هذا الموقع يستخدم ملف تعريف الارتباط Cookie
الدكتور
محمد بديع عبد المجيد محمد سامي ثالث أصغر مرشد لجماعة الإخوان المسلمين منذ
تأسيسها عام 1928م، بعد أول مرشدين هما حسن البنا وحسن الهضيبي، وهو أول مرشد
للإخوان لم يسبق له أن تعرّف إلى مؤسس الجماعة حسن البنا، وأول مرشد ترى الجماعة
في عهده انتصارات كبيرة، وتتلقى ضربات عنيفة، وتواجه تحديات كبرى.
وُلد "بديع" في 7 آب/ أغسطس 1943م
بقرية سامول في مدينة المحلة الكبرى التابعة لمحافظة الغربية (شمالي مصر)، وقد نشأ
وسط أسرة بسيطة ومتدينة.
حصل على بكالوريوس الطب البيطري من جامعة القاهرة
سنة 1965م، وتم تعيينه معيدا بكلية طب بيطري جامعة أسيوط في العام نفسه، وتدرج
علميا فحصل على الماجستير عام 1977م من جامعة الزقازيق، ثم الدكتوراه من نفس
الجامعة عام 1979م، وترقى حتى وصل إلى درجة أستاذ مساعد بطب بيطري جامعة الزقازيق
عام 1983م، ثم أستاذا بطب بيطري جامعة القاهرة فرع بني سويف عام 1987م.
في عام 1990م، تولى منصب رئيس قسم الباثولوجيا
بكلية طب بيطري جامعة بني سويف لمدة دورتين، ثم أصبح وكيلا للكلية لشؤون الدراسات
العليا والبحوث عام 1993م، وعمل أخيرا أستاذا متفرغا بقسم الباثولوجيا بنفس الكلية، وبلغ
إجمالي عمله أستاذا جامعيا نحو خمسين عاما.
تم انتخابه أمينا عاما للنقابة
العامة للأطباء البيطريين لدورتين، وأمينا لصندوق اتحاد نقابات المهن الطبية لدورة
واحدة، وأشرف على 15 رسالة للماجستير، و12 رسالة
للدكتوراه، وعشرات الأبحاث العلمية في مجال تخصصه.
نجح في الجمع بين دراسة العلوم الإسلامية والتفوق في التخصص العلمي، إلى حد إدراج اسمه في الموسوعة
العلمية العربية التي أصدرتها الهيئة العامة
للاستعلامات المصرية عام 1999م ضمن أعظم مائة عالم عربي، بناء على سجله العلمي الحافل
في مجال الطب البيطري.
ساهم في إنشاء المعهد
البيطري العالي بالعاصمة اليمنية صنعاء خلال فترة إعارته للتدريس في الجامعات
اليمنية لمدة أربع سنوات (1982م -1986م)، كما قام بترجمة المناهج الدراسية للغة
العربية، ونظرا لجهوده العلمية باليمن سجّله
اليمنيون في موسوعة عظماء العلماء العرب، وكعمل خاص أنشأ المزرعة الداجنة والحيوانية الخاصة به.
"مسيرته مع الإخوان"
خلال مراحل حياته الأولى في خمسينيات القرن الماضي، بدأت علاقته بالإخوان، حين تعرف الفتى محمد بديع على أحد أعضاء
الإخوان المسلمين السوريين، وهو الدكتور محمد سليمان النجار، الذي دعاه إلى
الانضمام للجماعة، وبحماس الشباب اقتنع بالفكرة رغم أجواء الخوف التي كانت تُثار وقتئذ عند
ذكر كلمة "الإخوان". وترك النجار أثره على الطالب محمد بديع، الذي قال عنه لاحقا: "إنه هو
الذي تابعني بالتربية والتنشئة وعلاج الثغرات وسد النقائص".
وفي عام
1959م، بدأ الشاب الفتي في حفظ الجزء الأخير من القرآن، وبعد إتمامه قدر الله له
موعدا مع أحد مُنظّري جماعة الإخوان في ذلك الوقت سيد قطب، وأصبح أحد تلامذته، فأحبه حبّا جمّا - حسبما قال في بعض حواراته- ودافع عن كتابات قطب، مؤكدا
أن البعض أساء فهم ما ورد بها من ألفاظ أدبية فضفاضة، ذلك فضلا عن تأثره وقربه من أحد رموز جماعة الإخوان المسلمين، الشيخ عبد الفتاح
إسماعيل، الذي سعى لإعادة مسيرة الجماعة بعد الضربة العنيفة التي تلقتها على يد
نظام جمال عبد الناصر في خمسينيات القرن الماضي.
يقول بديع عن بدء مسيرته
مع الجماعة: "قبل انضمامي للجماعة لم يكن في خلفية الذاكرة أي معلومات عن
الإخوان، لأننا لا نكاد نرى شخصا منهم؛ فلم يكن اسم الإخوان يذكره أحد أو حتى
نلتقي بمن يذكره لنا".
كان عمره 16 عاما عندما
بدأ مشواره مع الجماعة عام 1959م، وعاش منعطفات مسيرتها مع أنظمة عبد الناصر
والسادات ومبارك، سجينا أحيانا، وداعية في أغلب الأحيان.
"في
معتقلات العسكر"
سُجن بديع على فترات متباعدة وفي عصور مختلفة،
وقضى نحو خُمس حياته داخل السجون والمعتقلات، حيث سُجن للمرة الأولي، وهو في سن
الثانية والعشرين من عمره، في القضية العسكرية المعروفة بقضية (سيد قطب والإخوان)
عام 1965م، وحُكم عليه بخمسة عشر عاما، قَضى منها 9 سنوات، وخرج في 4 نيسان/ أبريل
1974م، بعدما ناله من التعذيب ما نال رفاق دربه؛ فتوثقت علاقته بإخوان المحنة،
وعلى رأسهم محمود عزت، ومصطفى مشهور، والحاج محمد الشناوي، الذي ارتبط بديع بابنته
وهو خلف القضبان.
وفي عهد مبارك سُجن عام 1998م لمدة 75 يوما في
قضية جمعية الدعوة الإسلامية ببني سويف؛ حيث كان يشغل منصب رئيس مجلس إدارة
الجمعية، وسجن ثالثا في عام 1999م في القضية المعروفة بـ "قضية
النقابيين"؛ حيث حكمت المحكمة العسكرية عليه بالسجن خمس سنوات، قضى منها ثلاث
سنوات، وخرج بعد مضي ثلاثة أرباع المدة سنة 2003م، ثم اعُتقل مُجددا عام 2008م
لمدة شهر مع عدد من أعضاء وقيادات الإخوان خلال انتخابات المحليات.
يحكي بديع عن فترة
اعتقاله بالسجن الحربي، فيقول إن "دخولنا السجن هو بداية التعرف الحقيقي على
الإخوان، عندما وجدنا النماذج السامية والراقية في وقت المحن، وكيف ظهرت جماعة
الإخوان في صمت وقدوة وتضحية وبذل. نماذج لا أستطيع أن أنساها أبدا؛ فقد كان
الإخوان في السجن الحربي يقدمون نماذج تعيد لك ذكريات الرعيل الأول في دعوة
الإسلام، فقد كان الأخ لا يؤثر أخاه بأكلة أو شربة وفقط، بل كان يؤثر أخاه بحياته،
ينقذه ويضحي بنفسه في سبيل إنقاذه".
"دعاة
لا قضاة"
كان "بديع"
أحد أربعة أشخاص نسخوا بخط أيديهم كتاب "دعاة لا قضاة"، الذي ألّفه
المرشد الثاني المستشار حسن الهضيبي، لمعالجة أفكار الغلو والتكفير، التي نشأت بين بعض المعتقلين في سجون عبد الناصر
معالجةً فقهية؛ فقد وجد
الهضيبي بعض الشباب تحت ضغط التعذيب بالسجن الحربي يرفضون فكر الجماعة الوسطي،
ولجأوا إلى إصدار بعض الأحكام التي لا تقبلها الجماعة، ولذلك سارع إلى إعلان رفض
الجماعة لتلك الأحكام الفقهية الجديدة، لخطئها من جانب ومن جانب آخر حتى لا يُقال
إن هؤلاء خرجوا من عباءة الإخوان.
وبعد خروج الإخوان من السجون في السنوات الأولى
من سبعينيات القرن الماضي، كان للدكتور بديع دور بارز في إعادة نشاط الجماعة
وبناء جيل جديد من الشباب قادوا العمل الدعوي في الجامعات من أمثال: عبد المنعم أبو
الفتوح، وحلمي الجزار، وعصام العريان، وإبراهيم الزعفراني، وغيرهم، ولكن هذا الدور
انتقل إلى ميدان آخر عقب اعتقالات أيلول/ سبتمبر 1981م، بعد مغادرته مصر إلى
اليمن، حيث حقق بديع فيه مجدا علميا واسعا هناك، إلى جانب جهده الدعوي.
"مرشد ما قبل الثورة"
وعقب عودته مرة أخرى من اليمن إلى مصر، تدرج بديع في المناصب الإدارية بالجماعة، وتولى عدة ملفات هامة، حتى اُنتخب لعضوية مكتب إرشاد الجماعة عام
1993م، ثم أصبح عضوا بمكتب
الإرشاد العالمي 2007م، ثم تم انتخابه مرشدا "ثامنا" للجماعة في 16 كانون الثاني/ يناير
2010م، خلفا للمرشد الراحل محمد مهدي عاكف.
وكان بديع أول مرشد يتم انتخابه بوجود مرشد آخر
على قيد الحياة، بعد أن أصر سلفه محمد مهدي عاكف على عدم التجديد دورة أخرى في
منصب المرشد؛ في سابقة هي الأولى من نوعها في تاريخ الجماعة.
وحرص عاكف على أن يكون
أول المبايعين للمرشد الجديد الذي حرص بدوره على تقبيل رأس المرشد السابق
والاعتراف بفضله، في رسالة قرأت في وقتها كرد على ما نشر في الإعلام عن وجود خلافات
في أعقاب انتخابات مكتب الإرشاد التي جرت في كانون الأول/ ديسمبر 2009.
وكان الخطاب الأول
للدكتور بديع، منصة للرد على بعض التوقعات التي قالت: إنه سيتخذ خطا مُتشدّدا
ومنكفئا على الذات؛ فقد كان حريصا على تأكيد نبذه للعنف، وكذلك طمأنة الأقباط،
وانتقاد الأعمال الطائفية ضدهم، وأن الإخوان لن يتوقفوا عن المشاركة في
الانتخابات، مؤكدا أن "الإخوان سيمدون أيديهم إلى كافة القوى الوطنية الفاعلة
المسلمة والمسيحية داخل النظام وفي المعارضة من أجل تقديم الخير لمصر، وتحقيق
الديمقراطية والحرية المنشودة".
"بديع..
والأقباط"
يُعد "بديع"
المرشد الوحيد الذي ذهب إلى الكاتدرائية بمنطقة العباسية في القاهرة لزيارة البابا
شنودة الثالث في مرضه الأخير، والذي قال بنفسه "أتمنى أن أختم حياتي بلقاء
مرشد الإخوان قبل أن أموت"، حسبما ذكرت وسائل الإعلام حينئذ.
المرشد العام للإخوان وبابا الأقباط الراحل
وبعد وفاة البابا شنودة تقدم بديع وفد الإخوان في العزاء، فضلا عن زيارته، ووفد من قادة الإخوان، للكنيسة الإنجيلية التي أكد خلالها عمق الترابط بين مسلمي مصر ومسيحييها.
وقد تميز بعلاقات طيبة وجيدة مع الأقباط سواء
حينما كان في الجامعة أو أمينا عاما لنقابة البيطريين، ودعا لتكاتف ووحدة الجميع، وأطلق عام
2011 م. مبادرة لحوار مباشر بين الإخوان وشباب الأقباط، وهنأ الأقباط أكثر من مرة بعيدهم، وأكد أن المسلمين والأقباط عانوا جميعا من الفتن الطائفية والتفرقة
في المعاملة التي كان يتبعها نظام مبارك.
وحينما استلم مهامه النقابية في نقابة الأطباء
البيطريين بالقاهرة، وجد سكرتيرة مسيحية، اسمها إيفون، وكانت تعمل في اتحاد نقابات
المهن الطبية، وقد حذرها البعض من الدكتور بديع باعتباره أحد أهم أقطاب الإخوان،
فلما عرف منها هذا الكلام، قال لها إن لكم في رقبتنا دين النجاشي (أحد ملوك
الحبشة)، وحكى لها أن المسلمين الأوائل حينما اضطهدوا من قبيلة قريش في بداية
الرسالة، بعثهم الرسول -عليه الصلاة والسلام- إلي ملك مسيحي عادل لا يُظلم عنده
أحد، وهو النجاشي الذي أكرمهم وآواهم، ورفض تسليمهم لكفار قريش؛ وبالتالي فللمسيحيين
في رقبة المسلمين "دين النجاشي".
وعند زفاف ابنته ضحي بعدما أصبح مرشدا للإخوان،
دعا بديع السكرتيرة "إيفون" لحفل الزفاف، وحضرت بالفعل، وأحضرت معها هدية للعروس
عبارة عن مُجسم للحمامتين على غار ثور في مشهد هجرة النبي صلى الله عليه وسلم،
بالإضافة إلى حضور بعض الأقباط لتلك المناسبة، وكان من بينهم رجل الأعمال القبطي
رامي لكح.
خاص "عربي21": هدية السكرتيرة المسيحية "إيفون" لنجلة مرشد الإخوان خلال حفل زفافها
"أول عام بديع"
كان العام الأول للإخوان
في عهد بديع، مليئا بالأحداث الساخنة، مثلما كان حال العام في مصر، التي كانت على
مشارف ثورة يناير؛ فبعد أن حصلت الجماعة في انتخابات 2005م التشريعية على 88 مقعدا
- لأول مرة - في مجلس الشعب (البرلمان) حينما كان عاكف مرشدا للجماعة، تعمد نظام
مبارك أن يكون البرلمان في عهد بديع بلا إخوان، حيث أنهى المرحلة الأولى من
انتخابات 2010م بإسقاط مرشحي الإخوان بتزوير فاضح، واكبه اعتقال الآلاف من أعضاء
الجماعة، فكان قرار الانسحاب من الجولة الثانية هو أول القرارات السياسية الجوهرية
للإخوان في وجود بديع مرشدا عاما للجماعة.
في ذلك الحين، أصدر بديع
بيانا قال فيه إن "مجلس شورى الجماعة قرر بغالبية 72% من أعضائه الانسحاب من
الانتخابات، وعدم المشاركة في جولة الإعادة"، مؤكدا أن الإخوان يعتزمون
الاستمرار في كل إجراءات الملاحقة القانونية للمزورين والمفسدين لإبطال هذا المجلس
المزور، ولإحقاق الحق وإعادته إلى صاحبه الحقيقي، وهو الشعب.
ووصف البعض تلك
الانتخابات بالقشّة التي قصمت ظهر البعير، فقد كانت بمنزلة المسمار الأخير الذي دقه
النظام بيديه في نعش رئاسة مبارك لمصر ووريثه المنتظر جمال.
"بديع
وثورة يناير"
شاركت جماعة الإخوان
بحذر في بداية ثورة 25 يناير 2011م، وفي اليوم التالي لاندلاعها، ورغم تزايد
التهديد الأمني، أكد بديع، في بيان له، أن "الإخوان يعيشون مع كل أبناء مصر
هذه الأجواء ويشاركون في هذه الأحداث، وأن حركة الشعب المصري التي بدأت يوم 25
يناير يجب أن تستمر بسلمية وتحضر ضد الفساد والقهر والظلم، حتى تتحقّق مطالبه
الإصلاحية المشروعة، وأنه يجب على النظام أن ينزل على إرادة الناس، ويسارع في
إجراء الإصلاحات المطلوبة"، مشدّدا على رفضه "لكل التهديدات بالبطش
والاعتقال والمواجهة العنيفة".
وبعد بيان بديع، نزل
الإخوان إلى ميدان الثورة متعاونين مع كل المصريين، دون التمايز بشعار أو هتاف أو
لافتة، فلم يرفعوا إلا علم مصر، ولم يهتفوا إلا بالهتافات التي تعبر عن الجميع،
وحملوا مطالب الشعب لا مطالب فئة أو جماعة، ولم يستطع أحد تمييزهم عن غيرهم.
وشاركت الجماعة بكل قوة
في مظاهرات جمعة الغضب يوم 28 كانون الثاني/ يناير، وما جرى بعدها من أحداث، وشكّلت قيادة مركزية لتنظيم
عملها في ميدان التحرير، بالإضافة لاستمرار مكتب الإرشاد في دورة انعقاد دائمة في
مقر بجسر السويس بشرق
القاهرة، علاوة على تحريك كافة أعضائها ولجانها في ربوع مصر.
وكان شباب الإخوان أحد
أهم ركائز الثورة منذ بدايتها، وكان لهم دور بارز في صد هجوم الفلول على الثوار
المعتصمين في ميدان التحرير فيما سمي بـ"موقعة الجمل"، كما كان صمودهم
في الميدان طوال أيام الثورة هو العامل الجوهري في إنجاح الثورة وإزاحة مبارك، كما
أكد كثيرون حينها.
"وحدة الجماعة"
وبعد الإطاحة بـ "مبارك"، قررت الجماعة إنشاء حزب سياسي جديد يحمل اسم "الحرية والعدالة"، ولأول مرة تشهد مصر انتخابات مُعلنة للإخوان على مستوى مجلس الشورى العام، وتم افتتاح المركز العام للإخوان بمنطقة المقطم بحضور العديد من القوى والشخصيات المصرية من مختلف التيارات، ومنهم من كانوا من أصحاب المواقف الأشد عداء للإخوان، مثل رئيس حزب التجمع اليساري الراحل رفعت السعيد، الذي أكد أحقية الجماعة في العمل العلني، وإيجاد حزب سياسي لها.
وتحت قيادة بديع، وفي أول انتخابات برلمانية بعد الثورة عام
2012م، فاز الإخوان بنحو 40% من مقاعد مجلس الشعب، وشكّلوا أكثرية برلمانية للمرة
الأولى في تاريخهم، واُنتخب القيادي بالجماعة الدكتور سعد الكتاتني رئيسا
للبرلمان، وفي انتخابات مجلس الشورى فاز الإخوان بنحو 60% من مقاعده، واُنتخب القيادي
بالإخوان الدكتور أحمد فهمي رئيسا له.
لم يتوقف الأمر عند هذا الحد، بل استكمل "بديع"
جلسات "حوار من أجل مصر"، التي دعا إليها سلفه محمد مهدي عاكف، وتم عقد
اجتماعها الرابع والخامس، بحضور ممثلين عن الأحزاب والقوى والشخصيات الوطنية
المختلفة، وذلك من أجل بحث العديد من القضايا وكيفية إخراج البلاد من أزمتها، ولم
يمهله انقلاب 3 تموز/ يوليو 2013م لعقد جلسة "حوار من أجل مصر" السادسة.
"رفض الترشح للرئاسة"
كان رفض ترشح أحد الإخوان، بل وأي شخصية محسوبة
على التيار الإسلامي، لمنصب الرئاسة بعد الثورة من المواقف المبدئية للدكتور بديع،
حيث صوّت بالرفض خلال الاجتماعات التي عقدها مجلس الشورى العام للجماعة نهاية شهر
آذار/ مارس 2012م، وذلك حتى لا تظهر الجماعة بأنها "حريصة على صدارة المشهد،
وتريد احتكار السلطة"، وكي "تنتهي فزاعة الإخوان في الداخل والخارج"،
ولأن "الغرب سيتآمر على المرشح الإسلامي الفائز، وعلى مصر كلها، كما حدث مع حركة
حماس في غزة".
ولذا، أطلق أكثر من تصريح قبل وبعد ثورة يناير
يؤكد أن الإخوان لم ولن يشاركوا في انتخابات الرئاسة، ولن ينافسوا على أغلبية
المقاعد البرلمانية، وسعى للتوافق والتعاون مع جميع القوى السياسية والشخصيات
الوطنية، وحاول طمأنة مختلف الأطراف، لكن الأمور تغيرت لاحقا لأسباب مختلفة.
وكان من أشهر تصريحاته بعد نجاح الثورة أن
الإخوان لم ولن يشاركوا في انتخابات الرئاسة، ولن ينافسوا على أغلبية المقاعد
البرلمانية، ومن ثم سعى للتوافق والتعاون مع جميع القوى السياسية والشخصيات
الوطنية، وحاول طمأنة مختلف الأطراف، لكن الأمور تغيرت لاحقا لأسباب تعزوها
الجماعة إلى أن المحكمة
الدستورية العليا أصدرت حكما في 14 حزيران/ يونيو 2012م بعدم دستورية قانون
الانتخابات، أعقبه قيام المجلس الأعلى للقوات المسلحة بحل مجلس
الشعب، والتهديد بحل مجلس الشورى، ورفض تعديل الحكومة، ورفض مشاركة الإخوان في
حكومة جديدة وفقا لأغلبيتهم في البرلمان، وما ظهر من وجود مخطط للقضاء على مكتسبات ثورة يناير 2011. فانعقد مجلس شورى الجماعة في ثلاث جلسات متتالية أتخذ بعدها قراراه
بالعدول عن قراره السابق، وأتخذ قرارا جديدا بالمشاركة في الانتخابات الرئاسية. وقد نزل بديع على رأي الشورى.
وفي تلك الفترة، اتسمت علاقة
جماعة الإخوان بالمجلس العسكري ما بين شد وجذب، وأزداد ذلك حينما قررت الجماعة
ترشيح نائب المرشد، خيرت الشاطر للرئاسة، ودفعت بمحمد مرسي كمرشح ثان، تحسبا لمنع
الشاطر من خوض الانتخابات بأي ذريعة قانونية، وهو ما حدث بالفعل.
"حكم
المرشد"
سعت المعارضة في فترة حكم مرسي إلى إجهاض حكمه سريعا، وروجت للهتاف الشهير "يسقط يسقط حكم
المرشد"، للترويج أن بديع هو الذي يحكم
ويدير مصر وليس مرسي.
وبالتوازي مع الحملة الإعلامية الشرسة ضد الرئيس مرسي والإخوان بدأت حملة إحراق مقرات جماعة الإخوان وحزب الحرية والعدالة، حيث تم إحراق 28 مقرا في ليلة واحدة.
ووصل الأمر في تلك
الأثناء إلى الاعتداء على مقر مكتب الإرشاد عقب أحداث قصر الاتحادية الشهيرة في
كانون الأول/ ديسمبر 2012م، وساعتها استنكر الدكتور بديع المرشد العام في مؤتمر
صحفي ما حدث، مفنّدا ما قيل عن "حكم المرشد"، قائلا: "هل هذا مرشد يحكم مصر؟، مكتبي تم الاعتداء
عليه، كما تم تمزيق أوراقي الخاصة والعامة، والمصحف تم إلقاؤه على الأرض وكذلك النباتات.. فهل رجل يحكم مصر لا يستطيع أن يحمي مكتبه؟".
وانتقد "بديع" مطالب إسقاط "مرسي"، وقال إن
"التغيير لابد أن يكون من خلال صندوق الانتخاب"، مؤكدا أن "وراء
هذه المطالب مصالح واتجاهات وأموال لا تريد لمصر خيرا في الداخل والخارج".
وكان بديع قد كشف قبل وصول الدكتور مرسي للرئاسة عن لقائه بعضو المجلس العسكري، محمد العصار،
ومطالبة بعض القوى السياسية للأخير، بأن يظل المجلس العسكري لسنوات في السلطة؛ لأن
الإخوان المسلمين والحزب الوطني المنحل هم الجاهزون فقط لحكم البلاد، ولكن العصار رفض ذلك.
وقبيل مرور عام على حكم
"مرسي"، شهدت البلاد أحداثا وصراعات كثيرة، كان أبرزها مظاهرات 30
حزيران/ يونيو التي دعت لها قوى المعارضة بدعم من الجيش والشرطة، ليعقبها
بعد أيام قلائل إعلان وزير الدفاع عبد الفتاح السيسي انقلابا عسكريا عزل فيه الرئيس
المنتخب محمد مرسي، وعطل العمل بدستور 2012م، وحل مجلس الشورى، وسرعان ما تبخرت المكتسبات التي حققتها جماعة
الإخوان، وبات مكتب الإرشاد بقيادة محمد بديع أمام اختبار صعب للغاية.
"اعتصام
رابعة والنهضة"
كانت الجماعة قد استبقت
تظاهرات 30 حزيران/ يونيو، بالدعوة لاعتصام في
ميدان "رابعة العدوية" بالقاهرة وميدان "النهضة" بمحيط جامعة
القاهرة في محافظة الجيزة، بمشاركة القوى الإسلامية المتحالفة معها، تحت مظلة
"تحالف دعم الشرعية"، بهدف الدفاع عن شرعية الرئيس المنتخب.
وتعرضت جماعة الإخوان، بعد
وقوع الإنقلاب العسكري في 3 يوليو 2013، لأعنف وأشرس حملة قمع وتنكيل طوال تاريخها
الذي يقترب من 100 عام. وطالت الاعتقالات أغلب قادة الجماعة، وفي مقدمتهم المرشد
العام محمد بديع، ونائبيه خيرت الشاطر ورشاد بيومي، وأغلب أعضاء مكتب الإرشاد
ومجلس شورى الجماعة، والآلاف من كوادر الجماعة وحزب الحرية والعدالة، فضلا عن مئات
العضوات بالجماعة للمرة الأولى.
ولم تكتف سلطة الانقلاب بحملة الاعتقالات الأوسع في تاريخ البلاد، بل قتلت الآلاف من أعضاء وقادة الجماعة ومؤيدي الشرعية من أبناء الشعب المصري خاصة خلال فض اعتصامي رابعة والنهضة بالقوة المفرطة، وقبلها ارتكبت سلطة الانقلاب مذبحة الحرس الجمهوري والمنصة وغيرهما.
"سلميتنا.. أقوى من
الرصاص"
بعد يومين من إعلان الانقلاب العسكري، اعتلى بديع
منصة رابعة للمرة الأولي والأخيرة مُلقيا خطابا قويا ورآه البعض تاريخيا أعلن فيه قولته
الشهيرة "سلميتنا أقوى من الرصاص"، لتُعبر عن استراتيجية الجماعة في هذه
المرحلة، ومؤكدا على إصرار الجماعة على الحفاظ على الأرواح، داعيا الجيش المصري
إلى العودة إلى حضن شعبه، وأن يعود إلى دوره الطبيعي والدستوري في حماية حدود
البلاد، لافتا إلى استعداد الجماعة للتفاهم في كل شيء بعد عودة الرئيس مرسي.
وأعلن بديع قبل الانقلاب
وبعده مرارا وتكرارا رفضه التام للعنف، قائلا: "نحن ندينه بكل أشكاله سواء من
جانب الحكومات أو من جانب الأفراد أو الجماعات أو المؤسسات، نريد الحرية للجميع
وندافع عنها، بل وندفع أرواحنا ثمنا لها حتى يتمتع كل من على أرض مصر بحريته
وطمأنينته وسلامته ومحافظته على حقوقه واستردادها إذا كانت قد سلبت منه"، إلا
أن الجيش تعامل بعنف وقمع مع الإخوان ثم مع كافة المعارضين.
"لحظة الاعتقال"
عقب فض اعتصامي رابعة
العدوية والنهضة، وتحديدا فجر الثلاثاء 20 آب/ أغسطس 2013م اعتقلت
قوات الأمن الدكتور بديع من شقة سكنية في محيط مسجد رابعة بمدينة نصر (شرق القاهرة)، بطريقة مهينة؛ إذ تم الاعتداء عليه بالضرب والسب
بأفظع الألفاظ، كما عُرف فيما بعد.
وأظهر مقطع فيديو بثّه التلفزيون المصري والعديد من وسائل الإعلام المحلية والدولية، لحظة اعتقال المرشد العام لجماعة الإخوان دون أن يكون مُسلحا أو يتمتع بأي نوع من الحماية الشخصية.
وقبل ذلك بأربعة أيام
كان الأمن قد قتل نجله المهندس "عمار"
في 16 آب/ أغسطس 2013م في مجزرة ميدان رمسيس، التي أعقبت مذبحة رابعة بيومين فقط. وفي نفس اليوم الذي قُتل
فيه نجله عمار، أحرق مجهولون منزل الأسرة في محافظة بني سويف، وتم نهب محتوياته
بالكامل، وفي مطلع عام 2015م أحرق مجهولون سيارة الدكتور بلال نجل الدكتور بديع
الثاني.
"أرقام
قياسية في القضايا"
ويُحاكم الدكتور بديع في
48 قضية عسكرية ومدنية، وهو رقم قياسي في عدد
القضايا الموجهة لشخص واحد. وتلك القضايا مُوزعة على ثماني محافظات مصرية، وصدرت ضده 3 أحكام بالإعدام (تم نقضها)، و7 أحكام بالمؤبد منها ثلاثة أحكام نهائية بالسجن 25 عاما، وأحكام أخرى بالسجن لمدد متفاوتة، بخلاف تأييد حكم قضائي بإدراجه في "قوائم
الإرهابيين" لمدة ثلاث سنوات، بعدما وُجهت له
اتهامات وصفها معارضون بالعبثية والمفبركة، أبرزها الاعتداء على الثكنات العسكرية،
واستعمال القوة والإرهاب، والتحريض على العنف وقتل المتظاهرين، والتخابر لصالح جهات
أجنبية لزعزعة الأمن القومي.
وقد بلغ عدد الجلسات التي حضرها في المحاكم 949
جلسة حتى تاريخ إعداد هذا البورتريه، كما بلغت ساعات الاعتقال
الانفرادي 3900 ساعة دون تريض، وتسعة وعشرين ألف وتسعمائة ساعة (29900 ساعة) بدون
زيارات، و22 أسبوع دون سماح بصلاة الجمعة.
ومن القضايا التي يُحاكم
فيها هذا الشيخ السبعيني: "أحداث عنف بني سويف" (مؤبد)، و"غرفة
عمليات رابعة" (مؤبد)، و"قطع طريق قليوب" (مؤبد)، و"اقتحام
السجون" (مؤبد)، و"أحداث الإسماعيلية" (مؤبد)، و"التخابر مع
حماس" (مؤبد)،و"أحداث
السويس" (10 سنوات)، و"أحداث البحر الأعظم" (مؤبد)، و"أحداث مكتب الإرشاد" (مؤبد تم إلغاؤه
وتجري إعادة المحاكمة).
وحين أخبروه بأحكام الإعدام الصادرة بحقه وآخرين،
قال الرجل، من خلف القفص الزجاجي إنه لن يتراجع مطلقا عن موقفه وعن مطالبته بما
يراه "حقا"، مضيفا: "لو أعدموني ألف مرة، والله لا أنكص عن الحق.
إننا لم نكن نهذي حين قلنا إن الموت في سبيل الله أسمى أمانينا.. اللهم فاقبل..
اللهم فاقبل)".
وقال أحد أعضاء هيئة
الدفاع عنه إنه يمكن القول إن الدكتور بديع هو المعتقل الوحيد الذي لا يجلس كثيرا
في زنزانته، لكثرة القضايا التي يُحاكم فيها، وباتت سيارة الترحيلات هي أكثر مكان
جلس فيه، مؤكدا أنه لا يوجد دليل واحد مُعتبر على كل
الاتهامات "الهائلة" التي وجُهت إليه.
"انتهاكات لا حصر لها"
ومنذ اعتقاله وحتى الآن، تعرض بديع لانتهاكات
عديدة تُوصف بالبشعة، دون أي مراعاة لاعتلال صحته، ولا لسنه (77 عاما)، ولا قيمته
ومكانته العلمية والمجتمعية؛ فقد تم حبسه في زنزانة انفرادية طيلة فترة الحبس التي
تقترب من سبعة أعوام، مع منعه من التريض لفترات طويلة، ومنع الملابس والأطعمة
والأدوية والزيارات لفترات أطول، وقد تم تجريد زنزانته من أبسط مقومات الحياة،
فضلا عن أنه تم الاعتداء عليه بالسب والضرب أكثر من مرة، وخاصة في سيارة الترحيلات
أثناء ذهابه للمحاكمات، دون أن يتقرر فتح تحقيق واحد فيما تعرض له، كما تقول أسرته
وهيئة الدفاع عنه.
وفي كانون الثاني/ يناير 2016م، أجريت لبديع
عملية جراحية عاجلة (عملية الفتق وتركيب شبكة) بمستشفى القصر العيني، وحينها أكدت
مصادر بأسرته في تصريح لـ"عربي 21" أنه عقب إجراء العملية تم غلق باب
حجرة المستشفي عليه دون أي متابعة صحية، بل إن غرفة المستشفى التي تواجد بها لم
يكن بداخلها دورة مياه، حتى أنه أضطر أكثر من مرة للانتظار أمام باب الغرفة والطرق
عليه كثيرا، حتى تفتح له حراسة الشرطة الباب المُغلق عليه، وتسمح له بدخول دورة
المياه، وأكدت المصادر أنه تعرض لحالة هبوط في الدورة الدموية بسبب هذا الأمر.
وبعد أقل من 48 ساعة على إجراء الجراحة تم نقله
إلى محبسه بسجن ملحق المزرعة في ظل انعدام أي رعاية طبية له.
اقرأ أيضا: أسرة مرشد الإخوان تحمل السلطات المصرية مسؤولية سلامته
وفي تشرين الأول/ أكتوبر 2018م، حصلت
"عربي21" على نص رسالة تم تسريبها من داخل أحد السجون المصرية تكشف قيام
أحد ضباط الأمن بالاعتداء على المرشد العام لإرغامه على الاعتراف بالانقلاب
وبالسيسي رئيسا ضمن مبادرة قيل إنها تنهي الأزمة المصرية القائمة منذ انقلاب 3
تموز/ يوليو 2013م.
ومؤخرا، علمت "عربي21" من مصادر بهيئة
الدفاع عن بديع أن جميع الزيارات ممنوعة عنه تماما منذ شهر أيلول/ سبتمبر 2016،
وذلك بعد فترات متقطعة من المنع والسماح بالزيارة، إلا أنه منذ ذلك التاريخ مُنعت
الزيارات نهائيا، وبعدها كانت أسرته تذهب لجلسات المحاكمات المختلفة لتحاول رؤيته
لدقائق من خلف الحاجز الزجاجي، إلا أن رؤيته حتى من وراء الحواجز والقضبان لم تعد
متاحة، فقد كانت آخر قضية يتم فيها السماح بدخول الأهالي لقاعة المحكمة في 11
أيلول/ سبتمبر 2019م، وبعد الحكم في تلك القضية لم يكن هناك أي تواصل معه بأي صورة
من الصور. ومضى نحو نصف عام دون أن يراه أحد أو يعرفوا عنه أي شيء، وانقطعت أخباره
تماما.
"بديع.. الإنسان"
وتقول مصادر بالأسرة تحدثت لـ"عربي21"،
إن الدكتور بديع "أب حنون للغاية، وكان يحب التجمعات الأسرية، وكان حريصا على
جمع عائلته الكبيرة في مصيف سنوي بمنطقة رأس البر في محافظة دمياط (شمالي القاهرة)".
وتضيف: "هو بطبعه بسيط ومتواضع، في كل
الأمور. خدوم وكريم جدا مع كل من حوله، ولا يوجد أحد يعرفه إلا ويتذكر له موقف أو
مواقف خدمه فيها بمنتهى التفاني والإخلاص، حتى مع جيرانه الذين انقلبوا عليه عقب
انقلاب 3 تموز/ يوليو 2013م، وذلك دون انتظار أي رد أو مقابل".
وللمفارقة، فأن جميع أولاد المرشد العام للإخوان
ليسوا أعضاء بالجماعة ولم ينتظموا في صفوفها في يوما من الأيام، وقد كان الدكتور
بديع يتقبل هذا الأمر بكل بساطة وتفهم دون أن يفرض عليهم أو يطلب منهم الانضمام
للإخوان، بل كان يتقبل جميع انتقاداتهم لبعض قرارات الجماعة بصدر رحب.
خاص "عربي21": مع زوجته ونجله القتيل "عمار" بعد ولادة ابنته الأولى رؤى عمار
خاص "عربي21": مرشد الإخوان مع حفيدته الأولى "رؤى" ابنة نجله "عمار" المتوفى عقب فض رابعة
خاص "عربي21": مع "دارين".. آخر حفيدة عاصرته خارج أسوار السجن، وباقي أحفاده لم يروه إلا داخل القفص
خاص "عربي21": نجلته ضحى تقبل يديه خلال حفل زفافها
خاص "عربي21": الدكتور بديع يحمل وردة من داخل السجن ويلوح بها لأسرته
خاص "عربي21": هدية السكرتيرة المسيحية "إيفون" لنجلة مرشد الإخوان خلال حفل زفافها
خاص "عربي21": مع حفيدته الأولى "رؤى"
خاص "عربي21": مع نجليه عمار وبلال
المرشد يحتضن نجلته ضحى حينما سمح له القاضي بالخروج من القفص