هذا الموقع يستخدم ملف تعريف الارتباط Cookie
ززيارة الرئيس تبون إلى المملكة العربية السعودية، واستقباله من قبل للرئيس التونسي ولأمير قطر، توحي بوجود نية لدى الرئيس بإعادة صياغة السياسة الخارجية للجزائر، بتجديد الروابط مع عمقها العربي الاستراتيجي مع ما فيها من تعقيد، قبل الانفتاح على العمق الأفريقي، الذي فقدنا فيه وفي الفضاء العربي الكثير من مواقع التأثير خاصة منذ 2014، وغياب البلد عن الفعل في الساحة الدولية.
سرعة استجابة الرئيس للدعوة السعودية التي حملها وزير الخارجية السعودي، لها أكثر من مبرر موضوعي: بدءا بحاجة البلدين إلى مزيد من التشاور والتنسيق في الملف النفطي، مع احتمال تسجيل موجة تراجع جديدة لأسعار المحروقات على خلفية التراجع المرتقب في نسب النمو الاقتصادي العالمي، المهدَّد بتبعات غير محسوبة لوباء كورونا، وحاجة البلدين إلى قدر من التنسيق في بعض الملفات العربية العالقة، قبيل انعقاد القمة العربية القادمة في الجزائر، وأخيرا مراجعة وبحث سبل تعزيز التعاون الاقتصادي الثنائي، وانفتاح الجزائر على الاستثمارات العربية، التي عانت في العهد السابق من معوقات كثيرة، قادتها لوبيات متنفذة في إدارات الدولة، هي التي ورّطت البلد في اتفاقيات تعاون مغشوشة ومكلفة مع الاتحاد الأوروبي.
في الملفِّ النفطي، سبق للجزائر والسعودية أن قادتا بنجاح عملية تخفيض الإنتاج، وتسقيفه بنجاح مع إشراك دول وازنة من خارج أوبيك مثل روسيا، وهما اليوم بحاجة لتفاهمات جديدة تقنع المنتجين بالحاجة إلى برمجة تخفيض جديد في الإنتاج، يواجه تراجع الأسعار، وإصرار الولايات المتحدة على إغراق السوق وتعويض ما فقده بسبب العقوبات المفروضة على النفط الإيراني، ووقف الإنتاج في الحقول الليبية. ومن المتوقع أن يكون الرئيسُ قد وجد آذانا مصغية لدى القيادة السعودية، التي تستشرف أكثر من غيرها تأثير تراجع النمو في الاقتصاد الصيني والأسيوي، يعادل مخاوف الجزائر من تراجع الطلب الأوروبي على الغاز الجزائري، ودخول منافسين جدد في آجال معلومة.
وفي الملف الثاني المتعلق بالقمة العربية القادمة، فإن البلدين بحاجة إلى تدبُّر سبل وقف الانهيار العربي، وتفاقم الخلافات الثنائية وتداعيات مسلسل الهدم المنهجي الذي خضع له العالم العربي منذ الغزو الأمريكي للعراق، واندفاع قوتين إقليميتين (إيران وتركية) للمقاولة من الباطن للولايات المتحدة وروسيا، والآثار المدمِّرة للمشتبه من ثورات الربيع العربي التي خربت حتى الآن رُبع الدول العربية، ومهدت الطريق لما وصف بـ”صفقة القرن” الواعدة بتصفية القضية الفلسطينية.
يقينا، لم تكن الجزائر والسعودية على توافق في كثير من الملفات العربية، لكنهما محكومتان بواجب وضع الخلافات على جانب، والبحث في سبل ترميم الأوضاع العربية المتردِّية، والحفاظ على الحد الأدنى من التشاور والتعاون تحت سقف جامعة عربية، تحتاج في القريب العاجل إلى مراجعة عميقة في ميثاقها، وفي أدوات صناعة القرار العربي الوازن، واغتنام القمة العربية القادمة في الجزائر لبحث وتطوير البرنامج الإصلاحي الذي سبق للجزائر أن عرضته على الدول الأعضاء، وقوبل وقتها برفض مصري وخليجي غير مبرَّر.
وعلى مستوى ملف التعاون الثنائي بين الجزائر والسعودية ومع عموم دول الخليج، يمكن المراهنة على التوجُّهات الجديدة في برنامج الرئيس نحو مزيدٍ من الانفتاح على الاستثمارات العربية، لتسهيل بناء تعاون مثمر في كثير من المجالات الصناعية، والفلاحية، والسياحية، التي قد تغري المستثمرين العرب بما تتهيأ له الجزائر من أداء دور البوابة الأولى للاستثمار في السوق الأفريقية الواعدة، خاصة أن أغلب الاستثمارات الخليجية في الجزائر كانت ناجحة ومجزية للطرفين، وقد يمنحها الاستقرار المستعاد، وتنامي القدرات العسكرية والأمنية، مزيدا من الضمانات، وربما تحتاج من الجزائر إلى التوجُّه لأشقائها في الخليج بعرض شراكة طموح ومستدام في ثلاثة قطاعات واعدة، لتنمية عربية مستدامة في صناعات الطاقات البديلة، والزراعة، والسياحة، تمنح امتيازاتٍ خاصة وملاذا آمنا للمستثمِر العربي.
عن صحيفة الشروق الجزائرية