هذا الموقع يستخدم ملف تعريف الارتباط Cookie
أثار موقف السودان بالتحفظ على بيان جامعة
الدول العربية الذي يتضامن معها ومع مصر في أزمة سد النهضة الإثيوبي تساؤلات بشأن عدم
الانخراط في الموقف العربي الموحد من البيان، ورفض التوقيع عليه بدعوى عدم الانجرار
في مواجهة عربية – إثيوبية.
يأتي الموقف السوداني المفاجئ رغم طبيعة العلاقات
القوية بين النظام العسكري السوداني، والنظام المصري من جهة والسعودية والإمارات من
جهة أخرى، وعدم استغلالهما لنفوذهما لدى المجلس الانتقالي السوداني ودعم القرار العربي.
إلا أن السفير السوداني في إثيوبيا، مختار
بلال عبدالسلام، قدّم تفسيرا لموقف بلاده، قائلا: إن "السودان يريد اتباع نهج
دبلوماسي مختلف مع إثيوبيا، لأن البلدين لديهما إمكانيات غير مستغلة تتطلب التعاون
في كل المجالات".
وثمّن، في تصريحات صحفية لوكالة الأنباء الإثيوبية،
دور إثيوبيا البارز في الثورة السودانية، وحرصه على وحدة السودان من خلال الوساطة التي
قادتها وأدت لحل الأزمة السياسية، قائلا: "كان لإثيوبيا دور لدعم إعادة السلام
في بلدنا".
إشادة إثيوبية بالسودان
وقالت وكالة أنباء الشرق الأوسط الرسمية في
مصر، الخميس، إن السودان تحفظ على مشروع قرار مجلس وزراء الخارجية العرب، الذي يتضامن
مع موقف مصر والسودان الخاص بسد النهضة الإثيوبي باعتبارهما دولتي المصب.
وأضافت الوكالة أن الجانب السوداني سعى إلى
إفراغ مشروع القرار من مضمونه، بينما دفعت الأطراف العربية الأخرى بجدوى وأهمية هذا
القرار، مشيرة إلى أن مصر نجحت في نهاية الجلسة في اعتماد مشروع القرار دون تعديل،
مع تسجيل السودان تحفظه رسميا.
اقرأ أيضا: ما دلالات دعم قطر لمصر بأزمة المياه عبر الجامعة العربية؟
وعبّرت الخارجية الإثيوبية عن رفضها لقرار
الجامعة العربية بشأن سد النهضة، واعتبرته منحازا لمصر دون مراعاة للحقائق.
وفي بيان لها، جدّدت الخارجية تأكيدها على
موقف الحكومة على الاستفادة من مواردها المائية كحق سيادي، مشيدة في الوقت ذاته بالرفض
السوداني للقرار العربي.
"غياب الدور السعودي الإماراتي"
وبشأن غياب الضغط السعودي الإماراتي على السودان
للتوقيع على البيان، قال رئيس بحوث السودان ودول حوض النيل بمركز الأهرام للدراسات
السياسية والاستراتيجية، هاني رسلان، إن "مثل هذه الأمور غير مطلوبة في هذه المواقف؛
لأن معناه أن مصر تحاول تطويع السياسة الخارجية السعودية والإماراتية لحساب مصالح مصر،
وهذه مسألة يمكن أن تُناقش في الكواليس بطريقة دبلوماسية".
ورفض في تصريحات لـ"عربي21"، "ما ساقه السودان من مبررات بأنه لا يرغب في أن يتحول الأمر إلى مواجهة عربية
– إفريقية، وخاصة أن هناك قمة عربية إفريقية سوف تنعقد قريبا، وأن المجال لا يزال مفتوحا
بين الدول الثلاث للتفاوض".
لكن رسلان استدرك بالقول: "الموقف السوداني
الأخير لا يمكن فصله عن مجمل موقفه بشأن أزمة سد النهضة وربطة للتوقيع على مشروع الاتفاق
الذي أعده الطرف الأمريكي والبنك الدولي رغم موافقة السودان على هذه الوثيقة، وتضمين
ملاحظاته في الوثيقة، بالموقف الإثيوبي".
"رسالة للجانب المصري"
وصف الكاتب الصحفي والمحلل السياسي السوداني،
ياسر محجوب الحسين، الموقف السوداني بالغريب، قائلا: "الموقف السوداني غريب بكل
المقاييس، ولا ينسجم مع المصالح السودانية العليا، بيد أنه في حقيقة الأمر متأثر بالتجاذبات
الداخلية بين العسكريين والمدنيين، إذ أن الشق المدني برئاسة عبد الله حمدوك يعتقد
أن مصر تنحاز للعسكريين برئاسة الجنرال عبد الفتاح البرهان ولا تثق في المدنيين".
وأضاف في حديثه لـ"عربي21":
"الموقف من قرار الجامعة العربية فيه رسالة تحذيرية للجانب المصري المتهم بالانحياز
للعسكريين. فضلا عن أن حمدوك له ارتباطات وعلاقات متداخلة مع الإثيوبيين، وهذا ما يثير
حفيظة الجانب المصري في ذات الوقت".
وتابع: "في اعتقادي أن هذا الموقف رغم أنه يعزل السودان من محيطه العربي على الأقل في مسألة سد النهضة، فإنه يحول دون أن
يضطلع السودان بدور الوسيط، بل إنه سيعد منحازا إلى إثيوبيا"، مشيرا إلى أن
"الموقف العربي ليس معاديا لإثيوبيا وبالتالي لم يكن من المتوقع أن تغضب أديس
أبابا من السودان إذا ما أيد قرار الجامعة العربية".
"الأسوأ من الموقف السوداني؟"
وأرجع السياسي والبرلماني المصري السابق، ثروت
نافع، الموقف السوداني إلى "حالة عدم الاستقرار السياسي بعد الثورة، وربما يكون
هناك بعض المجاراة لإثيوبيا نتيجة لعبها دور الوسيط في الأزمة التي نتجت عن الثورة،
ولكن أعتقد أن هذا الموقف له مردود سلبي على العلاقات المصرية السودانية وإن كان متوقعا
لأنه منذ بداية الأزمة تميل الخرطوم إلى الجانب الإثيوبي أكثر".
وفي حديثه لـ"عربي21" انتقد التحرك
السوداني ضد القرار العربي، قائلا: "الموقف الأخير أرى فيه تخبطا وليس في مصلحة
السودان أن تكون ضد البيان"، مشيرا إلى أن "الأسوأ هو موقف مصر الضعيف أمام
التعنت الإثيوبي، والذي حذّرنا منه منذ بداية الأزمة في 2012 وما تلاها من توقيع اتفاق
المبادئ في 2015، والذي نأى عن التحكيم الدولي الذي كان أفضل لنا".
وطالب نافع "بإلغاء هذه الاتفاقية وعدم
قبول هذه العجرفة الإثيوبية، وأن تسير مصر في إجراءات التحكيم الدولي واللجوء لمجلس
الأمن طبقا لاتفاقات الحدود المائية والاتفاقيات المصرية الإفريقية والمصرية الإثيوبية
والسودانية بما فيها اتفاقية 1959، ولا بد أن تكون مواقفنا أقوى مما هي عليه الآن".