هذا الموقع يستخدم ملف تعريف الارتباط Cookie
عرقلت واشنطن
تبني مجلس الأمن الدولي لاتفاق التهدئة الأخير بين أنقرة وموسكو حول إدلب، في حين أبدت دعمها لتركيا أثناء التصعيد العسكري (عملية درع الربيع) شمال غرب سوريا.
وكذلك، تعاطت
عدة دول أوروبية -منها بريطانيا وألمانيا- بتوجس مع الاتفاق، وأثارت تساؤلات
في ذات الجلسة حول طريقة تطبيق الاتفاق، ومصادقة النظام السوري عليه، وإن كان يشمل
مناطق آمنة يمكن للناس أن يعودوا إليها.
ومع ارتفاع
حدة التوتر بين الجانبين الروسي والتركي، والذي بلغ ذروته في 27 شباط/ فبراير
الماضي عقب استهداف القوات التركية بإدلب، فقد وجه المبعوث الأمريكي إلى سوريا جيمس
جيفري أصابع الاتهام إلى روسيا بـ"المسؤولية عن الهجوم".
وفي تلك الأثناء، زار
وفد أمريكي إدلب في سابقة هي الأولى من نوعها منذ اندلاع الثورة السورية في العام
2011. وعبر تصريحات متتالية، قال جيفري إن "الولايات المتحدة تتشارك
المعلومات مع تركيا"، وأبدى استعداد واشنطن لـ"تزويد تركيا بالذخيرة
في عمليتها بإدلب". وفي المقابل، كرر تحفظ بلاده على "شراء أنقرة منظومة أس400 الروسية".
اقرأ أيضا: واشنطن تعرقل إعلانا أمميا يدعم الاتفاق التركي الروسي بسوريا
هذه المواقف
المتباينة من واشنطن، بقيت مثار تساؤل حول مساعيها من دعم التصعيد والتحفظ على
اتفاق التهدئة، خاصة في ظل ما رجحه مراقبون من أن الدعم الأمريكي لتركيا لم يغادر
مربع "التصريحات"، الأمر الذي دفع الأخيرة إلى القبول بصيغة الهدنة الحالية.
دعم بالكلام
من جانبه، استبعد
الكاتب والمحلل السياسي رائد جبر، أن تكون عرقلة واشنطن لقرار مؤيد للاتفاق التركي
الروسي في مجلس الأمن يهدف إلى رغبتها بـ"استمرار المواجهة بين الجانبين على
الأرض".
وفي حديثه
لـ"عربي21"، قال جبر: "لا أعتقد أن أي طرف دولي عاقل قد يفكر باستمرار
التصعيد، ولكن السبب الرئيس وراء موقف واشنطن هو الرغبة بفرض حظر جوي في شمال
غرب سوريا".
ورغم أن واشنطن
تريد نشوب خلاف بين موسكو وأنقرة ولا يعجبها التقارب بينهما، بحسب جبر إلا أنها "لا تستطيع أن تمضي بعيدا في ذلك"، مضيفا أنه "لا توجد لدى أي طرف دولي رغبة
بانزلاق الموقف السوري نحو مواجهة شاملة، سواء بين تركيا والنظام السوري، أو بين
تركيا وروسيا".
ويوضح: "إذا
اندلعت مواجهة شاملة فسيكون على حلف الناتو أن يتدخل، وسيكون على واشنطن أن تتخذ
موقفا واضحا لدعم أنقرة".
ويصف جبر استعداد الولايات
المتحدة لدعم تركيا بأنه كان دعما "بالكلمات"، مضيفا أنه "رغم إعلان واشنطن
عن دعم معلوماتي واستخباراتي لأنقرة، فإنه على الأرض لم يكن هناك أي نوع من أنواع الدعم".
ويرى أن عرقلة
القرار في مجلس الأمن استهدف بالدرجة الأولى "محاولة ربط الاتفاق برغبة الولايات
المتحدة والأطراف الأوروبية فرض حظر جوي في منطقة إدلب، وحتى لا يتكرر استهداف
المنشآت المدنية، خاصة في ظل تقارير أممية تتهم الطيران الروسي والسوري باستهداف
المستشفيات هناك".
وحَمَلت عرقلة القرار إشارات إلى أن "الولايات
المتحدة تحاول إيقاف أي تقدم ممكن أن تقوم به روسيا هناك"، بحسب ما يراه جبر، الذي
أكد أن "هناك محاولة من واشنطن لتعقيد الموقف أكثر أمام موسكو".
ويشير إلى أن
الجانب الأمريكي يرى أن "الاتفاق منقوص" بدون فرض حظر جوي، وربما
لديهم توقعات بأنه لن يكون ذا جدوى كبيرة، ولا يراهنون على صموده طويلا.
ابتزاز تركيا
ويؤيد الخبير العسكري
أحمد الحمادي، أن تركيا وقّعت الاتفاقية مع روسيا، لأنها تعرضت إلى "ابتزاز"
من الجانب الأمريكي والأوروبي، حيث سمعت منهم "دعما كلاميا"، لكن
الصواريخ الحديثة والباتريوت والدعم العسكري "لم يصل".
ويقول لـ"عربي21"
إن "المعركة لم تكن متكافئة، لذا احتاجت تركيا التدخل الأمريكي الفعلي من
خلال الإسناد بالطيران من نوع بي52 ومشاركة الطيران المسير الأمريكي، كي تعادل
القوة العسكرية الروسية، حينها كان يمكن لتركيا أن تستند إلى جدار صلب".
وينوه إلى أن تركيا
"أدركت الأمر"، وأن الدعم الكلامي من الأمريكان والأوروبيين كان يمكن أن "يورطها في حرب مع الروس، تخسر فيها كل شيء".
ويرى أن وقف إطلاق
نار بين الجانبين الروسي والتركي جاء "لعدم انزلاق الأمور إلى مواجهة عسكرية
بين الطرفين".
اقرأ أيضا: هؤلاء الخاسرون والرابحون من اتفاق "موسكو" حول إدلب
ويشير إلى أن "ابتزاز
تركيا" تمثل في أن الأمريكان اشترطوا من أجل تقديم الدعم الذي تطلبه تركيا "وقف
التعاون العسكري مع روسيا، وإبطال صفقة أس400"، ومضيفا أنه "نظرا لأن واشنطن لم تقدم الدعم المطوب، فقد اضطرت أنقرة
إلى الاتفاق الأخير".
وبالإشارة إلى مجريات
التصعيد، ينبه الخبير العسكري إلى أن تركيا كانت بحاجة ماسة إلى وجود غطاء جوي لقواتها،
ولو توفر ذلك لتجنبت مقتل العشرات من قواتها في إدلب.
وتوقع أن يكون الفيتو
الأمريكي في مجلس الأمن جاء بهدف "عدم إعطاء الروس كامل الصلاحيات في حل الأزمة
السورية". وفيه رسالة إلى موسكو من الأمريكان والأوروبيين: "نحن موجودون،
ولا يمكنكم أن تتصرفوا بشكل منفرد في الملف السوري".
ويقول: "روسيا
أرادت أن تستأثر بالملف السوري إلى النهاية، وأرادت استثمار ما أنجزته عسكريا في
الواقع السياسي، وهو ما تحاول واشنطن منعه من خلال العودة بقوة إلى الملف السوري".