هذا الموقع يستخدم ملف تعريف الارتباط Cookie
نشرت مجلة "فورين بوليسي" مقالا للسفير الإسرائيلي السابق لجنوب أفريقيا، ألون ليل، يقول فيه إنه في أيام ذروة نظام الأبارتايد في جنوب أفريقيا، خططت الأقلية البيضاء أن تقيم 10 "أوطان" -تعرف أيضا بـ إنتوستانات- وذلك ليعيش السود بعيدا عن المدن التي كان النظام يأمل بأن تبقى بيضاء.
ويشير ليل في مقاله، الذي ترجمته "عربي21"، إلى أن ذلك كان في ذروة ما أطلق عليه النظام "التنمية المنفصلة"، في محاولة لصرف الأنظار عن القمع العنصري بالزعم أن السود منحوا الاستقلال في دولهم الخاصة بهم، وليسوا مواطنين من الدرجة الثانية في جنوب أفريقيا.
ويلفت الكاتب إلى أن "حكومة الأبارتايد أقامت بالمحصلة أربعة بانتوستانات فقط (بوتسوانا وفيندا وكيسكي وترانسكي) و6 مناطق حكم ذاتي، ورفضت الحكومات الأجنبية في الغالب الدول الألعوبة بسبب طبيعتها، وكانت جنوب أفريقيا هي الدولة الوحيدة التي تعترف بالباتوستانات، وكانت القرارات الأساسية يتم اتخاذها لها في بريتوريا".
ويقول ليل: "لقد قضيت عقودا من حياتي في خدمة الخارجية الإسرائيلية، بما في ذلك الخدمة مسؤولا عن مكتب جنوب أفريقيا في وزارة الخارجية الإسرائيلية خلال فترة الأبارتايد وسفيرا لإسرائيل في جنوب أفريقيا من 1992 إلى 1994، خلال تحول البلد إلى الديمقراطية".
ويضيف الكاتب: "خلال هذه السنوات تعلمت، وهو ما أزعجني، بأنه لم يكن هناك بلد في العالم (عدا جنوب أفريقيا) شارك في اقتصاد البانتوستانات أكثر من إسرائيل، فقام الإسرائيليون ببناء المصانع والأحياء ومستشفى، وحتى استاد كرة قدم ومزرعة تماسيح، في تلك الدول الألعوبة في جنوب أفريقيا"
ويتابع ليل قائلا: "ذهبت إسرائيل إلى حد السماح لأحدها، وهي بوتسوانا، بأن تكون لها بعثة دبلوماسية في تل أبيب، وكان زعيمها، لوكاس مانغوبي، الذي قاطعه العالم كله لأنه اضفى الشرعية على نظام الأبارتايد بالتعاون مع النظام الجنوب أفريقي، ضيفا متكررا على إسرائيل".
وينوه الكاتب إلى أنه "في الوقت الذي كان العالم كله يقاطع مهزلة البانتوستانات، كانت إسرائيل -تحفزها الرغبة في التعاون الأمني وسوق لتصدير الأسلحة- تحشد الدعم لنظام الأبارتايد، وبدأ التعاون الأمني بين إسرائيل وجنوب أفريقيا عام 1974، وانتهى فقط مع انتخاب نيلسون مانديلا عام 1994".
ويفيد ليل بأن "العلاقة امتدت 20 عاما، وتضمنت تطوير الأسلحة المشترك وإمداد إسرائيل لجنوب أفريقيا بالتدريب العسكري والأسلحة، وفي الواقع كانت جنوب أفريقيا أحيانا أكبر مستورد للأسلحة الإسرائيلية، وكان قد استمر هذا التعاون لحوالي عقدين عندما أصبحت سفيرا، وكان معقدا لدرجة أنني حتى بصفتي سفيرا لم أكن مطلعا على تفاصيله، حيث كان تنسيقه يتم بشكل كبير عن طريق وزارة الدفاع بدلا من وزارة الخارجية، ومن خلال هذا التعاون أصبحت إسرائيل أحد أقرب حلفاء جنوب أفريقيا -اقتصاديا وعسكريا ودبلوماسيا- واستجابت لطلبها المساعدة في تطوير البانتوستانات".
ويشير الكاتب إلى أن "هذه البانتوستانات سقطت في المحصلة مع نظام الأبارتايد، والفضل في ذلك جزئيا يعود للنشاط المنظم الدولي وعدم الاعتراف، بما في ذلك الضغط والمقاطعة، بالرغم من دفاع مجموعات استعلاء العرق الأبيض في جنوب أفريقيا عن نظام البانتوستانات حتى أواخر أيام الأبارتايد".
ويقول ليل: "قد أصبح واضحا الآن أن محاولات تحسين صورة نظام ظالم وقائم على التمييز بإقامة دول مستقلة يعيش فيها رعايا لا يملكون أي حقوق سياسية، لم تنجح في جنوب أفريقيا، ولن تنجح في أي مكان آخر".
ويلفت الكاتب إلى أن "هذا الدرس يتم اختباره الآن بمساعدة فعالة من أمريكا على شكل ما يسمى صفقة القرن التي جاء بها الرئيس دونالد ترامب، تحاول إسرائيل أن تطور نسختها للقرن الجديد من السياسة البغيضة لجنوب أفريقيا القديمة".
ويذكر ليل أن "ترامب في البيت الأبيض قام في الفترة الأخيرة بمنح هدية أخرى لصديقه الحميم، رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو قبل انتخابات 2 آذار/ مارس في إسرائيل، بعرضه خطة قام زوج ابنته ومبعوثان بوضعها دون وجود أي فلسطيني".
ويبين الكاتب أن "تفاصيل الحل المقترح والخطاب الصادر عن ترامب ونتنياهو جعلت من الواضح أن هذه ليست (صفقة)، لكنها تطبيق لخطة نتنياهو لفترة طويلة، وهي تقوية السيطرة الإسرائيلية على الضفة الغربية بإعطاء المواطنين جيوبا منفصلة عن بعضها دون منحهم أي حرية حقيقية أو حقوق سياسية أساسية، وكان ذلك بالضبط هو هدف سياسات البانتوستانات في جنوب أفريقيا القديمة".
ويعلق ليل قائلا إن "البيت الأبيض يرغب بالتظاهر بأنه يخرج عن التقليد، لكنه في الواقع يقوم بتدوير خرائط وأفكار قديمة، ولم يحاول ترامب فقط منح صديقه ثلث الضفة الغربية، بل حاول أيضا أن يوفر لنتنياهو طريقا نحو القبول الدولي، بطريقة شبيهة لاعتراف أمريكا بسيادة إسرائيل على مرتفعات الجولان، ونقل السفارة الأمريكية إلى القدس، ويستمر ترامب في إرسال الإشارات بأنه يستطيع وأنه سيقوم بإلغاء سياسات المجتمع الدولي التي دامت فترة طويلة بإملاءاته".
ويؤكد الكاتب أن "هذه أخبار سيئة لملايين الفلسطينيين، لكن ليس لهم فقط، فعلى مدى السنوات توصلت الأمم المتحدة إلى أن تقسيم الأراضي بين البحر والنهر إلى دولتين مستقلتين على أنه الحل الوحيد القابل للعيش، ويقوم هذا الحل على الاعتقاد بأن الناس الذين يعيشون على تلك الأرض كلهم، والبالغ عددهم 14 مليونا، لهم حق الاستقلال والمساواة والكرامة، وأن أفضل طريقة لتحقيق هذا كله هي من خلال إنهاء الاحتلال الإسرائيلي، الذي دام لأكثر من 50 عاما، وأن تقسم الأرض بحسب حدود 1967".
وينوه ليل إلى أن "العديد من المؤسسات البارزة، مثل الاتحاد الأوروبي والجامعة العربية، أعربت مكررا عن دعمها الالتزام بهذا النموذج للحل، وكذلك الإدارات الأمريكية السابقة في ظل إدارة الرؤساء الجمهوريين والديمقراطيين، ولسوء الحظ فإن التزام المجتمع الدولي المزعوم بحل الدولتين لا يزال بانتظار أن يجسد بأي شكل واقعي، وهو ما جعل نتنياهو وترامب يستنتجان أن الجو خال لرؤيتهما التي تقوم على الضم".
ويستدرك السفير السابق قائلا إن "الخارطة التي احتوت عليها خطة ترامب تقليد لنموذج البانتوستانات، حيث فتات الأراضي الفلسطينية محاطة تماما بأراض تحت السيطرة الإسرائيلية، ما يجعل سيطرة مجموعة إثنية أو دينية على أخرى سيطرة دائمة".
ويجد ليل أنه "لذلك فإنها تنتهك مبادئ وقوانين النظام الدولي، في إشارة إلى أن ترامب يعتقد أن بإمكانه أن يتجاهل القانون الدولي ويمنح الشرعية لنموذج أبارتايد جديد للقرن الحادي والعشرين، ويجب مقابلة استعراض القوة المتبجح هذا بجواب واضح".
ويشير الكاتب إلى أن "مجلس الأمن تبنى قبل ثلاث سنوات فقط القرار 2334، الذي ينص على أن المستوطنات في الأراضي الفلسطينية المحتلة غير قانونية، وأنه لن يتم الاعتراف بأي تغيير لحدود ما قبل 1967 من طرف واحد، وللرد على ترامب ونتنياهو -باعتبار أن الأخير أعلن عن مخططات لضم أراض خلال أشهر- يجب أن يتحدث الزعماء الإقليميون والغربيون والمؤسسات الدولية الكبيرة بصوت عال وواضح".
ويختم ليل مقاله بالقول: "لا يجب أن يعطي أحد موافقة ضمنية على هذا الشكل الجديد للأبارتايد والأيديولوجية التي يقوم عليها، فإن فعل ذلك خيانة، ليس فقط لإرث وفاعلية المقاومة الدولية للأبارتايد في جنوب أفريقيا، لكن أيضا لملايين الناس الذين يعيشون في إسرائيل وما يجب أن يكون فلسطين المستقلة".
لقراءة النص الأصلي اضغط (هنا)