العالم كله مقبل على أزمة
اقتصادية خطيرة جدا. أنا لا أريد أن أكون متشائما لكن لا بد من قرع ناقوس الخطر. كما أنه لا يعني أن العدد القليل من المصابين بفيروس
كورونا في أي دولة كانت أن هذه الدولة محصنة من أي أزمة اقتصادية.
هناك قاعدة مهمة في الحياة العملية والاقتصادية، وبالذات في هذا الوقت، أنه كلما تم التشدد في الإجراءات الصحية والوقائية بالطبع ستكون له انعكاسات وتأثيرات سلبية على الحركة الاقتصادية والتجارية.
جاء إعلان منظمة الصحة العالمية عن فيروس كورونا بأنه "وباء عالمي" كالصاعقة على الاقتصاد العالمي، وبالذات على الأسواق المالية، هذا الأمر بالطبع ألقى بتداعياته السلبية على الاقتصاد، فقد خفضت منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية (OECD) توقّعاتها لنمو الاقتصاد العالمي بنصف نقطة مئوية، إلى 2.4 في المئة، وهو أدنى مستوى منذ الأزمة المالية العالمية عام 2008م. كما وحذرت (OECD) من أن تزايد انتشار الفيروس سيؤدي الى نمو الاقتصاد العالمي بنسبة 1.5 في المئة فقط، ودخول اقتصادات منطقة اليورو واليابان في الركود.
والناظر إلى واقع أسواق الأسهم العالمية يرى أن كارثة قد وقعت لهذه الأسواق، ففي سوق الأسهم في أوروبا كان سقوط للمؤشرات الأوروبية عامة، كأسواق كل من فرنسا وبريطانيا وبلجيكيا والنمسا وهولندا، وهو الأسوأ في تاريخها، أما بالنسبة لألمانيا فتعد هذه الضربة هي الأسوأ لها منذ أكثر من 30 عاما، منذ يوم "الاثنين الأسود" عام 1987م.
لقد انخفضت البورصات الأوروبية في نهاية الأسبوع الماضي بنسب تتراوح ما بين 20 في المئة و23 في المئة، وهو وضع أسوأ بكثير مما كان عليه أيام الأزمة الاقتصادية عام 2008م.
أما بالنسبة للسياحة العالمية فقد تعرضت لخسائر فادحة بسبب الانتشار السريع لفيروس كورونا في أكثر من 180 دولة حول العالم. كما هو معلوم، فإن السياحة والسفر أتاحت حوالي 319 مليون وظيفة في العالم، أي حوالي 10 في المئة من مجمل الوظائف العالمية، هذا يعني أن الموظفين والعاملين تضرروا من حيث فقدهم لأماكن عملهم، إذ تقدر خسائر السياحة في العالم حتى اليوم بأكثر من 50 مليار دولار، وقد تصل الخسارة إلى 100 مليار دولار إذا استمر الوضع على ما هو عليه اليوم.
هذا بالنسبة للاقتصاد العالمي، ماذا عن الاقتصاد
الإسرائيلي؟ بالنظر إلى واقع انتشار فيروس كورونا في إسرائيل نجد أنها تحتل مكانة متقدمة في مدى انتشار هذا المرض بين السكان، فقد وصل حتى هذه اللحظات إلى 2495 حالة مرضية، ووفاة خمسة من المرضى. والواقع سيشهد معدلات أكثر في نسبة المصابين في فيروس كورونا، والانتشار كثيف جدا. والمعادلة في انتشاره هي معادلة أسية، وهذا ينقلنا إلى أن الخسائر التي لحقت أسواق البورصة في تل أبيب كبيرة، إذ وصل الانخفاض إلى ما يقارب 8 في المئة في الأسبوع الماضي، فخسرت بعض الشركات مئات ملايين الشواكل كشركة ديلك (شركة لبيع البنزين)، وقد تلقت صناديق التقاعد وشركات التأمين وأسهم البنوك ضربة قاسية جدا.
أما بالنسبة للسياحة في إسرائيل فقد باتت "في خبر كان"، حيث ترك هذا القطاع في إسرائيل وراءه آلاف الوظائف والعاطلين عن العمل، فهناك عشرات الفنادق التي أغلقت أبوابها أمام الزوار، وقد سرّحت شركة الطيران الأم في إسرائيل (ELAL) أكثر من 85 في المئة من موظفيها، في إجازة من غير راتب، وهم يعدون بالآلاف.
وهذا الأمر ينقلنا إلى إحصائيات واضحة في انخفاض السياحة في إسرائيل، في 17 آذار/ مارس 2019، حيث غادرت 241 رحلة جوية من مطار بن غوريون وهبطت 216 طائرة، بينما في آذار/ مارس 2020م، كانت هناك 99 عملية إقلاع و 82 عملية هبوط يوميا.
والأمر لا يتوقف عند السياحة بل وصل الأمر إلى كل تجار التجزئة، وبالذات المجمعات التجارية المقفلة والمقاهي الفارغة، والمطاعم المغلفة، فمثلا تجار الملابس والأزياء بالتجزئة يعانون من انخفاض كبير في النشاط. وقد حذّرت هذه الشركات قبل شهر ونيف من تباطؤ أعمالها بعد إغلاق المصانع في الصين، والآن بسبب الإغلاق الحالي بدأت بإرسال موظفين إلى المنازل بإجازة غير مدفوعة، حيث أعلنت مجموعة "FOX " للأزياء عن تسريح 8500 موظف في 700 متجر، وأبقت على 100 موظف للقيام في عمليات البيع والشراء عبر الإنترنت. وكذلك مجموعة "American Eagle" سرّحت مئات العمال والموظفين، كذلك أعلنت مجموعة "ZARA" لبيع الألبسة العالميّة عن تقليص ساعات العمل في المحلات المفتوحة وتسريح المئات من العمال. أمّا شبكة "Castro" الإسرائيلية للملابس، فقد فصلت حوالي 5400 موظف، وستواصل المبيعات فقط من خلال موقعها على الإنترنت. كل ذلك بسبب انخفاض الطلب.
أما قطاع المطاعم والمقاهي في اسرائيل فقد سجل انخفاضا كبيرا في عدد الزوار بسبب الأمر بإغلاقها. وبالطبع هذا الأمر سيؤدي حتما إلى إعلان إفلاس بعض هذه المطاعم، إذ يوجد في إسرائيل ما يقارب 13 ألف مقهى ومطعم، تشغّل حوالي 200 ألف عامل، وقد سرّحت هذه المطاعم والمقاهي عشرات آلاف العمال، وبقي الأمر على التوصيل للبيوت. على سبيل المثال فقد أغلقت شبكة "McDonald's" أكثر من 195 فرعا لها في إسرائيل، وسرّحت 4000 موظف في إجازة غير مدفوعة، علما أن شركة وتستعد المراكز التجارية وشركات تأجير العقارات لتخفيف الإيجار عن هذه الحوانيت.
البطالة في إسرائيل ستزداد يوما بعد يوم، وسيصل عدد أصحاب الإعانات من التأمين الوطني (الضمان الاجتماعي) خلال شهر آذار/ مارس فقط إلى ما يقارب 750 ألف عامل وموظف، ومن المتوقع وفق تقديرات الضمان الاجتماعي أن العدد سيصل إلى مليون عاطل عن العمل حتى نهاية الأعياد اليهودية في بدايات شهر نيسان/ أبريل، وهذا يعني أننا أمام أزمة اقتصادية حقيقية والأزمة ستتفاقم، والخسائر للاقتصاد الإسرائيليّ ستصِل وفق تقديرات وزارة المالية الاسرائيلية إلى 26 مليار دولار، علاوة على أن النمو الاقتصادي في إسرائيل هذا العام سينخفض بنحو 3 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي وفق تقديرات الخبراء، بل إن الخسارة اليومية في السوق الإسرائيلي تساوي ملياري دولار.
كما أن عائدات الدولة ستنخفض بنحو 1.2 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي، أي حوالي 17 مليار شيكل، أو حوالي 5 في المئة من الإيرادات السنوية.
ولذلك فإنه ينتظر سكان دولة إسرائيل ما بعد إنتهاء أزمة تفشي الفيروس، أزمة كبيرة يصحبها حملة لرفع الضرائب على السلع والتجارة والشركات والأرباح، بمعنى أن المواطن سيتضرر بالطبع من وراء هذه الحملة، كل ذلك للعمل على عدم توسع العجز، والذي أصلا الدولة هي في عجز ما قبل كورونا في حدود 16 مليار دولار، واليوم وصل عجز الدولة من الميزانية العامة 34 في المئة.
كل ذلك وميزانية الدولة لم تُقَّر حتى الآن، لعدم وجود حكومة، وهذه الحكومة هي حكومة تصريف اعمال وهي تُدير الدولة، مع ذلك هي غير مخولّةٍ لسنّ قانون الميزانيّة، الأمر الذي يزيد الوضع سوءا.
نحن نعيش في هذه الفترة ما بين كساد وغلاء بنفس الوقت، وهذا أمر ليس من ديناميكية وقواعد النظام الاقتصاد وهو قلّ ما قد يحل، لكن هذا الأمر بالطبع بدأ نتاجه يظهر في الأسواق التجارية في إسرائيل، في الوقت يبدأ وتبدأ فيه الحكومات بضخ أموال للتداول بسرعة كبيرة، وبمبالغ هائلة، لكن في إسرائيل ما زالت الحكومة غير قادرة على اتخاذ قرارات بضخ الأموال في السوق.
فإذا سرنا في هذا المسار فإن العالم أجمع سيكون في مرحلة إنهيار النظام المالي العالمي، بفقدان الثقة حينما يتوقف الشخص عن الثقة في شريكه التجاري، وما إذا كان سينهار غدا أم لا.
ومن هنا لا بد من دعوة الدول ككل أن لا تعالج تلك الأزمة بعشوائية، بل لا بد لها من تخطيط واضح وملموس بشفافية كاملة لمواجهة الأزمة، مع وضع سيناريوهات للمواجهة في الأجل القصير والأجل المتوسط والأجل الطويل. فلا يوجد للآن تنبؤ واضح يعكس متى تنتهي هذه الأزمة التي تفتك بالإنسان والاقتصاد.