروس، إلى جانب أن
نسبة الخفض تصل بسعر الفائدة إلى نسبة 9.25 في المئة، وهو سعر ما زال يقل عما كانت
عليه الفائدة قبل تولي محافظ البنك المركزي منصبه في تشرين الثاني/ نوفمبر عام
2105، حين كانت 8.75 في المئة.
الفائدة المصرية أعلى من الدول العربية
كما أن مقارنة سعر الفائدة البالغ 9.25 في المئة
بسعر الفائدة في بلدان العالم حاليا، يجعل المنافسة في غير صالح الشركات المصرية
المصدرة للأسواق الخارجية، حيث أن الفائدة حاليا سلبية في بلدان منطقة اليورو
التسعة عشر، إلى جانب دول السويد واليابان وسويسرا وإنجلترا والمجر.
كما ينخفض معدل الفائدة في كثير من دول العالم عن
نسبة النصف في المئة، منها الولايات المتحدة وبلغاريا وألبانيا ومقدونيا وسنغافوره
وبروناي وغانا.
كذلك ما يزال البون شاسعا بين سعر الفائدة المصرية
وسعر الفائدة في الدول العربية، والذي يصل إلى 1 في المئة بقطر، و1.3 في المئة
بالسعودية، و1.7 في المئة بالكويت، و1.75 في المئة بالجزائر، و3.1 في المئة
بالمغرب، و3.45 في المئة بسلطنة عُمان.
كما أن سعر 9.25 في المئة للفائدة يمثل سعر الفائدة
لإيداع البنوك أموالها لدى المصرف المركزي المصري، بينما سعر إقراض المصرف المركزي
للمصارف يصل إلى 10.25 في المئة، وبالطبع فحتى تقرض تلك البنوك المقترضة من المصرف
المركزي الشركات، فإنها تضيف هامشا على هذا السعر يمثل مصروفاتها وأرباحها.
وربما يقول البعض إن البنك المركزي المصري قد خفض
أيضا سعر الفائدة بمبادراته، لتمويل قطاعات الصناعة والعقار والسياحة من 10 في
المئة إلى 8 في المئة والتي انضم إليها قطاع الزراعة مؤخرا، لكن نسبة 8 في المئة
ما زالت مرتفعة بالمقارنة بغالبية الدول التي يتم التصدير إليها، مما يرفع من
تكلفة المنتجات المحلية، كما أن الحصول على هذا السعر الأقل لفائدة الاقتراض له
شروط، بما يعني أنه ليس متاحا لكل الشركات في تلك القطاعات.
شكوى من سعر الغاز بعد خفضه
أما عن خفض سعر الكهرباء للصناعة بنحو عشرة قروش فإنه
خفض قليل لا يؤثر كثيرا لدى غالبية الشركات، وتستفيد منه أكثر الشركات ضخمة
الإستهلاك للكهرباء، وأبرزها شركة مصر للألومنيوم، حيث يوفر لها سنويا حوالي نصف
مليار جنيه، لكن تداعيات كورونا تسببت في نفس الوقت في انخفاض سعر الألومينوم
عالميا، مما صعب من إمكانية تصدير منتجاتها لارتفاع تكلفتها، وهي التكلفة التي لا
تتلاءم في نفس الوقت مع السوق المحلية، مما جعل الشركة تفكر في خفض إنتاجها. وهكذا
فإن خفض سعر الكهرباء للشركة سيساهم في خفض خسائرها التي بلغت 596 مليون جنيه في النصف
الأول من العام المالي الحالي، لكنها ستستمر في الخسارة.
وشكت كثير من الصناعات كثيفة الاستهلاك للطاقة، مثل
الحديد والسيراميك، من سعر الغاز الطبيعي بعد الخفض، والذي يصل إلى 4.5 دولار
للمليون وحدة حرارية بريطانية، ولهذا يتوقع أن تستمر شركة مثل حديد عز في الخسارة
رغم خفض سعر الغاز الطبيعي، بسبب تراجع المبيعات، خاصة وأن الأزمة الحالية
العالمية والمحلية أكبر من مجرد خفض تكاليف أحد مكونات عملية التصنيع.
ولهذا تطالب تلك الشركات بخفض السعر المحلي للغاز
الطبيعي إلى ما بين 2.5 إلى ثلاثة دولارات، خاصة مع انخفاض أسعار الغاز الطبيعي في
الأسواق الدولية، حتى أن السعر بلغ في 20 آذار/ مارس 1.98 دولار للمليون وحدة
حرارية بريطانية، حسب مركز هنري هوب.
والجدير بالذكر أن وزارة البترول المصرية كانت قد
قللت من صادراتها من الغاز الطبيع يخلال الربع الأخير من العام الماضي، بسبب انخفاض
أسعار الغاز في الأسواق الأوربية عن السعر التي تستهدف البيع به، والبالغ خمسة
دولارات للمليون وحدة حرارية بريطانية. وهو سعر يشمل تكلفة استخراج الغاز وتكلفة تسييله
ونقله للأسواق الخارجية بالناقلات البحرية، بينما تريد بيع الغاز للشركات الصناعية
المحلية بسعر 4.5 دولار، رغم عدم تحملها تكلفة لتسييله أو نقله بالناقلات البحرية،
حيث يتم ضخه مباشرة بالشبكة القومية لأنابيب الغاز الطبيعي داخل البلاد!