هذا الموقع يستخدم ملف تعريف الارتباط Cookie
يرجع تاريخ انتشار الإسلام بشكل واسع في الهند إلى نهاية القرن الهجري الأول، بعد أن جهز الحجاج بن يوسف الثقفي حملة عسكرية قوية بقيادة ابن أخيه الشاب محمد بن القاسم الثقفي لفتح بلاد الهند، سنة 93 ه، وقد تمكن جيشه بعد عدة معارك من هزيمة الهنود، وقتل ملكهم الملك داهر، وغالب جيشه.
وتشير المصادر التاريخية بحسب تستعرضه "عربي21"، إلى قيام المسلمين بغزوات سابقة إلى الهند، كغزوة المهلب بن أبي صفرة سنة 44 ه، وهي أول غزوة غزاها المسلمون إلى تلك البلاد، وكانت سببا لتعرف أهلها على الإسلام، وكغزوة سنان بن سلمة سنة 48 بعد أن طلب معاوية بن أبي سفيان من زياد بن عبيد أن ينتدب رجلا لغزو الهند.
دعاة وفاتحون
كما تتحدث تلك المصادر عن نشاطات وجهود دعوية مبكرة، قام بها التجار المسلمون الذين كانوا يذهبون إلى تلك البلاد للتجارة، فأثّروا بحسن أخلاقهم، وكريم تعاملهم في أهلها، ما رغبهم وحببهم في الدين الجديد، ودفعهم إلى اعتناقه والدخول فيه.
وتتابعت الفتوحات الإسلامية في خلافة الأمويين والعباسيين، وكان الخلفاء يرسلون الولاة من قبلهم إلى بلاد الهند، وهو ما مكن علماء المسلمين ودعاتهم من نشر الإسلام، وبثّ تعاليمه في تلك الأقاليم، ما كان له الأثر البالغ في انتشار الدعوة الإسلامية شيئا فشيئا في تلك البلاد.
ومن المحطات الهامة في تاريخ المسلمين في الهند، تلك الحملات التي قام بها السلطان محمود بن سبكتكين الغزنوي (سلالة تركية)، والي ولاية (غزنة) في أفغانستان (387ه – 421ه)، فبعد أن أستقر له الأمر في غزنة على إثر خلافات داخلية، وبات هو ولي الأمر الشرعي، توجه في حملاته نحو الهند، واستطاع بعد عدة معارك أن يبسط هيمنته على غالب ولاياتها، ويقيم حكما إسلاميا مزدهرا ومستقرا، تتابعت عليه شخصيات وأسر عديدة لعدة قرون.
اقرأ أيضا: هذه أبرز المذابح بحق المسلمين في الهند منذ استقلالها
بدأت حملته الأولى عام 390ه حيث قاد تلك الحملة على رأس عشرة آلاف مقاتل، والتقى عند مدينة بيشاور بجيش "جيبال" أحد ملوك الهندوس، فانتصر السلطان محمود عليه، وأسره، ثم أطلق سراحه، لكنه لم يتحمل عار الهزيمة فأحرق نفسه، وكانت حصيلة جهود السلطان محمود فتح شمال شبه القارة الهندية، ففتح إقليم كابلستان وملتان، وكشمير وأخضع البنجاب، ونشر الإسلام في ربوع الهند.
وفي كتابه (تاريخ الإسلام في الهند)، وصف الدكتور عبد المنعم النمر السلطان محمود الغزنوي بأنه صاحب "اسم لامع يذكره التاريخ بأعماله وبطولاته، كما يذكره كل هندي مسلم وغير مسلم، باعتباره الرجل الذي أسس بشجاعته وجرأته حكما إسلاميا في الهند، ظل يزدهر ويقوى من بعده على يد عدة أسر نحو ثمانية قرون ونصف قرن، حتى انطوت صفحته على يد الانجليز نهائيا سنة 1857".
وأوضح علامة الهند، الداعية الكبير أبو الحسن الندوي طبيعة الدور الذي قام به المسلمون حين دخولهم إلى الهند، سواء كانوا "دعاة مرشدين، أو غزاة مجاهدين، أو ملوك فاتحين، أو علماء محققين" متحدثا بإسهاب في كتابه (المسلمون في الهند) "عن بعض ما أضافوه إلى ثروتها الدينية والعلمية والخلقية والاجتماعية والصناعية في عهدهم الطويل الجميل الزاهر".
فالمسلمون وفقا للندوي دخلوا بلاد الهند "حينا بدافع ديني مجرد من كل مصلحة ومنفعة ليحملوا إلى أهلها رسالة الإسلام الرحيمة العادلة، وليخرجوا الناس من ضيق الدنيا إلى سعتها، وليضعوا عنهم إصرهم والأغلال التي كانت عليهم، كما فعل أولئك الدعاة المخلصون الذي ارتمى في أحضانهم مئات ألوف من الأشقياء والمعذبين وأحبوهم أكثر من آبائهم وأولادهم كالسيد علي الهجويري، والشيخ معين الدين الأجميري (الجشتي)، والسيد علي بن الشهاب الهمداني الكشميري".
اقرأ أيضا: هل أطلقت مواقف الدول الإسلامية يد الهند ضد المسلمين؟
ويتابع: "ودخلوها حينا آخر كغزاة فاتحين، وملوك طامحين كالسلطان محمود الغزنوي، وشهاب الدين محمد الغوري، وظهير الدين بابر التيموري مثلا، وكانوا مؤسسي دولة عظيمة ازدهرت مدة طويلة، وخدمت البلاد، وتقدمت بها في نواحي الحياة المختلفة، وكان كل من هؤلاء وأولئك مصمما على الإقامة في البلاد، أو على الاتصال بها اتصالا مباشرا مستمرا، يعتقد أن الأرض لله يورثها من يشاء، وأن كل ما كان من أرض وبلاد فهو للمسلم عن طريق الخلافة والوصاية العالمية التي كُلف بها المسلمون".
ويفرق الندوي بين نظرة المسلمين الفاتحين لتلك البلاد وبين نظر الأوروبيين المستعمرين لها، فالمسلمون "كانوا ينظرون إليها كوطن ومدفن ومسكن، لا يبغون عنها حولا، فكانوا يخدمونها بكل ما أتوه من ذكاء ونبوغ، وقوى ومواهب، وكانوا يعتقدون أن كل ما يضيفونه إلى ثروتها إنما يضيفونه إلى ثروتهم، ويحسنون إلى أنفسهم، وأجيالهم القادمة".
بخلاف الأوروبيين، يضيف الندوي: "الذين يجلبون خيراتها إلى بلادهم الخاصة، ويحلبون البلاد كبقرة مستعارة لا تقيم عندهم، ولا يجدون من بعد إليها سبيلا، وذلك سر عناية المسلمين بهذه البلاد وحرصهم على تقدمها ورفاهيتها".
الحضارة الإسلامية في الهند
يتناول الفيلسوف والمؤرخ الفرنسي، غوستاف لوبون في كتابه (حضارات الهند) بيان معالم الحضارة الإسلامية فيها، مبينا أن "العصر الإسلامي يبدأ في الهند في القرن الحادي عشر، وينتهي من الناحية السياسية في القرن الثامن عشر من الميلاد، وهذا العصر عُرف بأحسن مما عُرف أيُّ عصر آخر جاء قبله بفضل مؤرخي المسلمين، والهند خضعت في القرون السياسية التي دام فيها سلطان المسلمين لفاتحين من العرب والأفغان والترك والمغول القائلين جميعهم بدين محمد وخلفائه ونظمهم".
وعن مدى تأثير المسلمين في الهند يقول لوبون "وكان لهؤلاء الفاتحين الأثر البالغ في لغة الهند ومعتقداتها وفنونها، ولا يزال هذا الأثر باديا في الهند، فتجد في الهند خمسين مليونا من الهندوس يعملون بشريعة القرآن ، وتجد الناس يتكلمون في قسم كبير منها بلغة مشتقة من لغة السادة السابقين".
ويشيد لوبون بمدى "تأثير المسلمين العظيم في جميع البقاع التي خفقت فوقها رايتهم، ففي مصر مثلا قاموا بعمل أخفق الإغريق والرومان في القيام بمثله، أي أنهم حولوا لغة شعب كانت له أقدم حضارات العالم، وحولوا دينه وفنونه فلم ينشب أبناء الفراعنة، حين اتصلوا بالمسلمين أن نسوا ماضيهم الذي بذل العلم الحديث جهودا كبيرة لبعثه".
ويتابع: "والتحول الذي تم في جزء من الهند بفعل المسلمين هو دون التحول الذي في مصر، ففي الهند كان للمغلوبين من الأثر في الغالبين ما لم يحدث مثله في أي بلد خضع لأتباع محمد، فبعد أن كان للحضارة الجديدة التي أدخلها الأفغان والترك والمغول إلى وادي السند، ووادي الغنج فعل عظيم في الحضارة القديمة التي كانت فيهما، لم تلبث أن تأثرت بها فأسفر هذا عن ظهور حضارة ثالثة مشتملة على عناصر تينك الحضارتين بالتساوي تقريبا، وتسمى هذه الحضارة الثالثة بالحضارة الهندية الإسلامية".
وبحسب المصادر التاريخية، فقد تعاقبت على حكم الهند بعد الفتح الإسلامي لها، دول وأسر مسلمة من الترك والمغول والأفغان، بدءا من الدولة الغزنوية، ثم تلاها الدولة الغورية التي استمر حكمها حتى سنة 607ه، مرورا بدول وأسر عديدة كان آخرها الدولة التيمورية، وأثناء حكمها قام عدد من الحملات القادمة من أوروبا للوصول إلى الهند، على يد البرتغال، ثم من هولندا، ثم بريطانيا، التي انتصرت على البنغال، وأخمدت ثورة أحمد عرفان الشهيد، واستطاعت بريطانيا ضم الهند إلى أملاك التاج البريطاني عام 1858، وبذلك ينتهي تاريخ الهند الإٍسلامي".
عنصرية تهدد مسلمي الهند
تعود جذور المشكلات في الهند إلى زمن الاستعمار البريطاني الذي سعى بكل جهده، ليس فقط لإزالة الحكم الإسلامي، بل لتعميق الانشقاقات بين الطوائف الدينية في الهند، وبالذات بين المسلمين والهندوس بحسب الباحث المصري في التاريخ والحضارة الإسلامية. محمد إلهامي.
وأضاف لـ"عربي21": "ومع رحيل الاستعمار البريطاني بعد الحرب العالمية الثانية، لم يعد بالإمكان مع اشتعال الصراع الطائفي إلا خيار التقسيم، فانحاز المسلمون إلى باكستان، وانحاز الهندوس إلى الجزء الباقي في الهند، لكن وقعت أثناء هذا الانحياز مذابح هائلة قتل فيها الآلاف من المسلمين أثناء رحيلهم من مناطق الهند إلى باكستان، وصلت أحيانا إلى تفجير القطارات التي تقلهم، وإلى تفجير أماكن تجمعهم.
وتابع: "لكن أخطر ما في التقسيم أنه أمر لم يقدر عليه سوى من كان يملك تكاليف الرحلة، بينما بقيت الطبقات المسلمة الفقيرة في الهند تحت الحكم الهندوسي، ثم عملت التقلبات السياسية الاستعمارية على دعم الهند ضد باكستان، حتى نشبت حروب أهلية انفصلت فيها بنجلادش عن باكستان، ومع أن الأمم المتحدة قررت حق تقرير المصير لسكان كشمير إلا أن الهند ضربت بذلك عرض الحائط، ولا تزال تحتل كشمير، وتفرض فيها سياساتها العنصرية الطائفية".
وذكر إلهامي أنه "مع صعود الموجة الجديدة من القوميات اليمينية المتشددة جاء حزب مودي فأعاد تفجير هذه العصبية الهندوسية، وكان مسؤولا عن مذابح جوجارات في التسعينات إذ كان هو مسؤول الولاية وقتها، وكذا نائبه أمت شاه الذي هو الآن الرجل الثاني في الحزب الحاكم".
من جهته، أوضح الكاتب والباحث الهندي، محمود عاصم، أن "حزب الشعب الهندي (حزب بهارتيا جاناتا) تولى مقاليد السلطة في الهند عام 2014، وهو على علاقة وثيقة بالمنظمات الهندوسية المتطرفة لا سيما منظمة آر أيس أيس، وتعمل تلك المنظمات منذ زمن طويل على تهميش المسلمين في كافة مجالات الحياة، وتسعى لتخريب حياة المسلمين الدينية والاقتصادية.
وأضاف: "بعد استقلال الهند في عام 1947م، استمرت هذه المنظمات في عملها، ومع أن القادة السياسيين أنشاوا دولة علمانية جمهورية، لكن تلك المنظمات تسعى دوما لتحويل الهند إلى دولة هندوسية، وتعتبر ذلك من أهداف حزب الشعب الهندي كذلك".
وواصل حديثه لـ"عربي21"، بالقول: "ومن أجل تحقيق تلك الأهداف تقوم بإثارة اضطرابات طائفية من حين لآخر في منطقة من مناطق الهند، وآخرها في العاصمة الهندية أواخر شهر فبراير 2020، بإثارة القضايا المثيرة للجدل ضد المسلمين، كاتهام شباب المسلمين بالزواج من الفتيات الهندوسيات، وإثارة غضب الهندوس ضد المسلمين بسبب أكلهم لحوم البقر المقدس عندهم".
وخلص في ختام حديثه إلى التنبيه على أن "الحكومة الحالية قامت بعدة خطوات في سياساتها العنصرية ضد المسلمين، وذلك بتعمدها إهانة مسلمي الهند، وتشجيعها للهندوس المتطرفين، ومن ذلك إلغاء الوضع الخاص لمنطقة جامو وكشمير، وبناء معبد هندوسي فخم على أنقاض المسجد البابري، كما أن قانون المواطنة الجديد يعتبر خطوة خطيرة جدا لإرضاء رغبات الهندوس المتطرفين، وخطوة استباقية متقدمة لتحويل الهند من دولة علمانية إلى دولة هندوسية، وهو ما أدلى به زعماء الحزب الحاكم مرات عديدة".