هذا الموقع يستخدم ملف تعريف الارتباط Cookie
تراجعت وتيرة العمليات العسكرية في شمال غرب سوريا، واقتصرت على قصف مدفعي وصاروخي من جانب النظام في خرق لاتفاق وقف إطلاق النار الذي توصل إليه الرئيسان الروسي فلاديمير بوتين، والتركي رجب طيب أردوغان، في موسكو.
مصادر محلية أكدت قيام قوات النظام السوري بقصف قرى سفوهن والفطيرة جنوبي إدلب، كما أنها قصفت أيضا بلدة كفرعويد في جبل الزاوية مساء أمس السبت.
وأكدت أن قوات النظام السوري والمليشيات المساندة لها، سيطرت على قريتي معرة موقص والبريج بالقرب من مدينة كفرنبل في ريف إدلب الجنوبي، بعد اشتباكات مع فصائل المعارضة.
وبينما لا يمكن الجزم بما سيؤول إليه الاتفاق، في ظل تسجيل خطوط التماس بوارد على انهياره، وكذلك عرقلة الولايات المتحدة تبني مجلس الأمن إعلانا لدعمه، تبدو روسيا المستفيد الأكبر منه، بعد أن استطاعت تغلّيب رؤيتها على الرؤية التركية، وخصوصا فيما يتعلق بعدم تراجع قوات النظام إلى حدود اتفاق "سوتشي".
روسيا المستفيد الأكبر
وقال الأكاديمي والباحث بالشأن الروسي، محمود حمزة، أن روسيا حققت العديد من المكاسب من خلال توصلها مع تركيا إلى الاتفاق الأخير، وفي مقدمتها ضمان إعادة فتح الطرق الدولية المارة في إدلب (حلب/دمشق M5- حلب/اللاذقية M4) أمام حركة السير والعبور، وهو مطلب روسي مُلح.
وأوضح لـ"عربي21" أن روسيا ضمنت تسيير دورياتها على الطريق الدولي "M4"، بعد سيطرتها على الطريق الدولي "M5"، الذي لم يشر إليه الاتفاق بتاتا.
وتابع بأن روسيا استطاعت كذلك أن تحصل على تنازل من تركيا عن مطلب تراجع قوات النظام عن المناطق التي تقدم إليها حديثا، يمعنى آخر ثببت موسكو الخارطة العسكرية الجديدة، بعد تقدم كبير أحرزته قوات النظام على حساب المعارضة.
ومعددا المكاسب الروسية الأخرى من الاتفاق، أشار حمزة إلى أن روسيا استطاعت باتفاقها مع تركيا أن تصور الصراع في إدلب على أنه صراع بين النظام السوري وطرف أجنبي (تركيا)، بينما هو في حقيقته صراع بين شعب سوري أراد أن يعيش الحرية، وبين نظام دموي مستبد.
اقرأ أيضا: خروقات مستمرة لنظام الأسد بإدلب.. وروسيا تتهم المعارضة
وأردف أن "روسيا صدّرت الصورة في إدلب بشكل مغاير تماما لما يجري، وحاولت إظهار الصراع بين طرف محلي يدافع عن أرضه، وبين طرف خارجي مُحتل".
وفي السياق ذاته، أكد حمزة أن روسيا استفادت كذلك من استهداف تركيا لقوات النظام، بعد قتل الأخير لعشرات الجنود الأتراك في إدلب، وقال "الخسائر الكبيرة التي تكبدها النظام جراء انتقام تركيا، لقنت الأسد درسا، ودفعته أكثر نحو روسيا، بعد أن تيقن أنه غير قادر على فعل أي شيء دون الحماية الروسية".
هل من خسائر للروس؟
ومجيبا على هذا التساؤل، قال الباحث المختص بالشأن الروسي، "اعترفت روسيا بالوجود العسكري التركي في إدلب خارج إطار الدور الرقابي لوقف إطلاق النار، أي خارج نقاط المراقبة، وهذا يبدو خسارة لموسكو التي تريد إخراج كل الأطراف من الجغرافيا السورية".
وحسب حمزة، فإن احتفاظ تركيا بحق الرد على أي اعتداءات تتعرض لها قواته في إدلب، يجعل من تركيا طرفا بحضور قوي في إدلب.
تركيا
وحول الموقف التركي، وحسابات الربح والخسارة من الاتفاق الأخير حول إدلب، قال الكاتب الصحفي التركي عبد الله سليمان أوغلو، في حديث لـ"عربي21" إن عدم التطرق إلى مصير نقاط المراقبة التركية التي باتت داخل المناطق التي يسيطر إليها النظام، وكذلك عدم الإشارة إلى عدد القوات التركية التي انتشرت في إدلب، يشير إلى موافقة روسية ضمنية على الوضع العسكري القائم.
وأضاف أن نص الاتفاق المقتضب واقتصاره على ثلاثة بنود، وعدم التطرق إلى كثير من المسائل الإشكالية، يشير إلى وجود العديد من النقاط غير المعلنة، مبينا أن "تصريحات أردوغان وبوتين قبيل الاجتماع، كانت تشير إلى تمسك كل منهما بمواقفه".
وتابع أوغلو بالإشارة إلى تأكيد أردوغان بعد إعلان التوصل إلى اتفاق، على ثوابت تركيا مجددا، ما يعني أن المفاوضات كانت عسيرة جدا، وأن ما جرى لا يعدو عن كونه اتفاقا هشا لالتقاط الأنفاس، وتحجيم الأضرار وارتداداتها على العلاقة التركية/الروسية.
وأردف بقوله "من الواضح أن ما أعلن عنه، لا يوضح كل النقاط التي تم الاتفاق عليها"
من جانب آخر، أشار الكاتب الصحفي التركي، إلى حرص أردوغان وبوتين على العلاقات الاقتصادية الثنائية، لافتا إلى دعوة الرئيس التركي نظيره الروسي لترأس وفد بلاده خلال اجتماع "لجنة العلاقات التركية/الروسية العليا" المقبل في أنقرة.
وسبق وأن أشار المحلل السياسي يوسف كاتب أوغلو في حديثه لـ"عربي21" إلى ما أسماه "نجاح تركيا في الحصول على صفة شرعية ومقبولة لتواجدها العسكري الكثيف في إدلب".
اقرأ أيضا: "تحرير الشام": اتفاق إدلب سيفشل لسببين.. وتشكر تركيا
وقال: "هناك أكثر من 15 ألف جندي في تركيا، انتفت عنهم مزاعم الاحتلال أو الغزو، المزاعم التي يروج لها النظام السوري"، معتبرا أن التفاهم يعطي لتركيا المزيد من الوقت لإعادة ترتيب أوراقها الداخلية أولا، ومن ثم مراجعة الحسابات لمنع خسارة جزء من علاقاتها الاستراتيجية مع الروس أو مع غيرهم، مضيفا "كذلك يعطي التفاهم الوقت لتركيا، لمراجعة حساباتها التكتيكية والعسكرية، بما في ذلك التنسيق مع المعارضة السورية المسلحة وترتيب صفوف الأخيرة"، وفق كاتب أوغلو.
المعارضة بفائدة وحيدة
وفي ما يتعلق بالمعارضة السورية، وحساباتها من الاتفاق، قال الكاتب الصحفي، إبراهيم إدلبي، إن الفائدة الوحيدة التي جنتها المعارضة من الاتفاق، هي إيقاف مؤقت لقتل السوريين.
وأضاف لـ"عربي21" أن وقف إطلاق النار بمثابة فرصة شبه أخيرة للمعارضة لترتيب الأوراق وحسم القرار، لتعيد الحرب السياسية إلى الطاولة.
أما الباحث بالشأن السوري، أحمد السعيد فقال، إن "أهم مكسب للمعارضة السورية، هو انخراط الحليف الوحيد لها (تركيا) في الصراع في إدلب بشكل مباشر".
وأوضح في حديثه لـ"عربي21" أن "تركيا التي دفعت الدماء في إدلب، باتت مقتنعة أن دفاعها عن إدلب لا يقل أهمية عن دفاعها في شرق الفرات".
وقال السعيد، إن ما جرى أثبت للأتراك خطورة النظام السوري على أمن تركيا، وهذا ما يحتم على المعارضة الاستفادة من الموقف التركي، واستثماره لصالحها.
النظام قلق
وعلى جانب النظام، أكد السعيد أن النظام السوري لن يلتزم بوقف إطلاق النار، لأنه يتطلع إلى اجتياح كل إدلب، والوصول إلى المعابر الحدودية مع تركيا.
واستدرك بقوله "غير أن مواصلة التقدم تعني الصدام المباشر مع تركيا، والنظام بات يخشى أن يضع قواته مجددا تحت دائرة الاستهداف التركية، خصوصا أن الضربات التركية الانتقامية كانت موجعة كثيرا، سواء على مستوى الأرواح أو العتاد".
وحسب السعيد فإن النظام السوري قلق للغاية من اتفاق وقف إطلاق النار هذه المرة، لأن أي خرق له سيجابه بالرد من تركيا، التي احتفظت بحق الرد في نص الاتفاق.
يذكر أن الجانبين التركي والروسي اعتبرا أن الاتفاق الجديد هو ملحق إضافي لاتفاق سوتشي، حيث يشمل إنشاء ممر آمن عرضه 6 كلم شمالي الطريق الدولي "M4"، و6 كلم جنوبي الطريق ووقف كافة الأنشطة العسكرية على طول خط التماس في منطقة خفض التصعيد وتسيير دوريات تركية وروسية مشتركة اعتبارا من 15 آذار/مارس، على امتداد الطريق "M4" بين منطقتي ترنبة غرب سراقب وعين الحور.